فرعون سورية خطيباً.. ليته سكت!

د/ خالد حسن هنداوي

يا أسفا على بلاد الشام في هذا العصر المختلف أن يرتفع فيها التحوت – ولو شكلياً – وينخفض الوعول، قيل: يارسول الله ومن التحوت؟ قال: أسافل الناس، قيل: ومن الوعول قال: كرام الناس! وهكذا أريد لسورية منذ أكثر من أربعة عقود وإنك لتحزن إن كنت حراً ذا ضمير حي وأنت ترى صاحب الطلعة البهية المدعو بشار الأسد واقفا أمام مجلس الشعب المزور ليلقي عليهم الدروس التعليمية والعظات المتناقضة ويقول لهم أنا الولد الذي أحكم البلد ولكنني ببيان شكيب أرسلان وبلاغة الرافعي ووصف المنفلوطي وإن كنت أعتمد على ما نقل إلي في ورقة الخطاب فهذا ليس عيبا، وأنت أيها القارئ إن كنت متأملا باحثا عن الحقيقة فاعلم أن جميع المستشارين من ديني وسياسي ونفسي وعسكري واقتصادي وغيرهم كلهم قد اشتركوا في مده بهذه المصطلحات والعبائر التي ما كان له أن يتفوه بها ويعلق على بعضها لولاهم وبعد فترة كافية للحفظ والمراجعة ولكن وإن كان لا بأس فيجب أن يعلم أن ذلك ليس من إنشائه شكلا وفنا، وأما الأهم من حيث الموضوع فهو – كما جاء في الأثر: (صدقك وهو كذوب) بيان طويل كطول صاحبه، ممل لكل من أدرك حقيقة المدلسين والغشاشين والماكرين الكائدين لشعوبهم من عصابات الطغاة المتجبرين في كل زمان ومكان يريدون أن يقنعوا الجماهير والعالم بسلامة نواياهم وسطوع حقهم فيفضحهم الواقع الذي هو أكبر دليل على ما يرتكبون من فظائع وشنائع ويكفي أن نتذكر التقرير الاحصائي العسكري الذي نقلته القنوات قبل خمسة أيام أنه بلغ عدد القذائف التي أطلقت على الشعب السوري وممتلكاته في البلاد منذ سنة وشهرين أكثر من ثلاثة ملايين قذيفة وبلغ عدد الرصاص المصبوب رميا على الشعب المسكين والثائرين أكثر من أربعة مليارات بواقع 300 رصاصة من كل جندي يوميا ثم يأتي الملهم المجرم ليكذب ويكذب ويقلب الحقائق وكأنه ليس مسؤولاً عن شيء كما كرر في خطاباته السابقة، ألم يتذكر أنه منذ تفجر الثورة قد قال: إنه إذا تفاقم الأمر فإنه سينجز ما أنجزه والده في مدينة حماة عام 1982 حيث المجزرة الكبرى ومأساة العصر التي راح ضحيتها يومها أكثر من خمسة وأربعين ألف شهيد، فالولد سر أبيه وهو في هذا الخطاب يهدد بمجازر أخرى، فعلى من يلعب، أما عراه الشعب من أي منقبة حيث وقع ضحية له ولعصابته وشبيحته وشركائه في القتل والإجرام المنظم الممنهج ولا يضر ولو أحرق المنطقة كما صرح من أجل أن يبقى في السلطة وما حديثه الممجوج إلا كما قال أبو تمام:
 
تخرصا وأحاديثا ملفقة
 
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
 
فمثله قد ألف الكذب على الجماهير حتى لو رام مجانبته عسر عليه وكما قال الأخطل:
 
إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل
 
لدى الناس كذابا وإن كان صادقا
 
ومثل هؤلاء فإن كذبتهم مثل الكرة الثلجية تكبر كلما دحرجوها كما قال مارتن لوثر، والذي يدعو إلى السخرية والرثاء أكثر أنهم يكذبون الدنيا والعالم أجمع ليقولوا أكذب أكذب حتى يصدقك الناس وقد قال الفيلسوف الانجليزي برنارد شو: مأساة الكذاب ليس في أن أحدا لا يصدقه وإنما في أنه لا يصدق أحدا، ومع ذلك فمثل هؤلاء والدجالون أمثالهم، إنما يعيشون على مثل المنافقين في هذا المجلس المسرحي وبقية المنتفعين والمطبلين والمزمرين ومن يتبعهم من طائفتهم وغيرهم، يالله من هذه المسرحية الانتخابية بمفاجآتها الهزلية سيما أنها قد بنيت على دستور فصّل على مقاس السلطة تماما في 26/2/2012 وبأمرها وبعدم وجود أي مراقبة محايدة وهكذا فهم دوما الخصوم والحكام وهل يجنى من الشوك العنب وما بني على باطل فهو باطل.. ومع ذلك اعتبر بشار أن هذا المجلس آخر إصلاحاته التي جاءت على مهل ولم تكن سريعة ولا متسرعة أما حين جاء إلى سدة الحكم وغيروا الدستور بأمره خلال نصف ساعة فهذا ليس تسرعا بل هو لمصلحة الوطن وحسب فلك الله أيها الوطن الذبيح كما يتاجر مثل هؤلاء بك. لقد استقصيت عدد كلمات الوطن التي وردت في خطابه فبلغت تقريبا سبع عشرة مرة ليظن من لم يعرفوه أنه وطني ومخلص للوطن لا قاتل مجرم مغتصب سفاح فاق هولاكو ونيرون وهتلر وشارون.
 
وإن الشعب ليتمسك بقائد يترجم الوطنية إلى أفعال حتى لو لم يلفظ كلمة الوطن أبدا لأنه كما قال قاسم أمين إن الوطنية تعمل ولا تتكلم فالوطنية خدمة وتضحية لا كلمات جوفاء وخطب رنانة بالوطن والمواطن، ثم يكرر وطن العروبة وهو الذي أخرج سورية من إطارها العربي وألحقها بإيران الشريك الأسوأ ضد شعبنا الثائر، يريد أن يدغدغ المشاعر بحبه للوطن ويبرر الأعمال العسكرية الوحشية بالقمع الجهنمي انه للدفاع عن الوطن لأن أمن الوطن خط أحمر كما ادعى وقال وهو يعرف انه إذا سحب أسلحته فقد انتهى تماما فأين حب الوطن والإخلاص له، ثم ألم يقل بعظمة لسانه إن الاحتجاجات بدأت سلمية ثم انتقلت إلى التسليح طبعا دون أن يبرز سبب ذلك.
 
إذا كانت أرواح بالمئات قد أزهقت منذ سلميتها مما اضطر الشعب أن يقاتل ليدافع عن نفسه ووطنه فالشعب الذي أخذ يتغنى به ويفرح أعضاء مجلس الشعب المزعوم بمدحه هو حبيب الثوار لا حبيب اللصوص المستبدين الذين ينتقمون منه لمجرد مطالبته بالحرية والعدل لا استئثار هذه العصابة الأسدية، وأقربائها ومقربيها بمقدرات الشعب الذي يذبح بالرصاص الذي دفع ثمنه لرد الأعداء لا ليقتل به من هؤلاء ومع كل ذلك فإنه كان يؤكد أنه يحب الشعب ولكن كما قال بول فاليري إن ادعاء الحب أسوأ من الحقد، إذ سلمنا بالحقد لدى هؤلاء ولكن أين ما قاله المقنع الكندي: وليس رئيس القوم من يحمل الحقد.
 
ثم أخذ يستدل بالمظاهرات المليونية التي كانت تخرج لتأييده ونحن وشعبنا نعرف أنها المسيّرات وليست المسيرات وأن معظمها إجباري ومحروسة بالجيش والحوامات ولا تتموضع إلا في ساحات معروفة كالسبع بحرات أو العباسيين في دمشق وساحة سعدالله الجابري في حلب وغيرها وهي مسيسة وكم كان مبارك البائد والقذافي الكذابي مثلا يفعل ذلك ولكن ماذا أفادهما هذا، ان بشار يدرك الحقيقة وأن الأغلبية يكرهون أعماله ولكنه يريد أن يكابر ويقنع نفسه لا شعبه بحبه، وقد نصحه أحد العلماء بقوله له إن الشعب لا يحبك فصمت بشار! إن ما جاء في البيان كلام مكرور ولا يستحق الرد ولكن لأن سنة الله جرت ألا يترك الباطل يجول وأنه لابد للحق أن يصول فكان لابد من بعض الايضاحات لمن لا يعلم، لقد قال: إن من يخطئ من أي مؤسسة عسكرية أو غيرها هو الذي يتحمل وليست المؤسسة ليبرئ نفسه وهو مدان بكل المجازر التي كانت الحولة في ترتيبها المتأخر وقد أنكرها وقال إن الوحوش لا تفعل ذلك، أجل أجل لأنه وبلا ريب أقسى من الوحوش، أما رأيتم الدبابة يوم الجمعة كيف تدعس شهيدا بعد موته حقدا وانتقاما بل إن هذه ومثلها إصلاحاتهم التي ينادون بها والله لا يصلح عمل المفسدين ولن نجد مثلهم إرهابيين خارجين عن الإنسانية ولكن جولة الباطل ساعة وصولة الحق إلى قيام الساعة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين