طوفان الدم السوري والصمت الدولي

أحمد بن سعيد الرميحي

لم تكن مجزرة الحولة التي ارتكبها النظام السوري قبل يومين أولى المجازر ولن تكون الأخيرة، طالما أن هناك مجتمعاً دولياً استسهل رؤية تلك الدماء الزكية وهي تراق كل يوم على أراضي الشام، وفضّل الصمت وعدم التعاطي الجدّي مع يوميات الثورة السورية، التي انطلقت تنادي بحرية شعب كامل عاش طيلة عقود أربعة تحت قمع واستبداد نظام دموي لم يعرف سوى القتل سبيلاً للبقاء على كرسي السلطة.
 
لقد سالت دماء أكثر من 20 ألف سوري منذ 14 شهراً، واعتقل أكثر من 250 ألف مواطن سوري، وهجّر أكثر من مليون آخرين، ومع ذلك ما زالت لغة التعامل مع النظام القمعي في دمشق هادئة، وفي أحيان أخرى دبلوماسية، وهي تترجى النظام الدموي أن يكف عن القتل، بل الأكثر من ذلك، يخرج علينا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ليتهم مجموعات إرهابية والقاعدة بالوقوف وراء التفجيرات التي ضربت مدناً سورية عدة.
 
ولا أدري من أين جاء بان كي مون بهذه المعلومات، ومراقبوه ينامون مبكراً ويصحون متأخرين، وكأنهم جاؤوا لقضاء عطلة صيفية في ربوع الشام الدامية، وليس لمتابعة مجريات القتل اليومي، وتدوين الحقائق التي يدعي المجتمع الدولي أن بعضها ما زال غائباً عنه.
 
من أين جاء بان كي مون بتلك الحقائق؟ وكيف وصلت إليه تلك المعلومات، وفي الوقت ذاته لم ينبس ببنت شفة وهو يشاهد يومياً مئات المدن السورية تُدَك بالقذائف، والرصاص يحيل كل شوارعها إلى حمراء دامية؟
 
إنه جزء من ذلك التواطؤ الدولي الذي بات يطحن الشعب السوري.. جزء من تلك المنظومة الدولية التي تقف اليوم عارية بعد أن نزعت عنها الثورة السورية ورقة التوت الأخيرة، وجعلتها تعيش في انفصام بين ما تدعيه من إنسانية عالمية، وبين ما تمارسه من صمت مطبق حيال ما يجري في سوريا.
 
لقد دعت قطر والسعودية منذ أكثر من سبعة أشهر إلى ضرورة تسليح الجيش السوري الحر، ليس لإسقاط النظام، فذاك شأن سوري داخلي، ولكن حتى يتمكن هذا الجيش بأفراده المنشقين عن الجيش النظامي، من الدفاع عن أنفسهم ومدنهم بوجه آلة القمع الوحشية التي تعتاش على الدم السوري الطاهر البريء.
 
غير أن العالم المتواطئ مع النظام السوري صم أذنيه، ومارس لعبة «لا أسمع لا أرى لا أتكلم»، بل إن بعضهم، ممن يدعون نصرة الشعب السوري، انتقدوا الدعوة القطرية والسعودية، بحجة أن ذلك سوف يدخل البلاد في أتون حرب أهلية، وهم يعرفون جيداً أن ذلك بعيد كل البعد عن منطق الأشياء، ففي سوريا اليوم، شعب خرج بصدره العاري للمطالبة بحريته، وواجه مقابل ذلك أنواع الرصاص والقتل والاغتصاب والذبح.
 
لقد كانت مشاهد مجزرة الحولة مروعة إلى حد لا يمكن السكوت عليه، وهي ربما لم تمثل إلا جزءاً من حقيقة ما يجري هناك، في ظل التعتيم الإعلامي الذي يمارسه النظام، ومع ذلك، كانت ردة العالم باهتة إزاء ما يجري، بل إن تلك المجزرة لم تعرف حتى الإدانة الدولية بحدها الأدنى كما حصل مع التفجيرات التي استهدفت دمشق قبل أسبوعين، والتي يبدو أنها، ومن خلال تكتيكها، كانت تفجيرات أمنية في إطار حملة النظام للتخويف من الثورة، فهو القائل في أكثر من مناسبة: «إما أنا أو الفوضى».
 
العالم اليوم يعيش في ظل أزمة أخلاقية بعد مشاهد القتل اليومي التي صار يتعاطى معها دون أدنى تعاطف، المجتمع الدولي الذي طالما صدع رؤوسنا بمقولات حقوق الإنسان، يعيش انفصاماً بين تلك المبادئ وبين ما يقدمه من صمت رهيب إزاء ما يجري للإنسان السوري.
 
وليس المجتمع الدولي وحده مسؤولاً عما يجري للشعب السوري، فلقد كان لتراخي العرب -ممثلين بجامعتهم- دور لا يقل سلبية عن دور المجتمع الدولي، وصار واضحاً أن ما كانت تطالب به قطر والسعودية من ضرورة التحرك لحماية الشعب السوري، صائب ودقيق، بل إن المبادرة التي قدمتها الجامعة العربية، بجهود قطرية وسعودية، كان بإمكانها أن تنقل سوريا من حال إلى حال بعيداً عن حمامات الدم، لو أنها وجدت تعاطياً عربياً ودولياً أكثر جدية معها من ذاك الذي حصل.
 
لن تكون سوريا الثورة بعد مجزرة الحولة، هي ذات سوريا الثورة قبلها، فهناك اليوم شعب صار أكثر اندفاعاً للحصول على حريته والاقتصاص من هذا النظام المجرم، دون أن يبالي بأية مواقف دولية خجولة، ما زالت ترفض حتى أن تلبي ولو جزءاً بسيطاً من متطلبات الشعب السوري الثائر.
 
الشعب الذي واجه بصدره العاري ولأكثر من عام دبابات النظام القمعي الوحشي قادر على أن يكمل مسيرته، وقادر على أن يصل إلى نهاية ثورته.
 
أما المجتمع الدولي، فيبدو أنه ما زال غارقاً في معرفة شكل القاعدة وحجمها ولونها، تلك التي ظهرت فجأة في بلاد الشام، دون أن يكلف نفسه ولو للحظة واحدة في أن يبحث عن القاتل الفعلي لأكثر من عشرين ألف مواطن سوري.
 
فاصلة...
مراقبو عنان وبان كي مون، كانوا نائمين عندما اتصل بهم نشطاء الثورة السورية لإبلاغهم بمجزرة الحولة... فعلاً إنهم «مرٌ...اقبون».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين