ترقيم التعليم

د. محمود نديم نحاس

لا أقصد بالترقيم ذلك الفعل الذي يقوم به بعض الشباب الذين لا يحملون هماً سوى أن يخادعوا أنفسهم ويوقعوا غيرهم في حبائلهم. فهذا أمر ما فعلته في شبابي لأنصح به في مشيبي. إنما أقصد تحويل التعليم من الحالة الورقية إلى الحالة الرقمية.
 
كلمة رقمية هي ترجمة للكلمة الإنجليزية digital. وهذه مشتقة من كلمة digit أي خانة أو الأرقام بين الصفر والتسعة. وهذه الكلمة جاءت من الحاسوب، فهو لا يعرف إلا الأرقام! وكل المعلومات يتم تحويلها إلى أرقام ليفهمها. ومن هنا نشأت كلمة رقمي للإشارة إلى كل شيء يقوم به الحاسوب.
 
والتعليم الرقمي هو التعليم القائم على استخدام الحاسوب. لا اقول الحاسوب الذي أمامنا فقط، وإنما حواسيب الدنيا المتصلة بالشابكة. والشابكة هي شبكة الإنترنت حسب مصطلح مجمع اللغة العربية في دمشق.
 
لقد بدأ التعليم الرقمي مع دخول الحاسوب الشخصي (PC) إلى حياة الناس، لكنه كان بدائياً. أما اليوم فإنه تطور إلى درجة أن الطالب، سواء أكان في الروضة أم في الجامعة أم فيما بينهما، يخرج من بيته لا يحمل معه إلا جهاز الحاسوب اللوحي (كجهاز آيباد مثلاً). لا ورقة ولا قلم، ولا حقيبة ينوء بحملها كتفه! حتى لا ينحني ظهره من ثقل الكتب، وما أكثرها. وستكون المناهج كلها موجودة على حاسوبه، إضافة إلى كل البرامج التي يحتاجها.
 
لقد بدأت بعض الجامعات بالتعليم الإلكتروني، وهي خطوة كبيرة على الطريق، حيث يمكن أن يحاضر الأستاذ في الاستوديو أو في منزله، وطلابه في بيوتهم يتابعون محاضرته مباشرة. وهذا نوع من التعليم الرقمي، لكن مازال هناك الكثير مما يمكن عمله ليشمل كل التخصصات. لكن التعليم الرقمي ليس تعليماً عن بُعد بالضرورة، إنما يتم في المدرسة أو في الجامعة، حيث يدخل الأستاذ والطلاب يحمل كل منهم جهاز الحاسوب اللوحي ولا شيء سواه.
 
إنه مشروع طموح ولاشك، ويتطلب توزيع هذه الأجهزة على الطلاب، فإذا كان سعر الجهاز ألف ريال، فكل مليون طالب يتطلبون ميزانية قدرها مليار ريال. لكن في الهند تم تطوير جهاز لا يتجاوز سعره المائة دولار ليكون متاحاً لكل طفل. وفي كل الأحوال فإن الوفر الحاصل كبير. فمادامت الكتب توزع مجاناً على الطلاب، فإن كلفة الكتب خلال حياة الطالب قد تعادل كلفة الجهاز، الذي إن أضاعه أو أساء استخدامه فعليه أن يشتري غيره بنفسه. كما يتطلب المشروع تركيب ألواح ذكية في كل فصل بدلاً من السبورة السوداء أو البيضاء.
 
هناك مكونات أخرى للتعليم الرقمي غير الطلاب والأساتذة، وهي تجهيز المواد التعليمية لتكون مناسبة للطرق الحديثة في التعليم، ووضعها على الشابكة، وأن تكون الفصول الدراسية مرتبطة بالشابكة عن طريق الشبكات اللاسلكية لتكون أجهزة الطلاب مرتبطة بها أيضا. كما ينبغي تطوير الامتحانات من قِبل إدارات التعليم لتكون بمستوى موحد.
 
كذلك يجب أن يكون جميع الإدرايين على مستوى الوعي الرقمي، وأن يكون هناك إدارة للصيانة على مدى الأربع والعشرين ساعة حتى لا يحصل أي انقطاع في الشابكة، وكذلك إدارة جاهزة لتوفير الدعم والرد على تساؤلات الأساتذة والطلبة على حد سواء، وإدارة تراقب وتعالج أي تحديات آنياً ودورياً، إضافة إلى متابعة البيئة التعليمية المدرسية، والحفاظ على الاتصال المباشر بين الطلاب مع بعضهم ومع أساتذتهم ومع الإدارة عن طريق البريد الإلكتروني والمنتديات والمجموعات البريدية ووسائل المحادثة الآنية، وكل ذلك من أجل تبادل المعرفة وزيادة الإنتاجية.
 
وأخيراً وليس آخراً لابد من مركز أبحاث يعتني بجمع المعلومات من الأساتذة والطلاب لقياس آرائهم وعمل التدريب المناسب للأساتذة، وعمل أبحاث عن الطرق المثلى في التعليم الرقمي إضافة إلى قياس الجودة في الأداء، والوصول إلى التشغيل الاقتصادي لمثل هذا المشروع الكبير.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين