قصة شيطان

 

د عبدالمجيد البيانوني
عضو رابطة العلماء السوريين
جاء شيطان إلى شاعر مغمور ، توسّم فيه ما يرجو .. فقال له بلا مقدّمات :
هل أنت مندسّ ؟ أم من المتظاهرين المتآمرين ؟ أم أنت من العصابات المسلّحة ؟
فقال له : ومن أنت ؟ وما شأنك بي ؟
فقال له : أجبني أوّلاً .. أعرّفك بنفسي ، ولك منّي كلّ الأمان ..
فقال له : أنا من هذا الشعب ، مواطن مغمور ، أبحث عن قوت يومي ، أهوى الشعر وأقوله لأبثّ همومي ..
 
فقال له : أنا بكلّ صدق شيطان رئيسكم بشّار .!
فقال الرجل : ويلي منك .! ويلي منك .! أما تكفينا شبّيحته ومخابراته ، وطائراته ودبّاباته ، حتّى ينزل علينا شيطانه .؟! ولم أرسلك إليّ يا خبيث ابن الأخابث .؟! وماذا تريد منّي .؟
فقال له الشيطان : تمهّل عليّ أيّها الرجل ! لقد توسّمت فيك عقلاً وحكمة ، فأتيتك شاكياً ..
فهدأ الرجل قليلاً وقال له : وماذا تشكو .؟
قال : جئت أشكو إليك صاحبي بشّار .! هذا الغبيّ الأحمق .. قال : وماذا تشكو منه .؟!
 
قال : عندما أمر بقتل بعض المتظاهرين قلت له : اعتقل .. عذّب .. افتن الناس بكلّ شيء .. ولا تقتل ..
فقال لي : ولماذا .؟! فقلت له : إنّك بقتلهم تحقّق أمنيتهم ، وترسلهم إلى الجنّة ، وتحرّض غيرهم على مثل فعلهم .. فقال لي : ما عليّ منهم .. هكذا علّمني أبي .. وهكذا تأمرني الآن أمّي وخالتي ، وكلّ من معي .. وأصبح القتل بالمئات ، وبكلّ قتيل لي مأتم ورنّة حزن ، لأنّي أرى الملائكة لا تهدأ صباح مساء ، تنزل من السماء ، وترفع أرواح الشهداء ، تبشّرهم برحمات الله ورضوانه ، وأخرى تنزل بالسكينة على قلوب أهله وإخوانه ..
 
فقلت له : انظر يا بشّار .! الناس كانوا بعيدين عن الدين ، وقد عادوا إلى دينهم بصورة مذهلة .. لقد ضيّعت عليّ هذا العام جهود أربعين سنة .. وأخذ الشيطان يلطم وجهه وينتحب ..
فقال لي : ما عليّ منهم .. ما عليّ منهم .. ثمّ ضحك ضحكة خبيثة ، فاغتظت منه ، وقلت له : ويلك أتضحك عليّ .؟! فقال لي : لا ، لا أضحك عليك ، وإنّما أريد أن أفشي لك سرّاً .. لقد تجاوزتك من زمن بعيد .. وأنا أتلقّى التعليمات والإشارات من أبيك إبليس مباشرة .. فلم أقتنع بكلامه ، وحاولت معه وحاولت ..
 
وعندما أعيتني الحيل مع هذا الغبيّ الأحمق .. عدت إلى أبينا إبليس ، وله من بشّار كلّ التعظيم والتقديس ، فشكوت إليه الحال ، فضحك ضحكته الخبيثة التي نعرفها ، وقال لي بعد طول انتظار : لا تقلق .. لا تقلق .. وابق في عملك ، ولا تغادر مهمّتك ..
فقلت له : اشرح لي يا سيّدي ! فأنا في قلق بالغ .. فأعاد القول مرّة أخرى : لا تقلق .. لا تقلق ..
واشتدّ بي الهمّ والغمّ ، وأنا أرى ما حدّثتك عنه .. فجئت إليك وأنا عديم الحيلة أرجوك أن تعلن على الناس هذه الأبيات التي أهجو بها هذا الغبيّ الأحمق ..
 
فقال : وما هي .؟ فألقى هذه الأبيات على مسمعه :
 
رداؤك داءُ الضميرِ العَمي وراؤك ذَيلُ الحمار الغَبي
أيا مُجرماً فاقَ كلَّ الطغا ةِ ستُرمى بعارك كالأجربِ
أتيتَ القبائحَ لا ترعوي وكشّرتَ بالنابِ والمِخلبِ
عليكَ اللعائنُ تَترى كما خَربتَ جُهودي بفعل غبي
 
والتفت الشيطان يريد أن يمشي ..
فقال له الرجل : مهلاً أريد منك أن تشرح لي البيت الأوّل ..
فقال له الشيطان : اسأل صاحب ذيل الحمار .. وولّى هارباً ..
فقال له الرجل : مهلاً أيّها الشيطان لقد خدعتك .. فلم أجبك عن سؤالك .. أنا من المندسّين .. رغم أنفك وأنف صاحبك .. عليكَ وعليه اللعائنُ إلى يوم الدين ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين