خواطر... في زمن المحنة ( 3 ).

 

د. ماجد الدرويش
يا أسود حمص والشام... أنتم الطائفة المنصورة.
كثيرة هي الأحاديث التي تكلمت عن الطائفة المنصورة حتى قاربت التواتر. وكثير هو كلام العلماء في تحديد هذه الطائفة، من قائل: إنهم أصحاب الحديث، ومن قائل: إنهم القائمون على أمر الدين، إلى أجوبة كثيرة، والجواب الوحيد الذي يجد له مستندا في الأثر: أنهم الذين يقاتلون على الحق. ولا أعلم على الأرض اليوم أكثر منكم قتالا على الحق، ونصرة للدين في الزمن الذي أصبح فيه الدين عند الكثيرين حرية رأي، واختيارا شخصيا، مثله مثل حرية الكفر.
وهذا التسلسل في السرد للروايات وتفسيرها يبين أن الطائفة المنصورة اليوم هي أنتم يا أبطال الإسلام في بلاد الشام.
أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى عمير بن هانئ، أنه سمع معاوية، يقول: سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك).
قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشأم، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشأم.
لطيفة: إنما قال معاوية رضي الله عنه ذلك حتى لا يظن من تسبق التهمة عنده حسن الظن أن معاوية يدعو لأهل الشام لأنه أميرهم. والله أعلم.
وأخرج الإمام أحمد بسنده إلى شعبة بن الحجاج،عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ، فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَا يَزَالُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
وأخرجه الترمذي سندا ومتنا، وقال: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ( البخاري ): قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هُمْ أَصْحَابُ الحَدِيثِ. ثم قال: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
 ثم روى بسنده عن بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: ( هَاهُنَا ) وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني بلفظ: (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، وَلَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ).
أقوال العلماء في شرح الحديث:
جاء في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للسلطان ملا علي القاري رحمه الله تعالى:
 (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ ") . أَيْ لِلْقُعُودِ فِيهَا أَوِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا.
 (" وَلَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ ") ، أَيْ: غَالِبِينَ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ.
 (" لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ") ، أَيْ: تَرَكَ نُصْرَتَهُمْ وَمُعَاوَنَتَهُمْ.
 (" حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ") . أَيْ يَقْرُبَ قِيَامُهَا لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَقُومُ وَفِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ.
(قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ): مِنْ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ (هُمْ)، أَيْ: تِلْكَ الطَّائِفَةُ (أَصْحَابُ الْحَدِيثِ). أَيِ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَرُوَاتُهُمْ، أَوِ الْعَامِلُونَ بِالسُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْكِتَابِ. فَالْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: " (لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ) " عَلَى مَا مَرَّ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْفِئَةُ الْمُرَابِطَةُ بِثُغُورِ الشَّامِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ.
أَقُولُ – القائل السلطان القاري - : وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، فَيُحْتَمَلُ الْخِذْلَانَ عَلَى تَرْكِ الْمُعَاوَنَةِ لَهُمْ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، فَيَكُونُ هُنَا مَجَازًا وَهُنَالِكَ حَقِيقَةً اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةٌ، فَفِي الْقَامُوسِ خَذَلَهُ عَنْهُ خَذْلًا وَخِذْلَانًا بِالْكَسْرِ تَرَكَ نُصْرَتَهُ.
وفي مسند الإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حِينَ قَالَ: "طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ " قُلْتُ: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ ".
 
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:        (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا) فقالها مرارا، فلما كان في الثالثة أو الرابعة، قالوا: يا رسول الله وفي عراقنا؟ قال: ( بها الزلازل، والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان).
وعند أبي يعلى الموصلي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ، وَمَا حَوْلَهُ وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ، لَا يَضُرُّهُمْ خُذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ).
فإذا وصلتم معي في القراءة إلى هذا الحديث فلتعلموا يا إخواني في دمشق وما حولها، وفي بيت المقدس وما حوله أنكم أنتم، لا سواكم، الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق، وكثير ممن ينتسبون في الظاهر للإسلام يجادلون على الباطل، مصالحهم أعز عندهم من دمائكم.
فهنيئا لكم تشريف الله لكم، وهنيئا لنا بكم.
وكلمة أخيرة أقولها لأسود بابا عمرو وأنا الطرابلسي من بلاد الشام:
يا بابا عمرو.. ما يحدث معك الآن ذقناه في طرابلس سنة 1985 م، يوم جاءتنا جحافل الأسد المتمركزة في لبنان مدعومة بالأحزاب ( الوطنية )، وحوصرت طرابلس اثنان وعشرون يوما، ودكت كما تدكين اليوم بكل أنواع الصواريخ والمدفعية، وعند أول نزال على الأرض فروا كالصراصير تدوسها أقدام الرجال.
 يومها قال محللون عسكريون: إن عدد الصواريخ التي نزلت على طرابلس يفوق عدد الصواريخ التي نزلت على برلين في الحرب العالمية الثانية.
 كان معدل القصف في الدقيقة الواحدة خمسون قذيفة وصروخا.
ومع ذلك فقد فقدوا على الأرض كل القوة التي دفعوا بها في الهجوم الأول، وكان يوم سبت بعد صلاة العصر، يومها رأى كثير من الأبطال المرابطين، على قلتهم، رأوا الملائكة بأعينهم تقاتل مع المؤمنين، فتذكروا ما قاله الإمام القرطبي في تفسير آيات بدر: إن الملائكة التي قاتلت مع الصحابة هي وقف على معارك المسلمين – أمثالكم – إلى قيام الساعة.
ويومها مت نسينا، ولن ننسى على الإطلاق، تلك المجموعات البطلة من حمص العدية التي قاتلت مع طرابلس وأهلها.
منصورة أنت بإذن الله يا بابا عمرو.
منصورة أنت يا حمص العدية.
منصورة أنت يا شام بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
منصورة أنت يا ثورة الطائفة المنصورة في أرض الرباط.
وإن الصبح لقريب بإذن الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين