فقه الإصلاح المسلمون ومفاهيم غربية

 

ماهر سقا أميني

 

مما يرد في تعريف الإسلاميين من مغالطات أنهم حتماً لا يؤمنون بالديمقراطية والحرية والليبرالية وتحرير المرأة والمساواة بين الرجال والنساء والمساواة بين المسلم وغير المسلم أو المعتنق لأي فلسفة حتى ولو كان مسلماً (موسوعة ويكيبيديا) .
 
 
ومن الواضح أن المغالطة هنا تأتي أولاً من عدم تحديد معاني الكلمات كالديمقراطية والتي تعني عند كثير من الناس شيئاً يشبه العدالة ومساهمة الفرد أي فرد في الحكم، والحرية كلمة عامة تحتاج هي أيضاً إلى تحديد، أما الليبرالية فهي كلمة ما أظن أن كثيرين من مستخدميها يعرفون بالضبط عناصرها ومعانيها، وعندما يتم تحديد هذه المصطلحات يظهر واضحاً أن للمسلمين وجهة نظر في بعض جوانب كل اتجاه من هذه الاتجاهات يمليها عليهم دينهم وتصورهم للوجود والخالق، وشريعتهم المأخوذة من الكتاب والسنة، وليست هذه الاتجاهات في النهاية إلا ممارسات بشرية تحمل ملامح البلاد التي نشأت فيها ونتائج تجارب أبنائها وخبراتهم، وبالتالي ليس جرماً ألا يكون فيها ما يناسبنا على ألا تستخدم بصورة عامة ومائعة، بحيث يوحي رفضها أو انكارها بأنه رفض لقيم مطلقة كالخير والحق والجمال والعدل، ومن الواضح الخلط في التعاريف المستخدمة، حيث تحشر كلمتا الديمقراطية والليبرالية بين كلمتي المساواة والحرية ولا يحدد معنى معيناً للتعبيرين الأخيرين، حتى يبدو من يخالف كأنه يخالف ما لا يتصور الخلاف والاختلاف معه، وبهذا تحكم الضربة في صدر الإسلام والمسلمين .
 
 
وفي عجالة يمكن القول إن الديمقراطية إذا كانت تعني مساهمة الناس في الحكم فإننا إسلامياً نرفض أن يكون للناس كل الناس قدرة على مخالفة الشريعة حتى ولو أجمعوا على ذلك، فالإجماع على الرذيلة لا يجعلها فضيلة، وهذه نقطة قد يختلف فيها المسلمون عن الديمقراطيات الغربية، أما الأشكال الإجرائية لمساهمة الناس في السلطات الثلاث في ظلال الثوابت الإسلامية فهذا ما لا يوجد في الاسلام ولا عند المسلمين مبرر لرفضه، سيما وأن الشورى أمرها واضح ومجمع عليه من قبل المسلمين من واقع القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، والقول عند أكثر الفقهاء إن الشورى ملزمة للحاكم، أما الحرية فهي كلمة حيادية لا تعني شيئاً، وإنما تكتسب قيمتها في الإضافة اليها، فحرية القتل مثلاً ليست محمودة عند أحد، وحرية الإفساد يجب أن تكون مرفوضة عند الجميع، ومن حق المسلمين ألا يروا في حرية الإنسان في إيذاء نفسه أو الآخرين ما يحبذ وينادى به، والليبرالية إن عنت المساواة والدستورية والنزاهة في الانتخابات وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد فلا يوجد عند المسلمين مبرر لرفضها، إلا إذا قلنا إن هذه المعاني والإجراءات تأخذ مع الإسلام مساحات واتجاهات وتبريرات وتحديدات هي أجدر ألف مرة مما هو عند الآخرين، إذ يكفي أن هذه كلها ستكون مقررة من الله عز وجل، وبالتالي ستكون ملزمة لمن يؤمن به تعالى وبالتالي بها، إلا أن لليبرالية الغربية عناصر قد لا تناسب المسلمين - وأعود لأؤكد ضرورة عدم التعامل مع هذه الكلمات كأنها كلمات مطلقة - كالفردية والمبالغة بها، والعلمنة كإقصاء للدين عن إدارة الحياة، وحرية التعبير في الإساءة إلى مقدسات الناس ومشاعرهم .
 
 
أما تحرير المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة فللمرأة في الإسلام حقوق قررتها الشريعة سابقة بذلك كل القوانين والحقوق المعلنة منذ ما لا يزيد على مئة سنة في أحسن الأحوال، من دون أن تدفع مقابل هذه الحقوق من أنوثتها وعفافها ورعايتها لأطفالها، وما يحكم العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام هو العدل وليس المساواة التي لا تعني إلا إهمال الخصائص النفسية والعقلية والجسمية لكل منهما .
 
 
والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين قررتها الشريعة حتى إن من آذى معاهداً كان كمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكد ذلك سلوك الفاتحين المسلمين عبر التاريخ بشهادة القوم أنفسهم، من هنا يتضح أن كل ماسبق في التعريف مما يثير الشغب والمخاوف لا أساس له، وأن خير ما يؤكد ما ذهبنا إليه هو كتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده وسيرة التابعين تحت عنوان عريض هو أنه لا إكراه في الدين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين