الهدى والضلال ـ 5 ـ هداية الرسل والكتب

 

ـ 5 ـ
الشيخ مجد مكي
هداية الرسل والكتب
ومن رحمة الله بالإنسان أنه لم يَدَعه لاستعداد فطرته، فأعانه بالرسل والرسالات والآيات التي تضع له الموازين الثابتة، وتكشف له عن دلائل الهدى، وتجلو عنه غواشي الهوى، فيبصر الهدى في صورته الصحيحة، وبذلك يتَّضح له الطريق وضوحاً كاشفاً، فيتصرَّف حينئذ عن بصيرة وإدراك... فأنزل الله تعالى هذا القرآن على خاتم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هدىً للناس، يعرفون به أوامر الله تعالى ونواهيَهُ، وشرائعَه وأحكامَهُ.
القرآن الكريم هُدىً:
قال الله تعالى: [ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] {البقرة:2}.فالهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه... ولكن لمن يكون ذلك الكتاب هدىً ونوراً،ودليلاً ناصحاً مبنياً؟ للمتقين.. وإنما خصَّ الله تعالى المتقين بهدايته، وإن كان هدىً للخلق أجمعين، تشريفاً لهم، لأنهم آمنوا به، وصدَّقوا بما فيه.
وقال تعالى في القرآن الكريم أيضاً:[هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ] {آل عمران:138}.
وقال عزَّ وجل:[هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {الجاثية:20}.
ويقول سبحانه:[ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ] {فصِّلت:44}.
وقال سبحانه على لسان الجنِّ لما سمعوا القرآن:[ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا(1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ (2) ]. {الجنّ}.. يهدي إلى الرُّشد بما ينشئه في القلب من إدراك ومعرفة، وهدى ونور، كما يهدي إلى الرشد بمنهجه التنظيمي للحياة، ويهدي إلى الرشد في عالم العبادة في حدود القصد والاعتدال، ويهدي إلى الرشد في علاقات الناس إنه الهدى الذي لا يقيد بزمان ولا مكان: [إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] {الإسراء:9}.
الأنبياء دعاة هدى:
والأنبياء عليهم السلام دعاةُ هدىً، أنعم الله عليهم بالهداية، واصطفاهم من الناس قال الله تعالى على لسان رسله: [وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا] {إبراهيم:12}.
وقال سبحانه بعد ذكر طائفةٍ من رسله:[وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ] {الأنبياء:73}.
وقال تعالى في موسى وهارون عليهما السلام:[وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ] {الصَّفات:118}.
فالرسل صلوات الله عليهم وسلامه ـ لا ينشؤون الهدى في القلوب، وإنما يبلِّغون الرسالة.
قال الله سبحانه لموسى عليه السلام في دعوته لفرعون:[اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18) ]. {النَّازعات}.. 
وقال تعالى في إبراهيم عليه الصَّلاة والسلام يخاطب أباه:[يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا] {مريم:43}.
وقال الله عزَّ وجل لنبيَّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:[ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الشُّورى:52}.
روى البخاري(6738) عن جابر رضي الله عنه قال: (جاءت ملائكة إلى النبيِّ صلى الله عليه و سلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إنَّ العين نائمة، والقلبَ يقظان.
فقالوا: إنَّ لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال: بعضهم: إنَّ العين نائمة والقلب يقظان.
فقالوا: مَثَلُه كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أوِّلوها له يفقهها. فقال: بعضهم. إنه نائم. وقال بعضهم: إنَّ العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه و سلم، فمن أطاع محمداً صلى الله عليه و سلم، فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه و سلم فقد عصى الله، ومحمد صلى الله عليه و سلم فَرْقٌ بين الناس) فهو صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بين الهدى والضلال ، والحق والباطل.
هداية الدلالة وهداية التوفيق:
وعلى هذا فإنَّ الهدى نوعان: هدى دلالة ودعوة وتنبيه، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم... وهدى تأييد وتوفيق، وهو الذي تفرَّد به سبحانه وتعالى.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين