يا علماء سوريا الكرام

مجاهد مأمون ديرانية

نُشِرَت رسالة علماء الشام قبل خمسة أيام فتلقفها الناس وطارت في البُرُد وانتشرت في الصفحات والمنتديات انتشارَ النار في الحطب، وفرح بها كثيرون وهلّل لها كثيرون، أما أنا فغلبَت حسرتي بهجتي وزادتني الرسالة ضيقاً على ضيق، ذلك لأنها بيّنت درجةَ تعلّق الأمة بعلمائها ومبلغَ ثقتها بهم، فظهر الفرق الكبير بين الأمل والعمل.
 
ينبغي أن أقرر ابتداء أنني من الذين يحترمون العلماء ويقدّرون لكل ذي سابقة سابقته، ولكن الموقف أجلّ من أن يُجامَل فيه، لذلك فإنني أشارك الشاكرين شكرهم فأشكر علماءنا الكرام أصحاب الرسالة، وأشكر معهم كل من كان له موقف من قبلُ وسيكون له موقف من بعدُ من علماء سوريا جميعاً، ومع شكري لهم أوجّه لهم كلمة أرجو أن يحتملوها مني ولا تضيق بها الصدور.
 
وليست كلمتي للعلماء واحدة لأنهم ليسوا أصحاب موقف واحد، فإن منهم من صدع بالحق من اليوم الأول أو من أيام الثورة الأولى وناله ما ناله من الأذى، وهو في ميزانه إن شاء الله، ومنهم من لحق بالركب في مرحلة لاحقة فجزاه الله خيراً. علماء كثيرون من سوريا جميعاً أبْلَوا في هذه الثورة البلاء الحسن، من حوران مهد الثورة، وحمص عاصمتها، وإدلب وحماة والقامشلي والجزيرة والساحل، ومن دمشق وحلب… علماء كُثُر منهم الكبير والصغير والمغمور والمشهور، يعرفهم الله ولن يَتِرهم أعمالهم ويعرفهم العارفون ولن ينسوا أفضالهم.
 
أشكرهم على كل موقف رجولة وقفوه وعلى كل كلمة حق خرجت من أفواههم، ولكني أقول لهم: في هذه المحنة التي نعيشها ليست الأمانةُ كلمةً تقولونها مرة كل شهر أو شهرين، بل هي وقوفكم مع الناس وقيامكم على رأس الثورة تمدّونها بالعزيمة والثبات على الدوام، فلا يمر يوم من الأيام دون أن يراكم الناس معهم في الميدان.
 
إن الله سائلكم -يا علماء الأمة- عن عملكم في هذه المحنة، وكلما كان لأحدكم في قلوب الناس قبول أكبر كان سؤاله أعلى، فإذا كان فيكم من يملك أن يحرك من الناس عشرة فإن الله سائله عن عشرة، وإذا كان فيكم من يملك أن يحرك ألفاً فإن الله سائله عن ألف، فكيف إذا كان فيكم مَن لو استنهض أهلَ الشام لنهض معه نصفُ أهل الشام، أيّ سؤال سيسأله الله وأي حساب سيحاسبه إذا تخاذل اليوم عن استنهاض أهل الشام؟
 
ليس ما أتحدث عنه هو دعوة الناس إلى الجهاد بالسلاح، بل هو دعوتهم إلى المشاركة في الثورة الشعبية السلمية التي لا يختلف عاقلان في وجوبها لرفع الظلم ودفع الأذى عن الأمة. لماذا لا تُفتون الناس بأن الخروج إلى الثورة والمظاهرات فريضة شرعية، وأن المشاركة في الإضراب ومقاطعة الدولة فريضة شرعية، وأن التبرع للمشردين والمصابين ولأسر المعتقلين فريضة شرعية؟ لماذا لا تقفون على المنابر فتقولون إن النظام الذي يحكم سوريا اليوم هو نظام مجرم قاتل، وإنه نظام احتلال لا ولايةَ له على الشعب، وإن إسقاطه من أوجب الواجبات؟
 
أعلمُ أن الصادعين بالحق يدفعون الثمن الباهظ، ولكنْ مهما تكن التضحيات التي سيقدّمونها فإنها أهون بكثير من تضحيات شعب كامل يَألَمُ ويموت كل يوم مئة مرة. إنها ضريبة العلم التي لا بد لعلماء الأمة من دفعها لأن الله أخذ عليهم الميثاق أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه، ولو أن العالم فرّط أو جَبُن لضاعت الأمة. الإمام أحمد لم يتراجع ولم يستسلم ولو تراجع واستسلم لتغير تاريخ جماعة المسلمين، ولقد ثبت ذاتَ يوم غلامٌ في موقف من مواقف التاريخ، فمات الغلام وآمنت الأمة بربّ الغلام.
 
إذا رأيتَ النار تضطرم في بيتك ورجل الإطفاء واقف بجانبك لا يتحرك فلا ينفعُ أن تقول له: إنني أحترمك وأقدّر شجاعتك لأنك أطفأت الحريق الذي اندلع في بيت جاري قبل شهرين. أنت تعلم وهو يعلم أن بدلة الإطفاء التي يرتديها والشارة التي يحملها على صدره يحتّمان عليه أن يبادر إلى إطفاء كل حريق، حتى لو لم يَدْعُه إلى إطفائه أحد. هذا هو واجبه ما دام واحداً من رجال الإطفاء، فإذا ثَقُل عليه عمله وهاب النارَ فما عليه إلا أن ينزع شارته ويخلع بدلته ويقعد في بيته، ولن يلومه عندئذ أحد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين