الأمة الإسلامية - 5 – والأخيرة

الشيخ مجد مكي
الأمة بين حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرام الله عزَّ وجل:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على إيمان الأمة واستقامتها على دين الله حرصاً زاد وفاض حتى وصفه الله تعالى بقوله : [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ]  أي: يصعب عليه مشقتكم حريص على إيمانكم وهوصلى الله عليه وسلم [بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:128} .( رؤوف ) يحرص على إبعاد المكروه عنهم (رحيم) يسعى لإيصال الخير إليهم.
ولقد بذل صلى الله عليه وسلم كل جهده وطاقته في سبيل الأمة حتى قال الله له : [فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا] {الكهف:6} .
وقال سبحانه :[لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ] {الشعراء:3} .
ولقد بذل صلى الله عليه وسلم كل ما في وسعه لإخراج الناس من الكفر إلى الإيمان، فدل على الخير وحبَّب فيه، وحذر من الشر ونفر منه.
ومن حرصه على أمته: دعاء الله أن يحفظها من كلِّ مهلك، واستجاب الله دعاء، نبيه، وطمأنه بحفظ أمة الإسلام ومعافاتها.
لقد دعا صلى الله عليه وسلم للأمة دعوات خاصة:
ـ سأل الله ألا تنقلب عن الإسلام إلى الكفر، وألا تجتمع على ضلالة.
ـ وسأل الله: أن لا يهلكها بالقحط ـ بالجفاف ـ ولا بالغرق.
ـ وسأل الله :أن لا يهلكها عدوها.
ـ وعمَّم في دعوته فسأل ألا يهلكها بأيِّ بلاء أهلك أمة من الأمم السابقة. واستجاب الله تعالى له هذه الدعوات..
ومما ينبغي التنبيه له: أن دعواته صلى الله عليه وسلم المستجابة هذه إنما هي لرفع البلاء العام، فلا تنحرف الأمة كلها عن الحق، ولا تهلك كلها بالقحط أو بالغرق، أما أن يقع بعض بلاء لبعض الأمة فهذا ممكن... وكما حظيت هذه الأمة بحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الخير كله لها، فلقد كان فضل الله عليها أعظم، فعلِّم سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم دعوات يدعو بها للأمة، وطمأنه على استجابتها... وهذه الدعوات في سورة الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة، و هي دعوات بالتيسير والهداية والرحمة والنصر على الأعداء.
وهكذا اجتمع للأمة كاملة أسباب البقاء الدينية والعملية، فلن تهلكها جائحة، ولن تهلك بالانحراف عن دين الله، وستظل محفوفة بالعناية الإلهية، ومشمولة بالعفو والمغفرة والتأييد...
إن هذه الدعوات أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باستجابتها، ونحن نعيش بركة تحقُّقها، وهذا من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم، ودليل قاطع على كمال المنهج، وسلامة نصوصه.
ومما يعلي شأن السنة النبوية في ساحة هذه الدعوات : أن يخبر صلى الله عليه وسلم أن دعوة من دعواته تلك لم تستجب له، فلقد سأل الله ألا تختلف هذه الأمة، وألا تقتتل، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله لم يستجب له هذه الدعوة، وإنما الأمة في هذا موكولة للقرآن والسنة، فهما كفيلان بكفاية الأمة ذلك.
الدعاء بأن لا يهلك الله هذه الأمة بالقحط ولا بالعدو:
روى مسلم (2889) في كتاب الفتن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيت مَشَارقها ومَغَاربها، وإنَّ أمَّتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، و أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي : أن لا يهلكها بسنة عامة  ـ القحط وانقطاع المطر ـ وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم ـ معظمهم ومجموعهم ـ وإن ربي قال : يا محمد، إي إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً).
ـ زوى لي الأرض : جمعها وضمَّها حتى رأى صلى الله عليه وسلم المساحات الشاسعة منها .
ـ الكنزين الأحمر والأبيض أي : الذهب والفضة، وهما عملتا فارس والروم، فكانت عملة كسرى ملك العراق : الذهب، وعملة قيصر ملك الشام : الفضة.
والمعنى : أن الله سيفتح هاتين المملكتين للإسلام، وسيدخل أهلها دين الله .
ـ وإني سألت ربي لأمتي : رجوته لأمتي، سؤال لجميع الأمة، فلا يقع هذا الأمر لكلِّ الأمة سأل الله تعلى أن لا يهلك هذه الأمة بقحط يعم الأمة كلها، لكنه قد يحل بناحية من نواحيها، وحينئذ على الآخرين إغاثة هذه الناحية المبتلاة بالقحط.
وسأل ربه تبارك وتعالى: ألا يمكِّن عدواً من أعدائها يستبيح كرامتها، ولو اجتمعت كل الأمم على أمة الإسلام، فإنهم لا يقدرون على هزيمتها هزيمة عامة، أما هم بعضهم في بعض، فيمكن أن يهلك بعضهم بعضاً، ويمكن أن يأسر بعضهم بعضاً. في هذا الحديث يخبر أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله لأمته أمرين هما : ألا يهلكها بالقحط، وألا يهلكها بتسليط الأعداء عليها. ويخبر أن الله قد استجاب له الدعوتين، فلن تهلك أمته بالقحط، ولن يهلكها الأعداء مهما كانوا.
والمتأمل في ظروف أمته صلى الله عليه وسلم يجد أن هذين الأمرين كان وقوعهما هو الأغلب، فالصحارى واسعة، والماء قليل، وإذا لم يغث الله أهلها بالأمطار هلكوا بالقحط، وأعداء الأمة حولها أقوياء، فالفرس والروم يحيطون بها، وهما إمبراطوريتان قويتان ومن هنا يدعو لأمته بالنجاة من هذين الأمرين الخطيرين، ويطمئننا بأن الله سبحانه قد استجاب دعوته صلى الله عليه وسلم .
وتمر السنون والقرون، والأمة في منجاة من هذين الخطرين، فلم تمت الأمة بالقحط، ولم تهلك الأمة بالعدو، فكم تآمر الأعداء عليها، و تجبَّر المتكبرون، والأمة تخرج أقوى وأصلب وستمر القرون إلى قيام الساعة وهذا الوعد متحقق .
زماننا الذي تتنافس فيه الدول على مصادر المياه والذي يتكالب فيه الأعداء من كل دول العالم للقضاء على الإسلام، ولكن الله يحفظ الأمة ويسلمها... فسبحان ربنا الذي علم رسولنا هذه الدعوات، واستجاب له. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
من مصادري في هذه الخطبة:
 الأمة الإسلامية : حقيقة لا وهم، للدكتور القرضاوي .
 من أجل صحوة راشدة، للقرضاوي 138ـ145.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين