الهدى والضلال ـ  6 ـ

 الشيخ مجد مكي

أسباب الهداية
إنَّ للهدى سُنناً وأسباباً والهداية إلى صراط الله المستقيم هدفٌ ينشده كل مسلم، ولابدَّ من صدق العزيمة، والأخذ بالأسباب، والعوامل التي تحقق الهداية.
1 ـ  ومن أعظم أسباب الهداية:الإيمان.
 قال تعالى:[ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {آل عمران:101}.
وقال سبحانه:[ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا] {الطَّلاق:11}. وأما الذين لم يؤمنوا بالله فلا يهديهم بكفرهم وإعراضهم عن الآيات المؤدية إلى الهدى. قال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ] {النحل:104}.  فلا يحكم الله لهم بالهداية ، لأنهم أصرُّوا على كفرهم وجحودهم بآيات الله الكونيَّة والبيانية والإعجازية.
والذي يكفر بالله عزَّ وجل الذي تؤمن به الفطرة من أعماقها، ويكفر بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. الذي يكفر تكون فطرته قد بلغت من الفساد الذي لا يرجى معه هدى ولا يرتقب بعده مآب. يقول الله عزَّ وجل: [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا] {النساء:136}.
2 ـ ومن أسباب الهداية: اتِّباع ما أمر الله تعالى به:
قال سبحانه: [يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(16)]. {المائدة}. فهو سبحانه يخرجهم من ظلمات الشبهات والتصوُّرات والشهوات... ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم.. مستقيم مع فطرة النفس ومع فطرة الكون.. فالله الذي خلق الإنسان وفطرته،وخلق الكون وسننه.. هو الذي وضع للإنسان هذا المنهج، وهو الذي رضي للمؤمنين هذا الدين فبَدَهي أن يهديهم هذا الدين إلى الصراط المستقيم، حيث لا يهديهم منهج سواه، من صنع البشر الجهال العاجزين.
3 ـ ومن أسباب الهداية أيضاً: مجاهدة النفس في طاعة الله عزَّ وجل.
 قال تعالى:[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] {العنكبوت:69}.
فالذين جاهدوا أنفسهم من أجل الله سبحانه بالصبر على الطاعات ومخالفة الهوى، وجاهدوا المشركين بالصبر على أذاهم، واتخاذ السبل للهجرة والفرار بدينهم، يوفقهم الله سبحانه إلى سُبل نجاتهم وسلامتهم من المشركين والمتجبِّرين، وييسِّر لهم طرق هجرة آمنة، معها تأمين رزقهم ومعاشهم، وإن الله سبحانه مع المحسنين الذين أحسنوا التَّصرُّف واتخذوا الشروط السببية الملائمة، وهو معهم سبحانه بنصره وتأييده ومعونته.
4 ـ سَعَة الصدر، وانشراحه بالإسلام:
 قال تعالى:[فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ] {الأنعام:125}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية:{يشرَحْ صَدْره للإسلام}:يوسِّع قلبه للتوحيد والإيمان.
 سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ المؤمنين أكيس؟ قال: (أكثرُهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً). رواه ابن ماجه (4249) من حديث ابن عمر.
وسُئل عن هذه الآية. قالوا: كيف يشرح الله صدره يا رسول الله ؟ قال: نورٌ يقذف فيه، فينشرح له وينفسح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟ قال: (الإنابة إلى دار الخلود، والتَّجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله) قال العراقي: أخرجه الحاكم في (المستدرك) (7863)، والبيهقي في (الزهد) من حديث ابن مسعود.
وإذا كان التوحيد مفتاح الهداية، فإنَّ عمل الصَّالحات هي الأسنان لهذا المفتاح، فلنحرص على عمل الصالحات، والتقرُّب إلى الله بسائر الطاعات، ونصير بذلك منشرحي الصَّدر مُطمئني القلب.
ولنحذر أن تسيطر علينا الغفلة، أو أن تغرينا اللذة العاجلة، فتضيقُ بنا الحياة على سَعَتها، وتظلم الدنيا في أعينينا.
 
***

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين