هذه هي الثورة السورية وهؤلاء هم شبابها

بدرالدين حسن قربي

 هذه هي الثورة السورية، وهؤلاء هم شبابها وصباياها أحراراً وحرائر، وشهداؤها مشاعل نور، وعلامات نجوم على طريق الحرية والكرامة. كتب أحدهم على صفحته في الفيس بوك، وعليها صورة مدينة حمص عاصمة الثورة السورية، وهي تقصف من قبل قوات النظام وشبيحته، كلماتٍ غايةً في الجمال والمعنى رغم بساطتها وعفويتها لأنها تؤكد واقع حال، فلم يكن يعلم كاتبها وهو طالب طب في جامعتها أن هذا هو آخر عهده بالكتابة:
 
عام بألف عام، ظهر فيه طفل بألف طفل، رجل بألف رجل، شعب بألف شعب، أرض بألف أرض، مدينة بألف مدينة، فتاة بألف فتاة، أمّ بألف أمّ، جندي بألف جندي. وثورة بألف ثورة، ثورة بألف ثورة. سوريا حبيبتي..! كل عام وأنت حرة.
 
هذه هي ثورتنا وهؤلاء هم شهداؤها، فاسماعيل حيدر (أبوكفاح) ابن مدينة مصياف وابن الواحد والعشرين ربيعاً أحد كرامهم. شاب فيها بألف شاب انتصر لناسه الثائرين على امتداد الوطن وأهله المطالبين بحريتهم وكرامتهم. ومن ثمّ فلم يكن غريباً أن يشارك مراراً وتكراراً في مظاهرات حمص، ولم يكن غريباً أن يلقي في مظاهراتها كلمة شباب مدينة مصياف التي تتميّز ببعض ألوان قوس قُزح في فسيفساء الوطن السوري تأكيداً على أن الثورة سورية بامتياز، ولم يكن غريباً أن يعمل مع زملائه وأصدقائه الشباب على إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة، وتأمين احتياجات المشافي الميدانية للجرحى والمصابين، ولم يكن غريباً أن يتعرض لمحاولة اعتقال قبيل شهرٍ من مقتله أثناء الاعتصام أمام مجلس الشعب عندما رفع لافتةً كتبها بخط يده: الرحمة لشهدائنا والحرية للمعتقلين، كما لم يكن غريباً أن يسافر إلى دمشق قبيل استشهاده بيومين ليحضر تشييع جنازة ضخمة ومشهودة لشاب ناشط من مثله هو الشهيد نور حاتم زهرة أحد أبطال دمشق، الذي اشتهر على مدار أشهر الثورة كلها بالرجل البخاخ، كما لم يكن غريباً أيضاً نشاطه الدؤوب على صفحته في الفيس بوك، ونشره الدائم لأخبار الثورة مرفقةً بآراائه ومنقولاته ومشاركاته ونشاطاته في ثورة شعبه ضد نظامٍ سفّاح.
 
أيا اسماعيل…!! كنت شاهداً وشهيداً على ماكتبتَ قبل الشهادة، ووفّيتَ بما وصفتَ ونلتَ الشهادة، في بلد بات شباب جامعاته في أي صفّ أو كليةٍ وقبل تخرجهم يحصلون على الشهادة ، بفعل عصابات الإجرام والشبيحة قتلاً أو حرقاً أو رمياً من النوافذ كما فعلوا في جامعة حلب. وكنتَ شاهداً بألف شاهد، شاباً ثائراً متظاهراً خطيباً ناشطاً معتصماً مساعداً مشاركاً، وصفحتك على الفيس بوك بما فيها بألف صفحة. وكنت شاهداً أيضاً بألف ألف شاهد على أن الثورة السورية ليست ثورة طائفية أو دينية أو عرقية، بل هي ثورة شعب هُدرت كرامة ناسه، ووطن سُلبت حرية مواطنيه. شهادتك تفضحتهم وتُعرّيهم من بعض أوراق توت يتسترون بها، ومن أجل ذلك استهدفتك عصابات شبيحتهم بالقتل قبيل عشرة أيام في طريقك إلى مسقط رأسك مصياف، يريدون فتنة بين شعب خرجت كل مكوناته تطالب بسقوط النظام ورحليه. ولو ترى إذ المجرمون عقب جريمتهم، يُسارع إعلامهم إلى اتهام المعارضة بجريمة تصفية اسماعيل وصاحبه، واستدعيتَ ماسبق من كلام عن الشهيد وماهو معروف عنه من مناقب، وأضفتَ إليه نعي تنسيقية مصياف للشهيدين، لكان تكذيباً جليّاً لكل شائعات السلطة وافتراءاتها.
 
أيا اسماعيل..!! إن دمك ودم غيرك من الأحرار والحرائر سيكون لعنةً على قاتليك وقاتليهم. إن تضحيات السوريين واستمرار ثورتهم ستُنطق من به خَرَس، وستُسمع من به صمم، وسيراها حتى العمي.
 
ياأهل مصياف..، وياأيها السورييون أينما كنتم..!! النظام ساقط ساقط، وصبحنا قريب وفجرنا آتٍ وحريتنا قادمة، فلا نامت أعين الجبناء القتلة، أعداء سوريا وقامعيها وسارقيها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين