رسالة إلى حي بابا عمرو

عماد الدين خيتي

عزيزي حي بابا عمرو
منذ شهور وأنا راغب في التحدث إليك، لكني لم أتوقع أن تستمر في إزعاجي بأخبارك وصورك إلى هذا الوقت!
عن أي شيء أتحدث؟ ومن أين أبدأ؟
فمع بداية كل صباح ومع إشراقة الشمس وبدلاً من أستنشق تنسم الهواء العليل يتنغَّص عليَّ يومي بأخبار القصف العنيف قبل طلوع الفجر، فما أثقل هذه البداية!
بل إن صورتك لا تفارقني وأنا أوقظ أطفالي إلى المدارس وأختطفهم من فراشهم الوثير، وأزودهم بزوادة من الطعام والشراب، فتتزاحم في عقلي صور أبنائك البائسين، الذين قضوا ليلتهم في برد وجوع وذعر، وربما فقدان أب أو أم، أو بعض أجزاء أجسادهم الغضة الطرية، فما أقسى قلبك!
ثم تأبى إلا أن تذكرني وأنا أسير في الشوارع والطرقات الواسعة النظيفة_ بشوارعك المهدمة المهجورة والتي تعلو فيها سحب الغبار والغاز الطائفي.
وحين أصل إلى عملي تلحُّ عليَّ في عرض صور شبابك الذين فقدوا وظائفهم وأعمالهم فشحَّت أرزاقهم، كيف يعيشون ومن أين يقتاتون؟
وعندما أعود إلى البيت لا أكاد أرى وجه زوجتي من تكاثر صور الأرامل الثكالى، فما أبرعك في تدمير لحظات المودة الحالمة!
ثم مع كل لقمة لذيذة وشرابٍ دافئ تأبى إلا أن تضع أمام عيني مشاهد النساء والأطفال الجائعين الباكين!
ماذا أصابك يا بابا عمرو؟
أليس في الدنيا إلا أنت ومآسيك؟ ألا ترى الجمال في هذا العالم؟
أين صور الأطفال الضاحكين المتراكضين العابثين؟ لقد شوهتها بصور أطفالك المتسخين الجائعين، المصدومين المنهارين، الذين جمَّد الخوف والمصاب ملامحهم، بل إنني عندما أهم بتقبيل أحد أبنائي تقفز إلى مخيلتي صورة ابنك حمزة شكور الذي أضحى بلا خد ولا وجه، ألا تتقي الله فيَّ وترحم حالي؟!
حتى الأمهات تغيرت بسببك، فبدلاً من صورة الأم المبتسمة الحانية على ولدها، تعرض لنا صورة الأم الباكية النائحة متسخة الثياب بدماء ابنها وأشلائه!!
وعندما أرنو إلى تلفازي لأزيل عن نفسي عناء عمل يومٍ طويلٍ لا أرى إلا فلمك الطويل الذي يملأ شاشتي بالدماء والأشلاء التي تكاد تصل إلى فراشي الوثير.
وعندما أتنقل بين القنوات باحثًا عن صوتٍ شجيٍ عذب، تؤرقني استغاثات وصرخات هادي العبد الله ومحمد المحمد وخالد أبو صلاح، تلاحقني من شاشة إلى أخرى، فما أشد براعتك في إفساد السهرات ولحظات الأنس والمتعة!
مللت من متابعة أخبارك، وها أنا ذاهبٌ لفراشي الوثير الدافئ، لكنك لا تتركني: أطفال يموتون من الجوع والرد، عجائز وشيوخ لا يجدون ما يدفئهم، أمهات يمتن ألف مرة مع كل أنة من أنات أبنائهم المرضى والجرحى، ثكالى يحاولن طي صفحة الزوج الحنون، صور ومآسٍ تحيل نومي إلى كوابيس مزعجة تذهب النوم من عيني!
إلى متى يا بابا عمرو؟
ألا يعرف قلبك معنى الرأفة والرحمة؟
ألم يحن الوقت لتريحني من ضجيجك، وتتوقف عن تنغيص حياتي بمآسيك؟
ألا تتعلم ممن سبقك: تل الزعتر، وبرج البراجنة، وصبرا وشاتيلا، وحماة، وتدمر، وجسر الشغور، وغيرهم كثير، ماذا جنوا من مقاومتهم غير المزيد من الضحايا والآلام؟
ألا تستسلم فتستريح وتريح؟
اتق الله فيَّ، فلم أعد أحتمل!
اتق الله
 التوقيع
 مسلم عربي ..... سابقًا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين