الثورات... وحصاد عام

بقلم: حسن قاطرجي

مرّ عام كامل على انطلاقة أوّل ثورة اندلعت شرارتُها في بلد عربي مسلم, ذلك هو تونس الذي مرتْ عليه عقود كالحة عصيبة حتى فاجأت الثورة فيه العالمَ كلَّه وتمرّد الشعب التونسي المسلم على الطاغية وألجأه إلى الفرار وتنفَّس (الحرية)، وانحاز بغالبيته إلى الخيار الإسلامي...
ثُمّ كرَّتْ (سُبحة اندلاع الثورات) لأن نعمة (الحرية) لتونس فتحَتْ شهية الشعوب الأخرى لها... وهكذا كان العام الماضي بحقّ (بارقةَ أمل) و(نقطة تحوُّل واعدة) في خط سير أمتنا العظيمة الحبيبة بعد حُقبة طويلة من الظلم والتخلّف والقهر والاستعباد اشتدّ اسودادُها وطال أمدُها... فماذا حصدنا بعد عام كامل؟
1.حَصَدْنا... إرادة التحرّر من استعباد الظالمين فثارت شعوبنا على الطغاة تَصْدَحُ بصيحات التكبير (الله أكبر)!
2.حَصَدْنا... شجاعةً رائعة وبسالةً وبطولاتٍ نادرة مشفوعة بروح الفداء والتضحيات، تُسترخص معها الأموال والأرواح من أجل نَيْل (الحرية) ومنابذة الحكام الطغاة عملاء الغرب: سِمَتُهم الأساسية عداوتُهم لدين الأمة، وكراهِيَتُهم لهويّتها الحضارية مع تخلُّف ثقافي وعَتَهٍ عقلي على شاكلةٍ واحدة صاغها الغربُ!
3.وحصدنا... انقلاباً عظيماً في فهم الإسلام ودور المسلمين، انقلاباً كنّا نتوق إليه وننتظره منذ تفتَّحَت أذهاننا على الإسلام الحقيقي المُنْزل من عند الله، الإسلام الذي كتب عنه الأئمة حسن البنّا والمودودي وأبو الحسن النَّدْوي وبديع الزمان النُّورسي ورائد الأحرار وشهيدُهم المِغْوار (سيّد قطب) وأخوه المفكّر الإسلامي محمد ومصطفى السباعي والدكتور القرضاوي والشيخ علي الطنطاوي وتقي الدين النبهاني وعبد الله عزّام وسعيد حوّى وعبد الله علوان ومحمد أحمد الراشد... في كَوْكبة عظيمة من الدعاة والمفكرين، إلا أننا صُدمنا عندما رأينا العَبَث بديننا وتشويه صورته وتقزيم دوره على غير ما عرفناه عنه من القرآن العظيم والسنّة النبويّة المباركة وما شرحه عنه هؤلاء العظام... رأيناه طقوساً هامدة وأفكاراً جامدة وفتاوى آثمة تُربِّتُ على أكتاف الظالمين وترضى بخنوع الدين! رأيناه وظيفة تخدم الظالمين وتحوِّل أعداداً كبيرة من دارسيه ومشايخِهِ الموظفين إلى جبناء خانعين!
4.حصدنا... وعياً سياسياً كان مكبوتاً ومحاصَراً في عهود الطغاة الظالمين الذين كان لسانُ حالهم قولةَ فرعون التي نقلها عنه القرآن العظيم مستَخِفّاً بشعبه: )ما أُرِيكُمْ إِلاّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشَاد(... فكانوا على شاكلته لا يستَحْيُون من تبجُّحِهم وجهلهم وتخلُّفهم!
5.كما حصدنا... نُقْلة نوعية ضخمة في دور المرأة المسلمة وتضحياتها وإصرارها على مشاركة زوجها وأبنائها وأقربائها في المطالبة بالحرية وفي عمق ولائها لدينها وحبها لربها. فلم تبق المسلمة غائبةَ الوعي أميةَ الفكر معطلةَ الطاقة همُّها من هذه الحياة كلها: المطبخ والسوق والزينة!! وإنمـا ارتقت باهتماماتهـا وأعادت سيرة النسـاء الأوائل ـ الصحابيات ومَنْ بعدَهنّ ـ في تربية الأولاد على حمل همّ الأمة وإلى التظاهر من أجل المطالبة بالحقوق واسترداد الكرامة، وفي تحبيب أولادهنّ بالشهادة في سبيل الله، عدا الارتقاء باهتماماتها الثقافية والسياسية في ضوء تعاليم إسلامها.
6.ولا يسعنا أن نغفُلَ عن التعرُّص لحصادٍ مهمّ... وهو دور الشباب بجنسَيْه في الوعي وعزيمة التغيير وفعاليّة توظيف (تكنولوجيا التواصل) المعاصرة والمذهلة لإنجاح الثورات، بل كان للشباب (دور الريادة) والحمد لله.
وبعد، فلا نتوهّم بهذا الاستعراض أن الطريق (وَرْدية) بل على الشعوب المسلمة أن تعي أخطر التحديات: تحدي تأكيد هوية الأمة الإسلامية، وتحدي تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحدي البناء ما بعد نجاح الثورات... وكلّها تحتاج إلى استعانة تامّة بالله عز وجل وإلى تأكيد التصميم على التغيير مهما غَلَتْ التضحيات ولنتذكّر قول ربِّنا سبحانه: )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين