بروق النِّعم من دياجير الظُّلَم ( 13 )حماقة ثمود

الدكتور : ماجد الدرويش

(ثمود) قوم كانوا يسكنون منطقة تسمى (الحِجر) كانت تقع جنوب شرق الجزيرة العربية ما بين اليمن وعُمان وصحراء الربع الخالي، ويقال أنهم سكنوا أيضا وادي القرى بين الحجاز والشام. وقد أرسل الله تعالى إليهم نبيه صالحاً عليه السلام، ليدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى. وقد قصَّ القرآن الكريم علينا جانبًا من أخبار هذه القبيلة مع نبيهم صالحٍ عليه السلام، وبخاصة كيف تآمر المجرمون من رؤوس قومه الحاكمون على قتله بأسلوب خسيس يبعد الشبهة عنهم، ويظهرهم بمظهر الأبرياء من الأحداث الجارية التي أدت إلى مقتله، بتصورهم.

 ولنقرأ هذه الآيات من سورة النمل لنعيش في جو الخطة الخبيثة التي وضعوها للتخلص من نبي الله تعالى صالحٍ ومن دعوته، يعرضها لنا القرآن الكريم عرضا رائعا، يبين لنا فيه نمطا من أنماط المجرمين الجبناء الذين يخشون الناس أكثر من خشية الله تعالى، بل هم أصلاً لا يقيمون حسابا لرقابة رب الناس عليهم.
قال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53)(.
قال الإمام القرطبي في تفسيره: «قال الضحاك: كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة، وكانوا يفسدون في الأرض ويأمرون بالفساد، فجلسوا عند صخرة عظيمة فقلبها الله عليهم.  
وقال عطاء بن أبي رباح: بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم، وذلك من الفساد في الأرض، وقاله سعيد بن المسيب.
وقيل: فسادهم أنهم يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم.
وقيل: غير هذا. واللازم من الآية ما قاله الضحاك وغيره: أنهم كانوا من أَوْجُهِ القوم وأقْناهُم وأغناهم، وكانوا أهل كُفر ومعاصٍ جمة، وجُملة أمرهم أنهم يفسدون ولا يصلحون. والرهط اسم للجماعة، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كلَّ واحد منهم رهطٌ».انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير: «والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة، كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك». انتهى.
هذا الكلام الذي أورده الإمامان الجليلان رحمهما الله تعالى يختصر القضية، ويظهر العبر منها التي ينبغي أن نقف عندها اليوم، ونحن نواجه هذا الإجرام الذي فاق كل تصور في بلاد الشام، والذي يبين لنا أن قوم سيدنا صالح اتصفوا بمجموعة من الرذائل:
منها: أنهم كانت فيهم مجموعة قابضة على زمام الأمور في البلد: فالحكام منهم، والاقتصاد بأيديهم، يفعلون ما يحلو لهم، مع الحرص على الظهور بمظهر الإنسان المتحضر، المثقف، الحريص على مصالح العباد والبلاد، وقد أعلمنا الله تعالى بنفسيتهم هذه من خلال المؤامرة التي بيتوها لقتل سيدنا صالحٍ نبي الله تعالى، فبين لنا القرآن كيف أنهم لم يراعوا أمر الله تعالى في العباد، وإنما كان حرصهم على موقف العباد فقط، ) مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (. فكان كل همهم أن يظهروا أما الرأي العام بمظهر البريء الذي يصلح ولا يفسد، بل لعلهم حرصوا على الظهور بمظهر المعتدى عليه من قبل نبي الله صالح، وذلك عندما )قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ(، أي تشاءمنا منك ومن دعوتك، ومن الذين اتبعوك، وهذا الكلام ينطوي على اتهام لسيدنا صالح بأنه أفسد عليهم حالهم الذي كانوا عليه، وما حالهم إلا الكفر الذي جاء نبي الله صالح عليه السلام لينقذهم منه. ولكنه الإجرام والعتو في الأرض والتسلط على رقاب الخلق بغير حق. لذلك استحقوا ما حلَّ بهم، حيث جعل الله سبحانه تدميرهم في تدبيرهم، فهم دبروا خطة لقتل صالح وأهله، أي ومن معه من المؤمنين، ولكن دون أن يقدر أحد على الربط بينهم وبين الجريمة، وأخذوا للمكر عدَّته، وفي اللحظة التي ظنوا فيها أنهم يحققون ما يصبون إليه، جاءهم ما كانوا منه يفرون، فأبطل الله تعالى مكرهم، وأفشل خططهم، بل جعل مكرهم سببا لإهلاكهم. ) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (، فكان الهلاك لهم ولمن معهم ممن سعى في تنفيذ مكرهم.
قال قتادة: توافقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه، وذكر لنا أنهم بينما هم معانيق – أي يجدون السير بقوة مسرعين - إلى صالح ليفتكوا به، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم.
وما فعله قوم صالح عليه السلام ليس ببعيد عما يفعله قومنا اليوم من تبييت الخطط لقتل عباد الله تعالى الضعفاء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يطلبون الحق في أن يكونوا أحرارا، وبنفس الفكرة التي تظهرهم أمام الرأي العام العالمي بمظهر البريء، لذلك في مجزرة الحولا (تل دَوْ) مثلا، شكل المجرمون لجنة تحقيق لتقول لأولياء الشهداء وللعالم نيابة عن الرهط الحاكم: ) مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (، )والله يشهد إنهم لكاذبون( ، ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين