البوطي يهرب إلى الأمام

مقال للشيخ : نورالدين قره علي

الآن انتهيت من قراءة خطبة الجمعة التي ألقاها الدكتور البوطي ، بتاريخ 13 جمادى الثانية
وهي بعنواان ... ( ديموقراطيتنا خادمة للإسلام وليس العكس ) ،
... وها أنا أترك التعليق على سيل التهم التي صبها علي دعاة الإسلام ، والذين أداروا ظهرهم للقرآن ... وصاروا لا يستقون مفاهيمهم إلا من الأمريكان ، وقد عافوا مائدة القرآن بسبب طعامها الذي عفا عليه الزمان ، ولم يعودوا يميزون بين العدو المبين وبين الأخ الناصح الأمين ، فاتخذوا بطانة من دونهم لا تألوهم خبالا ، وغادروا بركة الشام إلى وهم الشرق الأوسط الكبير ، وتركوا أخاهم الشيخ البوطي الناصح الأمين ، ولجؤوا إلى دجاجلة القرن العشرين ، وارتضوا بأن يرفلوا خارجيا بثوب النعيم ، وتركوا دارا أمر بها سيد المرسلين ، فبدلوا نعمة الله كفرا ، وأحلوا بقومهم الفتن والبوار ، فصاروا بذلك دعاة الفتنة ينفخون بنارها ، ويوقدون أوارها ، وجُلُّ من يقومون بالدعوة من هؤلاء ، أعطوا قلوبهم لأمريكا ، ويسارعون في الاستجابة لنداء وعدها بإقامة الإسلام ، وينغضون إليها الرؤوس ويدينون لأربابها بالولاء، وقول الله يلاحقهم " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ... "
فيرى البوطي بأن هؤلاء الدعاة إلى الإسلام ، وإقامة ما يسمى بالمجتمع الإسلامي ـ ولاحظوا كلمة ( ما يسمى ) ـ يعرضون عن هذا البيان ويتبرمون به ويعافونه ،
ويَعجب شيخنا الجليل وهو ينظر حوله ، فيرى عقوق هؤلاء الذين بايعوا الله بالأمس فغاب عنهم رشدهم اليوم ، يبحثون عن شيء عند من فقده أصلا ، وكيف صارت الفتاوى تتناقض لدى هؤلاء ، ثم يظهر الشيخ حيرته في معالجة هؤلاء ، فلا يجد إلا التوبة لهم سبيلا ، ويعلن بأن قرارنا في شامنا هذه ، ويعلن بأن بيعته لله ، ولسوف يسير قدما لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، وأن السلطان إذا اختلف مع القرآن فإنه سيكون مع القرآن أنى كان هذا السلطان ، دولة عاتية أو دولة ذيلية ،
ونصل مع الشيخ إلى ما نريد أن نذكره لكم في هذه الورقة ، وهو دعوته لهؤلاء الإخوة إن كانوا صادقين يريدون لقاء الله وهو عنهم راض .. يدعوهم بدعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام " عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده "
ويقول بالنص : يامن ينشدون إقامة الدولة الإسلامية ابتغاء تطبيق أوامر الله عز وجل تعالوا لتمتد منا الأيادي بعضنا إلى بعض ، تعالوا لتجدوا تربة الإسلام طاهرة نقية ، إنها خير مكان تجتمعون فيه وتنهضون فيه بالدعوة ،
ثم يقول .. ولا أزال أنهج إلى حسن الظن ، ومن منطلق حسن الظن هذا أمد يدي ، ومن منطلق حسن الظن هذا أدعوا هؤلاء الإخوة إلى أن نجتمع معا ...
وبعد هذا أليس يحق لأمثالي أن يعجب كل العجب من هذا الكلام ...
فيا شيخ البيان ... أما خطر في بالك وأنت على منبرك أن لك في الشام أخوة من أساتذتك الكبار وأعلام الدعوة الذين رافقوا دربك وعاشوا محنة الثمانين معك ، وجالسوك مجالس التشاور ، ومنحوك كل النصح والتآزر ، وقادوا معك المرحلة السابقة خطوة خطوة ...
كنت لا تملك أمام حزم مشاوراتهم أن تزيد في الكلام المتفق عليه معهم حرفا ، لا في خطبة ولا حوار مع السلطان ، ولا مقالة ترفع إلى المسؤولين ،
هؤلاء .. الذين جالستهم في بداية هذه المحنة الراجح والرفاعي والبرهاني والنابلسي والمبارك وغيرهم ، مجالسة العلم الذي تذكر أحكامه وآياته وأحاديثه ،
إنهم دعاة الشام ورواد منابرها ومساجدها ، ارتضاهم أهل البلاد والعباد ، وأقرت بحكمتهم مناطقها الشمالية والجنوبية وسائر مدنها الداخلية والساحلية ، عرفهم القاصي والداني بعداوتهم لأمريكا ، وغيرتهم على بلاد الشام من سطوة الدولية العاتية والذيلية ، الناهضون بأمر العلم والذكر ، الناصحون بكل كلمة ، وأهل البلاغة والانصاف ،
وأنت واحد من خريجي مدارسهم لم تتقن خطابا ولا حرفا إلا من خلال تفيُّئ ظلالهم ، شيخك الحبنكة والرفاعي ، ووالدك الفارس المغوار ، كانوا ثلة ردت كل الفتن ، وصابروا كل المحن وأخذوا بيد العباد ببعدهم عن السلطان إلا في مواجهة الحق والبيان ورأفة النصح والحنان ، ولكن برأيهم الجماعي ساروا ، وعدم تفرقهم أحكموا السير ، فمنهم من سُجن ومنهم من لاحقته عصابات البعث ، ومنهم من أخذوا داره وسيارته فصار يمشي بين الناس رافعا هامة عزته وأنفة استقامته ،
أيها البوطي دعك من دعاة شردهم الظلم والتهديد والوعيد ، ولا زال حتى الآن يشرد الأهل والنساء والأطفال ، دعك أيها البوطي من مناداة هؤلاء وافتح أذنك لمن يناديك من أساتذتك وإخوانك ، أصغ لمن هم في الشام يستصرخون عمامتك أن تكفّ عن هذا الاستجداء الرخيص والمناورات المكشوفة ، وأن تخرج من ثوب الزور بادعاء خوفك على الأمة من مخالفة أمر ربها ، وأنت من اتخذت عدو الله البعثي النصيري وليا من دون المؤمنين ، فألقيت إليهم بالمودة ، وألنت لهم الجانب ، وبررت جرائمهم ، وصليت متهما أهلك من أجل رضاهم ، ولا زلت حتى اليوم تصرخ مبررا لأعمالهم لتوحي إليهم بزخرف القول كما يوحون إليك بزخرف المديح      والأماني ، خاصروك ومدحوك ، وأثنوا على حكمتك ، فلم ترجع إلى أولياء نعمتك لتستشيرهم بهذه الأساليب ليكشفوا لك الذي يخفى عليك من خبثهم وخبث أساليبهم في اصطياد أمثالك ،
يا جامع المعلومات الحديثية لست بعالم مستنبط من هداية ، يا جامع الحقائق الاسلامية لم تستطع أن تكون عالم حق يُخرج من الحقائق حقا يصدع في وجه الباطل ، إني أدعوك أن تصبح عالما يا صاحب المعلومات ، ولن تكون كذلك إلا إذا جالست أهل العلم من أساتذتك ، وأنت تدعوهم للاجتماع ، وأنا أدعوك لتسارع حتى تلحق بالراجح والرفاعي والبرهاني والنابلسي ومبارك ، وقد كنت تتهرب في هذه المحنة من الاجتماع بهم ، ولم تستطع أن تتبنى حتى اليوم بيانهم الذي وقعوه بشجّ رؤوسهم ومنعهم من منابرهم ، وتهديدهم بأسرهم من نظامك الذي ما زالت عباراتك ترق له وتترقق أمامه ، حتى تكشّفت الرقة وتمزقت عن سوءة يصعب سترها بعد الآن ،     ولا حول ولا قوة إلا بالله .
                                                        في 7-5-2012 موافق 16-6-1433

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين