حمص.. إذ يقصفها النظام الظالم بكلِّ قُواه!

بقلم: د. علي العتوم

 أَهيَ مدينةٌ يهوديةٌ تنتمي إلى هؤلاء الذين يغتصبون ديارنا اليومَ, أم مدينةٌ فرنجيةٌ تخلّفت عن الحملات الصليبية في العصور الوسطى, فهي لا تزال تختزن كامن العداوة للعرب والمسلمين في هذه الديار, لتستحقَّ من جيش النظام هذا القصف الوحشي الذي لا يقيم للقيم الانسانية وزناً, ولا للحرمات اعتباراً, قصفاً لا يفرّق بين بشرٍ وحجرٍ وشجرٍ وحيوان حتّى أطفال الخداج, بل المشافي نفسها, إذ يلاحق الأطباء والممرضين فيقتلهم ومن ثمّ يعذبهم لقيامهم بواجبهم الإنسانيّ؟!
يا للهِ للخزي والعار, وللنذالة والفسولة أن يتحوّل المؤتَمن إلى خائن, والحارس إلى مضيِّع, والحامي إلى قاتل, والمواطن إلى عدوّ, والبندقية التي وُجِدت لِتُوَجَّه إلى رأس المحتلّ وصدره تُصَوَّب الآنَ إلى الأخِ وابن العمِّ والصديق والجارِ وابن البلد, فيما لم تُوَجّه من قبلُ يوماً بحقٍّ على عهد هذا النظام إلى الغاصب الإسرائيلي, وهو الذي طرد أصحاب هذه البندقية بكلِّ صلافةٍ من خنادقهم, واستولى على قطاعٍ كبير من أرضها, في حين أنَّ الدستور يحدِّد مهمة الجيش بالدفاع عن الوطن من عدوٍ خارجي لا بقتل المواطنين واستحلال حرماتهم.
إنّه الجيش السوري الذي صمت أربعة عقودٍ ونيِّفاً من السنين عن اليهود, يوجِّه اليوم أسلحته الفتاكة من دباباتٍ ومدافع وراجمات صواريخ ومروحيات وغيرها إلى حمص وأخواتها المدن السورية الأخرى, إذ يأبى كرم قائده النيروني أنْ يُخلِي بلدةً في هذا القطر العزيز من شرِّه ودماره, وإنْ كان قد اختصَّ حمصَ بالقسط الأكبرِ من شرِّه, والحظ الأوسع من طغيانه, كأنّما له عندها وعند أهلها ثأرٌ قديمٌ أو حقدٌ دفين, فهذا أوان السداد ووقت استيفاء الحساب.
ولماذا حمصُ؟! ولماذا هذا الهجوم الكاسح؟! ألأنّها من أكبر مدن الشام وأزهرها, ألأنّها البلد الذي تعاون في فتحها خالد وأبو عبيدة، ألأنّ فيها قبر عِياض بن غُنم فاتح الجزيرة، الرجل السمح الصالح, وقبر خالد أو مقامه؟! ألأنّها بلد الصحابيّ الورع سعيد بن عامر وكرسيّ ولايته حيناً, أم لأنّها المدينة التي حاربت الاستعمار الفرنسي في هذا العصر بكلِّ بسالةٍ, أم لأنّها بلد المجاهد الكبير والداعية العظيم الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله؟!
إنّ كلَّ ذلك لا يفسَّر إلاّ أنّه حقدٌ عارمٌ على الشعب الذي ثار لشرفه ودينه وحريته بعد عشرات السنين من القهر، يمارسه عليه الأسد وأسرته وحزب البعث الذي ناوأ الإسلام بعد أن ذرَّ قرنه في هذه البلاد المباركة منذُ ستة عقود. ومن هنا كان القانون رقم (49) لعام 1980، الذي يُجرِّم إلى درجة القتل, كلَّ من ينتمي إلى دعوة الإخوان المسلمين, ليكون حزب البعث كما في المادة الثامنة من الدستور بأفكاره الجاهلية, أفكارِ الأسود العنسي وأضرابه وحدها هي التي تحكم البلد وتتحكم فيه!
 
إنّنا، ونحن نترحّم على أرتال الشهداء الذين أرتقت أرواحهم إلى عليين ملفوفةً بمناديل الندِّ والعنبر, مستمطرين شآبيب الغفران لها, ومستنزلين من الله العلي القدير اللعناتِ على كلِّ من امتدت يده إليهم بالأذى من الحاكم وجنده, نحمد الله أنْ هيّأ من الظروف لكشف أمر هؤلاء الأفّاكين, لقوله تعالى: {إنّ اللهَ لا يُصلِحُ عَملَ المُفْسِدينَ}, كما نحمده على أن أبانَ زيف دول الكفر التي لا تفتأ تدّعي مناصرة الشعوب, ولا سيّما روسيا والصين, لموقفهما المخزي في تأييد الظلم والجور.
وإذا كان القرآنُ العظيم, عندما نقرأه بقلوبٍ مؤمنة, نقول: كأنّه نزل الساعةَ, وكأنّ بعضَ آياته يصدقُ على فلانٍ وبعضُها على علاّنٍ, فإنّ قولَه عزّ وجل: {ومِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَولُهُ في الحياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ اللهَ على ما في قلبِهِ وهُوَ ألدُّ الخِصامِ. وإذا تَولّى سَعَى في الأرضِ لِيُفْسِدَ فيها ويُهلِكَ الحَرْثَ والنَّسلَ واللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ. وإذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بالإثمِ فحسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ المِهادُ}, وقوله صلى الله عليه وسلم: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدّثَ كَذب, وإذا وَعدَ أخلف, وإذا أؤتمن خان), يصدق على حاكم سوريا وجلاوزته أصدق الوصف.
وإذا كان هذا الطاغية تحرّكه في غاراته الوحشية على بلاده الأحقادُ الحزبية, والنعراتُ القومية, والنزعاتُ الطائفية, ويسعى جاهداً في حربه الخاسرة ضدَّ شعبه للضرب على وتر هذه النزعات, انطلاقاً من سياسة: (فرِّقْ تسدْ), فإنّنا نقول له: كفاكم عاراً وشناراً، تصرفاتُكم الهمجية هذه التي أثبتتْ كذبَكم في ما كنتم ترفعونه من شعارات, وتدّعونه من احترام الشعوب في مطالبها. فأنتم اليوم تقتلون شعبكم, وتسعون لإبادته لمجرد أنّه يطالب بحقوقه وينادي بحريته.
وإنني بهذه المناسبة لأوجِّه شكراً جزيلاً لأولئك العلويين الذين أصدروا بالأمس بياناً دعَوْا فيه إلى الوحدة الوطنية, ومحاربة العنعنات الطائفية, وتبرأوا من أفعال الأسد التي، كما قالوا، لا تمثِّلهم ولا تمتُّ لهم بسبب. كما أوجّه تحيةَ إكبارٍ لعلماء سوريا الذين أصدروا بياناً دعوا فيه أبناءَها أنْ لا ينزلقوا إلى مستنقع الطائفية, وجيشَ النظام أن يرفض الأوامر التي تصدر إليه لضرب المواطنين، فهم أهله وإخوانه.
وعلى طريق الفرج القريب، بعون الله، عن الشعب السوري الشقيق, أدعوه جلَّ وعلا أنْ يُنزِل عليه آيات النصر, ويقمع خصومه ويذلّهم, وأدعو جميع دول العروبة والإسلام أنْ تقفَ الى جانب هذا الشعب المكلوم, وتساعده ماديّاً ومعنوياً, ومنظومة جامعة الدول العربية خاصّةً أنْ تكون أكثر حزماً وفاعليةً في محاربة هذا النظام السفّاح.. وحماكِ اللهُ يا حمصُ من كلِّ حاقدٍ غدار, وبقيتِ يا سوريا أرض المجد والأحرار.
مجلة الأمان البيروتية

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين