جريمة قتل الأبرياء

كتبها: د. طه محمد فارس

الإسلام دين أمن وسلام، لا يبيح لمسلم أن يتعدى على إنسان، فلذلك حرم استباحة دماء الأبرياء أشد التحريم، وعصم نفوسهم ليعيش الناس في أمان.
والنفوس المعصومة في دين الإسلام إما أن تكون مسلمة، وإما أن يكون أهلها من أهل الذمة أو المعاهدين أو المستأمنين.
فإذا كانت النفسُ مسلمةً فلا يجوز الاعتداء عليها بحال؛ وقد توعد الله تعالى من يقتل مؤمناً متعمداً بغير حق، بالغضب واللعنة عليه في الدنيا، وبالعذاب العظيم المضاعف والخلد في نار جهنم يوم القيامة مع المهانة والإذلال، فقال تعالى: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] {النساء:93}
، وقال تعالى مبيناً بعض صفات عباد الرحمن، ومخبراً عن عقــوبة القاتل المتعمد المعتدي[وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) ]. {الفرقان}.
وقد شرع الله تعالى لولي المقتول أن يقتص من القاتل، فيقتله جزاء بما قتل، فقال تعالى: [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}
 وقتل الأبرياء جريمة خطيرة حرمها الله تعالى في كل الشرائع، وشدد في عقوبتها وفي بيان خطرها وإفسادها للمجتمع، فقال تعالى مخبراً عن بني إسرائيل: [مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ] {المائدة:32} ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من جريمة قتل تقع في الدنيا ظلماً إلى قيام الساعة إلا ويلحق ابن آدم الأول إثم منها؛ لأنه هو أول من سن القتل ظلماً بغير حق، فقال صلى الله عليه وسلم:« لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». [البخاري: 3158؛ مسلم:1677].
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قتل نفس المسلم بغير حق كبيرة من الكبائر، وموبقة من الموبقات التي تهلك فاعلها، فقال صلى الله عليه وسلم:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:«الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ». [البخاري:2615؛ مسلم:89]، وأن زوال الدنيا بما فيها أهون عند الله تعالى من قتل إنسان مسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ». [الترمذي:1395؛ النسائي:3987، وهو صحيح]، بل إن حرمة المسلم عند الله تعالى أعظمُ من حرمة بيت الله الحرام، فقد نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ:« مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ».[الترمذي:2032].
فدم المسلم دم معصوم محرم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:« كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».[مسلم:2564]، إلا يكون القتل لحد قصاص، أو لحق شرعه الله تعالى، كالردة وزنى المحصن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ».[البخاري:6484؛ مسلم:1676].
أما قتل النفس المسلمة لغير ما سبق من الأسباب فهو محرم ولا يجوز بحال من الأحوال، فهذا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:« يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.[البخاري:4021؛ مسلم:96].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين حال وقوع الفتن من سفك دماء المسلمين بدون حق، وأخبر بأن القاتل والمقتول في النار، فقال: « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ». [مسلم:2908].
كما حذر من أن يتقابل المسلمان بسيفيهما، وأخبر بأن القاتل والمقتول منهما في النار، لحرص كل منها على قتل صاحبه، فقالصلى الله عليه وسلم: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: « إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». [البخاري:31؛ مسلم:2888].
وأما إذا كان صاحب النفس من أهل الذمة أو المعاهدين أو المستأمنين، فنفسه معصومة أيضاً ولا يجوز التعدي عليها، وقد أوعد النبي صلى الله عليه وسلم من قتل معاهداً بأنه لا يدخل الجنة، ولا يشم رائحتها، تشديداً وتغليظا في العقوبة، فقالصلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».[البخاري:2995]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الفعل ليس من هدي الإسلام، وليس متوافقاً مع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عصمة الدماء، وحسن الوفاء بالعهد والذمة، وعدم التعدي على المستأمنين، فقال صلى الله عليه وسلم:« مَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي». [مسلم:1848].
ومما سبق نجد أن ما يلصق بالإسلام من جرائم القتل والإرهاب، والتعدي على الآمنين، إنما هو مجرد فرية، وأن الإسلام من هذا كله براء، وأن من يقوم بذلك ممن يدعي كذباً وزوراً أنه يمثل الإسلام، هو أحد رجلين: إما جاهل أحمق، ضال فاسق، مدفوع لمثل هذه الأفعال الشنيعة، أو مجرم سفاح متعمد، يشبع أهواءه ونفسه المقيتة التي لا ترتوي إلا بمناظر الأشلاء ولون الدماء، فليقرأ أولئك الذين لا يعلمون هدي الإسلام ورحمته، وليسمع أولئك الذين يخادعون الناس ويزيفون الحقائق لإغراض خبيثة في نفوسهم، ظناً منهم أنهم يستطيعون بذلك أن يشوه صورة الإسلام وبهاءه، وينالوا من سمو مبادئه، وروائع تشريعاته. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين