قنطار وباء

أبو عبيدة الغريب

ليست هذه المشاهد التي نراها كل يوم وعلى كل شاشات و محطات العالم دليلا فقط على دموية النظام ووحشية آلته العسكرية وبطش مؤسساته الاستخرابية الإستخباراتية بل إنها تعكس بصورة جلية وواضحة رخص هذا الدم السوري الطاهر الذي يراق كل يوم بأيدي هذا النظام الذي كان ولا يزال ينظر إلى السوريين على أنهم لاشيء .
فصحيح أنه حول سورية إلى مزرعة لآل الأسد و أعوانه إلا أنه لم يجعل منا عبيدا له في هذه المزرعة بل إنني أجزم أنه ينظر إلينا دواباً له في هذه المزرعة يفعل بنا ما يشاء وما يريد يستكثر علينا حقنا في العيش أو الحياة وليست هذه المشاهد المؤلمة التي نراها كل يوم إلا دليلا على صحة هذا الكلام ووحشية هذا النظام .
ولعل السجون التي حرص النظام على الإكثار منها حتى باتت أكثر من المشافي والمدارس لعلها مسرح خصب لممارساته القمعية الوحشية لم لا يكون النظام كذلك ؟ و أمامه هؤلاء السجناء الذين فقدوا وبمجرد أن وطئت أقدامهم عتبات السجون كل حق لهم في الحياة أو الدواء أو العلاج أو الغذاء تجتاحهم موجات الجرب و القمل و الجوع لا شمس ولا هواء و لا حتى مكان لتطأ خطوة واحدة داخل المهاجع التي ملئت و ازدحمت بهؤلاء البائسين .
سألقي الضوء هذه المرة على حال أولئك البؤساء في صروح القهر وفروع الذل في وصمات العار التي يزين النظام بها جبينه إلى الآن .
في فرع فلسطين وكذلك سجن عدرا و أمن الدولة حيث كانوا يضعون معنا العديد من السجناء الذين يعانون من أمراض معدية كالسل والتهاب الكبد سي فالمسكين أبو عبدو الحلبي
كان يعاني من التهاب الكبد والسكري وبقي معنا وفي نفس الغرفة ثلاثة أشهر يأكل ويشرب معنا في نفس الأواني وبما أنه مريض بالسكري فإنه يحتاج إلى أبر الأنسولين التي كانوا يحضرونها لنا مرتين ليأخذها الرجل المسكين و في إحدى المرات قام السجان بإعطاء الإبرة لأحد الشباب وهي منزوعة الغطاء فوخزته وبقي شهرين وهو يلح على الطبيب ليأخذوه للمشفى كي يجري تحليلا ليتأكد من أنه لم يصب بالعدوى ولكن دون جدوى وقد تكررت الحادثة ذاتها مع شاب آخر من الغرفة ولم يُجرَ لهم أية تحاليل طبية
و كذلك أبو أحمد العراقي الذي أصيب بالسل داخل الفرع ولم يكتشفه أطباء الفرع إلا بعد أربعة أشهر وكيف لهم أن يكتشفوا المرض وهما طبيبان فقط في الفرع الأول طبيب أسنان و الآخر طبيب عظمية .
ومن المواقف المضحكة المبكية في هذا الفرع أن أحد السجناء بدأت تظهر له كتل في جسده فخاف الرجل أن تكون كتلاً سرطانية وبعد طول عناء وعدة محاولات تم أخذ الرجل إلى المشفى و أجريت له بعض التحاليل فتبين أن لديه بعض الكتل الدهنية
إلا أن طبيب العظمية الذي كان يعالجه وبعد أن طلب الرجل العلاج من هذه الكتل قال له : علاجك أن تخفف من أكل الشحوم و أن تكثر من أكل الخضار والفاكهة
علما أننا لا نشم رائحة اللحم وكل ثلاثة أو أكثر يشتركون في حبة طماطم أو حبة خيار واحدة .
أما المسكين الحقيقي في تلك الفروع فهو المسكين الذي يصاب بألم الأسنان فكان بعض الناس يضرب رأسه بالجدار من شدة الألم ولم يكن يحصل على حبة مسكـّن للآلام ولا حتى حبة التهاب واحدة .
أما المسكين أبو حسين الذي تم إطلاق رصاصة عليه وهو يحاول الهروب من الدورية التي حاصرته في منزله فاستقرت الرصاصة في فخذه وفور أخذه إلى المشفى تم بتر ساقه علما أنه كان بالمقدور أن تتم المعالجة دون بتر ساق الرجل .
 و الحديث يطول أكثر لو أردنا أن نتحدث عن أمراض القلب والضغط و البواسير
أما النظام الغذائي فمن أشد الظلم أن نطلق عليه اسم نظام فكيف بكلمة غذائي إنه براءة من هاتين الكلمتين الفطور في فرع الفيحاء 5 حبات زيتون للواحد مع نصف رغيف خبز شبه يابس الغداء نصف كأس من الرز ونصف كأس من اللبن المخلوط بالماء بنسبة مئة بالمئة لأن سياسة العميد علي مخلوف كانت تقوم على مبدأ تجويع السجين حتى لا يفكر بأكثر من بطنه علما أن الطعام يزيد ويرمونه ولا يعطونه للمساجين .
وقد خرج مرة أحد الشباب العراقيين من المنفردات إلى التحقيق و أثناء عودته رأى كسرة خبز يابسة على الأرض فرمى بنفسه على كسيرة الخبز وهو يرجو السجان أن يسمح له أن يأخذها معه إلى المنفردة إلا أن السجان لم يسمح له بذلك و أجبره على رميها .
أما في فرع فلسطين فالطعام الرئيسي هو البطاطا والزيتون و الرز الخالي من الملح أو الدسم
و أخيرا إن نظام الأسد حريص كل الحرص أن لا يخرج السجناء من سجونه وذلك إن خرجوا ألا يخرج أحدهم إلا ورأسه فارغ نظيف من كل الأفكار التي كان يحملها إلا أنه يحمّل جسد كل واحد منهم أيضا قنطار وباء حتى يكون عبرة لمن اعتبر .
المقالة القادمة ( جماعة التفجير ) 
مقالات سابقة للكتاب .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين