زوج سفاح الشام وأولاده -2-

عبد العظيم عرنوس

الولد الثاني :
2 – الحقد .. وهو الولد الثاني الذي ولدته زوج السفاح من بعد الولد الأول ( الحمق ) وهو مولود قميئ شائه .. والحقد سوء ظن في القلب على الخلق مصحوب بالعداوة والبغضاء والكراهية الكامنة في النفس التي تصل إلى حد السخط ، والحقد يقتضي التشفي والانتقام بسبب خبث النفس وشحها بالخير على عباد الله .. والحقد جرعة كراهية مكثفة لكثير من الرذائل التي نفَّر منها الإسلام
الحقد داء دفين ليس يحمله ** إلا جهول مليء النفس بالعلل
ما لي وللحقد يشقيني وأحمله ** إني إذن لغبي فاقد الحيل 
ومن وجهة نظر تحليلية يقول ( علي البطاح ) الحقد شعور إنساني تجاه شخص أو أكثر لسبب معين يدفع صاحبه إلى الرغبة في الانتقام ، ويرادفه : الضغينة ، النقمة ، الغلّ .
والحقد مصدر دفين لكثير من الرذائل الخُلقية والتعاملية التي رهَّب الإسلام منها ؛ لأن من لوازم الحقد العدوان على الأبرياء التي يدفع إليها الكره الشديد ( الحقد ) والافتراء عليهم وسوء الظن بهم وتتبع العورات ، وتعيير الناس بعاهاتهم وخصائصهم النفسية والبدنية ، وقد نفر الإسلام من هذه الخصال النابعة عن الحقد أشد التنفير
والحقود تغلي مراجل الحقد في جوانحه لأنه يحمل نفسا مظلمه وقلبا أسود ، لا يعرف للعفو طريقا ، ولا للصفح سبيلا ، ويضمر العداوة والبغضاء في قلبه ، ويتحين الفرص للانتقام ممن حقد عليه ؛ لكن يأبى الله إلا أن يفضح الحاقدين على الملأ ، ويظهر ما في نفوسهم من بغض وحسد وكراهية للإسلام وأهله
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (محمد:29)
والقلب الذي تتمكن منه الضغائن والأحقاد يفسد لأنه أصيب بداء عضال ، وسرعان ما يتسرب الإيمان من القلب الحقود كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم.
ألم تر إلى البوطي - مع أنه حامل أسفار العلم - لما تمكن الحقد من قلبه على العاملين بصدق للإسلام ، الرافعين لواء محاربة الطواغيت الصادين عن سبيل الله يبغونها عوجا، كيف أداه حقده للكراهية الشديدة لهم ، فأصبح لا يبالي بكيل التهم لهم ، ورميهم بكل نقيصة ، في الوقت الذي يثني فيه على القتلة والسفاحين من كل جنس ونوع ولون ، وشياطين الإنس والجن تحف به من كل جانب توحي له زخرف القول غرورا ، ذلك أن الشيطان ربما عجز أن يجعل من الرجل عابد صنم لكنه لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه حتى يجهل حقوقه أكثر مما يجهلها الوثني المخرف ، والشيطان يحتال لذلك بإشعال نار الحقد والعداوة في القلوب حتى إذا اشتد ضرامها استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم.
فالحقد يفض إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في الكيد والشر ، لأنه من نزغ الشيطان لا يستجيب لداعيه إلا من خفت أحلامهم وطاشت عقولهم ، والحقد برهان على غباء صاحبه ووضاعته ، والحاقد قلق النفس ساقط الهمة واهن العزم مُضلَّل مخطئ في تقدير الأمور لأنه جاهل بربه وبسنته في الكون.
والحقد يغضب الرب عزو وجل ويؤدي بصاحبه إلى الخسران المبين في الدنيا والآخرة ، والإنسان الكريم النبيل يترفع عن هذه الخصلة الذميمة ليرتقي في مدارج الكمال ، ويصعد إلى العلياء
قال عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ** ولا ينال العلا من طبعه الغضب
ومهما وسوس الشيطان ، وأوقد نيران العداوات والأحقاد ، فإن الإنسان السوي العاقل لا يصغي له ويرد كيده إلى نحره ، وقديما قال المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي ** وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ** وليس كريم القوم من يحمل الحقدا
 
الولد الثالث :
3 – الجريمة : وهو أخطر أولاد الطاغية وأشدهم ضررا ووبالا وفتكا، لأنه متولد عن الحقد ، والحقد يؤدي إلى اقتراف أبشع أنواع الجرائم.
قال الراغب : أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجر. والجرم مصدر الجارم الذي يجرم نفسه وقومه شرا .. وقال ابن منظور : الجرم (بالضم) التعدي والذنب.
وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنه : فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد وسابق إصرار وتصميم سواء كان ذلك في حق الله أو في حق العباد .
أما في كتب القانون والمصطلحات الحديثة فقد أخذ مصطلح الإجرام بعدا اجتماعيا وقانونيا واسعا ، فقيل : الجريمة : كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ، ويعاقب عليه القانون . وتجلى شخصية المجرم في أنه شخصية تتوجه إلى الاستخفاف بالقوانين والقيم والأعراف .. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تكوين الشخصية الإرهابية التي تتسم بسلوك عدواني تسلطي دموي ، فضلا عن القسوة الزائدة على الآخرين بدون تقدير المسؤولية مع الاستهتار الشديد ، وعدم إبداء أي اهتمام لمشاعر أو حقوق الآخرين.
وهذا ما نراه مصورا بأجلى صورة يراها الناظرون عيانا.. الجرائم التي يقترفها سفاح الشام بشتى أنواعها وصورهاالقاتمة الملونة بأبشع الألوان قتامة وفظاعة .. بحيث يبدو أمامه هولاكو قزما لأن هولاكو عدو ومجرم خارجي جاء من وراء الحدود، أما سفاح الشام فهو عدو ومجرم داخلي خطره أكبر بكثير من العدو الخارجي ويرتكب جرائمه الرهيبة تحت مبرارات وأغطية خادعة منها المقاومة والممانعة ومحاربة المندسين والإرهاب و وو .. الأمر الذي يستدعي من كل أحرار العالم تدارك الأمر والأخذ على يدي هذا المجرمالأفاك لقطع دابر جرائمه المتولدة عن الحقد الدفين الأعمى والحمق المنقطع النظير والغرور المستكبر الطاغي .. الجرائم التي قد يتطاير شررها وضرامها لما وراء الحدود فتحرق الأخضر واليابس .. فهل يا ترى من مدكر.
أرى خلل الرماد وقود نار ** ويوشك أن يكون لها ضرام
لئن لم يطفها عقلاء قوم ** يكون وقودها جثث وهام
تابع المقال الأول على الرابط

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين