خذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا

عبد العظيم عرنوس

رحم الله شاعر الدعوة الإسلامية عمر بهاء الدين الأميري .. فقد كان يحترق قلبه ، ويتفتت كبده على مصاب المسلمين وآلامهم ، فأطلقها زفرة حرى :
هذيرحى الأرزاءِ
تطحَنُنَا، وللأمرِ اشتِدادْ
فكن المُجاهِرَ باعتناقِ
الحَقِّ، وابتدِر ِالجِهادْ
عِبء ُالأمانة يستَحِثُّكَ
والحر وبلها عِنادْ
للأمةِ الوَسَطِ الشَّهادةُ
والسّيادةُ والسّدادْ
أجل فإن المصاب في سوريا أكبر من الكبير ، وأشد من الشديد ، وأخطر من الخطير ، والأمر يستدعي المجاهرة بالحق من كل أحرار العالم .. من الحكام والعلماء الربانيين والمفكرين والإعلاميين والفنانين ، وكل أفراد الأمة المخلصين ذات الجسد الواحد ، روى مسلم في صحيحه عَن النُّعْمَانِ بْن ِبَشِير ٍرضي الله عنه قال : قَال َرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُسْلِمُ ونَكَرَ جُلٍوَ احِدٍ، إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ
شعب سوريا يتعرض لأقسى حملة إبادة وتجويع وتهجير واعتقال .. قتلى في كل مكان .. دماء طاهرة تسيل بغزارة .. جراحات لم يُر لها مثيل .. تشويه للجثث وتمثيل بها .. سوريا أكبر سجن للأحرار في العالم ، لك الله يا شعب سوريا
أين أحرار العالم .. أين المظاهرات التي تعم أرجاء العالم لتحرك حكامها .. أين علماء الأمة الذين يصدعون بالحق ويظهرون حقائق الجرائم للعالم .. نريد غضبة كغضبة الإمام أحمد بن حنبل فقد كان يغض بلله ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، فإذا كان في أمر الدين : اشتد غضبه كأنه ليس هو .. نريد حمية كحمية المعتصم عندما سمع استغاثة وامعتصماه فلبى النداء من فوره .. نريد تلبية كتلبية عمر بن عبد العزيز عندما سنع بأسير مسلم أُهين في بلاد الروم، فكتب إلى ملك الروم أما بعد : فقد بلغني أنك أهنت مسلمًا كتب الله له الكرامة والعزة، فإذا بلغك كتابي هذا فخلِّ سبيله؛ وإلا غزوتك بجنود أولها عندك وآخرها عندي . ولم يسع هذا الملك إلا أن يطلق سراح الأسير المسلم .
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم*** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
ألا نفوس أبيات لها همم أما ***على الخير أنصار وأعوان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد*** إن كان في القلب إسلام وإيمان
ألم يسمعوا قول الله : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. وأي منكر أعظم من هذه المجازر البشعة ، وحمام الدم الرهيب .. ألم يقرؤوا قول الحق جل جلاله : وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر .. ألا نسمع صرخات الاستنصار ..
شعب سوريا الأبي يحتاج لكل الجهود المخلصة في أنحاء العالم لتخليصه من هذه العصابة المجرمة ، روى أبوداود عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ وَأَبيطَلْحَةَ بْن سَهْلٍ الأنْصَارِي َّقالا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِن ْامْر ِئٍيَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِع ٍتُنْتَهَ كُفِيهِحُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلاخَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِب ُّفِيهِ نُصْرَتَهُ  . وَمَا مِنْ امْرِئ ٍيَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِن ٍيُحِبُّ نُصْرَتَهُ .
نريد الأخذ على يد الظالم .. روى مسلم عَن النُّعْمَان ِبْن ِبَشِيرٍ قَال َرَسُولُ اللَّه ِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُسْلِمُون َكَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُا شْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ .. وروى البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوما ستهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا : لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا . القائم على حدود الله : المستقيم مع أوامر الله تعالى، والآمر بالمعروف الناهي عن المنكر . – الواقع فيها : التار كل لمعروف المرتكب للمنكر .
وقد كان عبد الله بن المبارك إذا أراد سرد هذاالحديث يقول : يا أيها الناس : خذوا على أيدي سفهائكم، فإذا سرده عاد فقال : خذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا .
ومرة أخرى رحم الله الشاعر الأميري حيث يعيب على المتخاذلين
تبلد في الناس حس الكفاح ... وما لو الكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي ... سدور الأمين وعزم المريب
ومع هذا الكرب الخانق نرى علامات النصر تخترق بشعاعها الظلمات الحالكة ونرتقبه كأننا نراه رأي عين ؛ كما قال الشيخ محمد الغزالي : إذااحتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغتذروتها، هنا كساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته،ويبلغ الحق فيها أقصى محنته. والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها، فإذا ثبتت حول كل شيء عنده المصلحته ،وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً، ويبدأ الباط لطريقه نازلاً، وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين