أثر شعبان على سلوك المسلم - من فضائل ليلة النصف من شعبان

الحمد لله , وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه , وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

فإن من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن جعل لها محطات تتوقف فيها فتراجع نفسها, وتتفكر في أمرها, وتدقق في حسابها.

هذه المحطات بمثابة منبِّه أمين حريص يقول للإنسان: قفْ وتبّصر في طريقك , وانظر مواقع أقدامك , وتحرّز , ففي الطريق مطبات وعقبات, فإن لم تستعد لها, وتعد العدة لتجاوزها, وتتحزم لمواجهتها كنت على شفا حفرة!

ومن هذه المحطات الربانية شهر شعبان هذا , وهو شهر جعل فيه الحقُ سبحانه إطلالة قدسية من إطلاعاته إلى خلقه, تنهمر منها الرحمات وتعم البركات, وتسح فيه المغفرة الإلهية سحاً .

ولنتأمل في الحديث الذي أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) والطبراني في معجميه ((الكبير))و ((الأوسط)) وأبو نعيم في ((الحلية)) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".

وحين يتأمل الإنسان المسلم في هذا النص النبوي فهو لابد أن يتطلع إلى حصول هذه المغفرة وانصبابها عليه لتغسل أدرانه وسيئاته , وترقق قلبه, وتطلق عبرته, وتنهض به إلى ربه خفيفاً يحث الخطا إلى رضىً من ربه ورضوان, بعيداً عن إصر الذنوب وقيد الخطايا والإخلاد إلى الأرض , والتثاقل عن نسمات الأسحار ومواسم الأبرار , وهذا كله متوقف على أن يتوقف, ويخلو بنفسه في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ , لينظر في إيمانه وأعماله , ويفتش زوايا قلبه وروحه ونفسه , فيجدد إيمانه , ويصفيه من كدورات قد تكون لحقت به في غفلة من الغفلات , ويتحقق بقوله تعالى:[فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ] {محمد:19} . ويعقد قلبه على توحيد خالص أنه لا يضر ولا ينفع ويصل ويقطع ويعطي ويمنع ويضع ويرفع إلا الله سبحانه , ثم ينظر في علاقته بإخوانه المسلمين, فإن كانت الدنيا قد أوقعت بينه وبين أحد منهم _سواء كان ظالما أو مظلوماً_ بادر إلى إلى سلّ تلك السخيمة من نفسه , ورمى بالحقد والبغضاء والحسد والكيد والمكر جانباً, وسعى إلى تحقيق الوحدة بين المسلمين_من خلال علاقاته هو على الأقل_ وقام بإيمان صادق , ونفس صافية يتعرض لغيث المغفرة المنهمر الذي جعل الله ليلة النصف من شعبان موعداً له.

حقاً إن شعبان شهر الوحدة والتوحيد , فلنتحقق بهذين الوصفين , ولنستعد لدخول رمضان ونحن على غاية من الصفاء والنقاء.

والله الموفق لاربَ سواه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين