المسجد الأحمر معركة لها ما قبلها وما بعدها - المسجد الأحمر
المسجد الأحمر معركة لها ما قبلها وما بعدها
 
تجاوز مجرى الأحداث حول المسجد الأحمر بباكستان، صيغة صدام محدد مكانيًّا وزمنيًّا، سواء من حيث توقيت الحدث في إطار ما يجري باكستانيًّا وإقليميًّا، أو من حيث التعامل مع المشكلة نفسها على خريطة الأحداث الداخلية المتشابكة في باكستان، ومجرى الأحداث في أفغانستان المجاورة.
إن محاولة اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف، وعملية التفجير التي استهدفت جنودًا باكستانيين بصورة مباشرة، والتصريحات الصادرة في صيغة تهديدات متبادلة بين الأجهزة الأمنية بمن فيها الرئيس الباكستاني نفسه، وبين الجماعات والمدارس الإسلامية المناصرة للطلبة وقادتهم في المسجد الأحمر والمدارس التابعة له، جميع ذلك يؤكد أن المجرى الدموي للمواجهة الجارية في منشآت المسجد وحوله، أوسع نطاقًا من أن يمكن حصره في قرار صدر عن الدولة بإغلاقه، ورفض القرار من جانب القائمين على المسجد ومدارسه.
لم يَعُد يمكن فصل "معركة المسجد الأحمر" عن معركة أكبر يخوضها الرئيس الباكستاني برويز مشرف، على أبواب الانتخابات المقبلة، وقد احتدّت على أكثر من جبهة، أكبرها داخليًّا على الصعيد السياسي ما أحدثته إقالة كبير قضاة المحكمة العليا "افتكار محمد تشودهري"، وتحوُّل الأخير إلى رمز للمعارضة السياسية ضد تثبيت "الجنرال" مشرف في منصب الرئاسة، ومنها جبهة الحدود مع أفغانستان المجاورة والعجز عن ضبطها ما بين الضغوط والرغبات الأمريكية وما بين الخشية من تحوُّل هذا "الضبط" إلى معركة مكشوفة مع القبائل والمسلحين في المنطقة، ومن هذه الجبهات أيضًا ما نشب من نزاعات بين الحليفين الإقليميين ضد طالبان والقاعدة، أي مشرف وكارزاي، مما لم تنفع معه الوساطات الأمريكية حتى الآن.
على أن أبعاد "معركة المسجد الأحمر" أعمق جذورًا من الناحية التاريخية ومن ناحية نتائجها المستقبلية من الأحداث الجارية نفسها؛ إذ لم يَعُد يمكن فصلها أيضًا عن السياسة الرامية إلى ما يسمى "تجفيف منابع الإرهاب" والتي تركزت في العديد من البلدان الإسلامية، وبتأثير المطالب الأمريكية، على محورين، هما تعديل مناهج التعليم، وهو جارٍ على قدم وساق، والتخلص مما سُمِّي ظاهرة المدارس الإسلامية بأنواعها، وهي في باكستان أوسع انتشارًا، وأعمق من حيث جذورها التاريخية منها في أي بلد إسلامي آخر.
إن الإصرار إلى درجة استخدام العنف المسلح من جانب الدولة لتنفيذ "قرار إداري" يكشف عن الحرص الشديد ألا يتحول رفض ذلك القرار إلى سابقة تسري على ألوف "المدارس الدينية الباكستانية" الأخرى، وعن مؤشر واضح للسياسة الداخلية التي يريد مشرف التمسك بها إذا ما تمكن من تثبيت نفسه في السلطة. وبالمقابل يظهر الإصرار على مقاومة القرار ومقاومة الأجهزة الأمنية، رغم ارتفاع عدد الضحايا إلى المئات بين قتيل وشريد ومعتقل، ورغم استمرار المعركة الدائرة أيامًا عديدة، ويكشف هذا الإصرار عن أن الجهات التي تقف من وراء هذه المدارس والتي يُنسب إليها ظهور طالبان في حقبة الجهاد الأفغاني ضد المحتل الروسي، لن تتخلى عن مواقعها، سيان ما هي النظرة إلى تخريجها جيلاً جديدًا من الشبيبة، لا يُكتفى بتعليمه أحكام إسلامه فقط، بل يوجّه أيضًا إلى ساحات القتال كلما ساد لدى القائمين عليها -ومن وراءهم- الاقتناع بضرورة ممارسته.
في هذا السياق يقدم الكاتب الباكستاني د. مصباح الله عبد الباقي خلفية تاريخية موجزة للمسجد الأحمر منذ نشأته وحتى الصدام الحالي..
 
في الخمسينيات من القرن العشرين الماضي، كان الخطيب الأول للمسجد الأحمر الشيخ محمد عبد الله (والد الشيخ عبد العزيز، وعبد الرشيد غازي) ولد في أسرة (بلوتشية) في قرية (روجهان) بمديرية (راجن بور) في جنوب إقليم بنجاب الباكستاني، وتلقى العلوم الابتدائية في مدرسة "خدام العلوم" في مديرية (رحيم يار خان) التي تقع في جنوب بنجاب، ثم حصل على القبول في مدرسة (قاسم العلوم) بمدينة (ملتان) التي كان يديرها الشيخ المفتي محمود (والد المولوي فضل الرحمن رئيس المعارضة في البرلمان الباكستاني الحالي) حينذاك، ثم ذهب لإكمال دراسة الحديث إلى الجامعة الإسلامية البنورية بكراتشي، وتخرج فيها عام  1957، وبعد التخرج في الجامعة البنورية عمل الشيخ محمد عبد الله خطيبًا ومدرسًا وإمامًا في مختلف مساجد ومدارس كراتشي لتسع سنوات، ولما انتقلت عاصمة باكستان من مدينة كراتشي إلى مدينة إسلام آباد التي كانت في بداية التكوّن والنشأة في عهد المشير محمد أيوب خان (رئيس دولة باكستان حينذاك) انتقل الشيخ محمد عبد الله من كراتشي إلى إسلام آباد، وعُيّن خطيبًا لأول مسجد كان قد بُنِي في إسلام آباد بطلب وتوصية الشيخ محمد يوسف البنوري (أحد العلماء المعروفين في باكستان الذي كان مديرًا وأستاذًا للحديث في الجامعة البنورية التي تخرج فيها الشيخ محمد عبد الله).
كان ذلك عام 1965م، وكان اسم (لال مسجد)، أي المسجد الأحمر؛ بسبب حمرة اللون الخارجي للمسجد، وهو أكبر مساجد إسلام آباد آنذاك، قبل تعمير مسجد الملك فيصل لاحقًا.
بدأ الشيخ محمد عبد الله -خطيب المسجد الأحمر- ينشط في السياسة أثناء (حركة ختم النبوة) بين عامي 1973 و1974م؛ لأن الشيخ المفتي محمود الأمين العام لجمعية علماء الإسلام كان من أنشط قادة تلك الحركة التي أدت إلى إصدار القرار المتفق عليه من البرلمان الباكستاني بكفر الفرقة (القاديانية) وكان الشيخ المفتي محمود من شيوخ الشيخ محمد عبد الله في جامعة (قاسم العلوم بمدينة ملتان)، وبسبب هذه العلاقة بين خطيب المسجد وأحد أنشط قيادات (حركة ختم النبوة) صار المسجد الأحمر (لال مسجد) من أنشط المراكز للحركة في إسلام آباد، ولما قامت المعارضة لإسقاط حكومة ذو الفقار علي بوتو (رئيس دولة باكستان من 1971م إلى 13/ أغسطس 1973م، ثم رئيس وزراء باكستان من 14/ أغسطس إلى 5/ يوليو 1977م) نشط الشيخ محمد عبد الله أثناء تلك الاحتجاجات التي سميت بـ(حركة نظام المصطفى صلى الله عليه وسلم)، ولما تولى الجنرال ضياء الحق زمام الأمور في باكستان يوم 6/ يوليو عام 1977م توطدت علاقات الشيخ محمد عبد الله به؛ لأن الظروف كانت مهيأة لتلك العلاقات، واستمرت هذه العلاقات إلى وفاة الجنرال محمد ضياء الحق عام 1988م. واستفاد الشيخ محمد عبد الله من هذه العلاقات الوطيدة مع ضياء الحق ومن توجهاته الدينية في مجالات مختلفة، وبقي طول حكم الجنرال ضياء الحق رئيسًا للجنة رؤية الهلال المركزية، وأنشأ مدرستين كبيرتين في إسلام آباد:
1 - الجامعة الفريدية وهي تقع في الغابة قرب مسجد الملك فيصل، وتعتبر تلك المنطقة من أرقى مناطق إسلام آباد.
2 - جامعة حفصة (للبنات وهي تعتبر من كبريات المدارس للبنات في باكستان) وتقع في حي (G|6|4) وهي منطقة حساسة جدًّا لقربها من وزارة الخارجية الباكستانية ومحطة الإذاعة والتلفزيون وأغلب السفارات الغربية.
كما أنشأ الشيخ عبد العزيز مدرسة أخرى في لال مسجد للبنين أيضًا، إلى جانب مجموعة من المساجد التي بنيت بمساعي الشيخ محمد عبد الله في مدينة إسلام آباد، وقتل الشيخ محمد عبد الله عام 1998م في حكومة نواز شريف، واتُّهم بقتله الشيعة الذين كان الشيخ محمد عبد الله قد نشط ضدهم في آخر أيامه.
كان الشيخ محمد عبد الله لعلاقاته الواسعة والمتنوعة بالشخصيات المؤثرة في الحكومة من جهة، وعلاقته بالعلماء البارزين المؤثرين من جهة أخرى كان يُدعى للمشاركة في أغلب المجالس التي كانت تعقد لمناقشة القضايا على مستوى باكستان، وكان يرافقه ابنه الكبير الشيخ عبد العزيز الذي كان الشيخ محمد عبد الله يُعِدّه لولايته بعده.
ورثة الشيخ محمد عبد الله خطيب (لال مسجد)
لما قتل الشيخ محمد عبد الله خلف ولدين وثلاث بنات، وكان اسم ابنه الأكبر الشيخ عبد العزيز، واسم ابنه الصغير عبد الرشيد غازي، أما الولد الكبير فكان قد تخرج في المدرسة (مدرسة تعليم القرآن براولبندي التي كان يديرها الشيخ غلام الله خان)، وكان الشيخ محمد عبد الله يُعِدّه في حياته ليخلفه في مهامه الدينية والسياسية، وحدث بالفعل ما أراده والده، فتولى الشيخ عبد العزيز (46 سنة) خطابة (لال مسجد) المسجد الأحمر وإدارة جامعة فريدية في البداية، ثم أنشأ مدرسة للبنين في (لال مسجد) وتولى إدارتها، كما تولى إدارة دار الإفتاء وتولت زوجته أم حسان مع بناته إدارة جامعة حفصة للبنات، وتعتبر أم حسان امرأة قوية لها تأثير قوي على كل من الشيخ عبد العزيز وعبد الرشيد غازي، ويعتبرها بعض وسائل الإعلام المرأة الحديدية في إدارة (لال مسجد).
عبد الرشيد غازي
لكن الابن الصغير للشيخ محمد عبد الله عبد الرشيد غازي كان شخصًا من نوع آخر، فإنه أتعب والده جدًّا في حياته؛ لأن والده كان يريد أن يتبع ابنه سيرته ويتم دراسته في المدارس الدينية، لكن عبد الرشيد كان عنيدًا، حفظ القرآن في صغره، وأكمل الثانوية في المدارس الحكومية، ولكن رفض طلب أبيه أن يلتحق بالمدرسة، ولما ألحّ عليه التحق بالجامعة الفريدية، لكنه هرب من المدرسة وتركها، وترك التعليم الديني والتحق بجامعة قائد أعظم الحكومية (من كبريات الجامعات في العاصمة الباكستانية) وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ، وأتقن الإنجليزية، وحصل على وظيفة حكومية محترمة في وزارة التعليم عام 1989م، ثم انتدب للعمل في مكتب إسلام آباد (اليونسكو) التابع للأمم المتحدة، وعمل في المكتب المذكور مستشارًا للشئون التعليمية لعدة سنوات، واستغني عنه بعد حادثة 9/11 (تفجيرات نيويورك وواشنطون)، ولما قتل والده تغير عبد الرشيد غازي تمامًا، وأطلق لحيته، وبدأ يهتم بأمور المدرسة وخطابة المسجد فرحّب به أخوه الكبير الشيخ عبد العزيز وعيّنه نائبًا له في خطابة المسجد الأحمر (لال مسجد)، لكنه استمر في الوظيفة الحكومية. 
وكان أول ظهور لعبد الرشيد غازي على الساحة الإعلامية والسياسية عام 2001م عندما شكلت الجماعات الدينية (حركة الدفاع عن أفغانستان) أثناء الهجوم الأمريكي على أفغانستان لإسقاط حركة طالبان، وكان يعتبر من الشخصيات المهمة أثناء المظاهرات والمسيرات التي كانت تخرج للاحتجاج على الهجوم الأمريكي على أفغانستان في تلك الفترة، وكان ذلك على خلفية علاقات والده الوطيدة بحركة طالبان، فإنه كان قد زارهم في مقر خلافتهم! قندهار أكثر من مرة.
كيف بدأت مشكلة (لال مسجد)؟
حدثت عدة مشاكل متتالية أبرزها تعرض المدرسة للمؤسسة العسكرية بفتوى خطيرة، فساهمت في الخلاف مع الحكومة:
1 - الفتوى الشرعية: أول وأخطر هذه المشاكل الفتوى التي صدرت من دار الإفتاء التابعة لمدرسة لال مسجد التي يرأسها الشيخ عبد العزيز، وكان صدورها عام 2005م عند بدأت المصادمات بين القوات الباكستانية والقبائل في منطقة وزيرستان القبلية، وكانت الفتوى تتلخص في أن القوات المسلحة التابعة لدولة مسلمة لا يجوز لها القتال ضد المسلمين من أتباع تلك الدولة، وأن من يموت من أفراد الجيش في القتال الدائر بين الجيش الباكستاني والقبائل في وزيرستان فموته حرام ولا يجوز صلاة الجنازة عليه، ومن يقتل من أفراد القبائل بأيدي الجيش الباكستاني فهو شهيد، هذه الفتوى أثارت حفيظة الجنرال مشرف نفسه، واعتبر ذلك تجاوزًا لكل الحدود، ومن ذاك اليوم بدأت الحكومة تحتال بحيل مختلفة للقضاء على هذه المدرسة وإزالتها وإخراجها من العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وقد صرح عبد الرشيد غازي في مقابلاته العديدة أن المؤسسات الحكومية بما فيها الاستخبارات العسكرية الباكستانية، "مارست ضغوطًا كبيرة علينا لنتراجع عن هذه الفتوى، لكننا قلنا لهم إن الفتوى ليست مثل القرار الحكومي الصادر من جهة رسمية ليمكن إلغاؤه بإصدار قرار آخر، فالفتوى حكم شرعي والتراجع معناه رفض العمل بالكتاب والسنة اللذين استند إليهما في هذه الفتوى". وأضاف عبد الرشيد غازي في هذه المقابلة: "ومن ذاك اليوم بدأت الحكومة حملة شعواء ليس ضد الشيخ عبد العزيز وضدي فقط، بل ضد (لال مسجد) والمدرستين الملحقتين به أيضًا، وتعلن الحكومة بعد ذلك باستمرار بأن (لال مسجد) هو المأوى الآمن للإرهابيين".
وكانت من نتائج الفتوى المذكورة أن أعلنت الحكومة يومًا أن عبد الرشيد غازي كان يخطط لتفجير مقر البرلمان، ومقر رئاسة الدولة، ومقر قيادة الجيش في مدينة "راولبندي" أثناء الاحتفالات بمناسبة يوم استقلال باكستان، فاختفى عبد الرشيد غازي ولم تتمكن الشرطة من إلقاء القبض عليه، لكن الحكومة عرضت سيارة عبد الرشيد غازي المفخخة والمليئة بالبارود على وسائل الإعلام كدليل على مشاركته في التخطيط لتلك الهجمات، وبعد أيام تراجعت الحكومة عن إعلانها، وأعلن محمد إعجاز الحق الابن الأكبر للجنرال محمد ضياء الحق (ووزير الشئون الدينية الباكستاني) أن عبد الرشيد غازي لم تكن له يد في التخطيط لتلك الهجمات! وأن المخططين الحقيقيين قدمت قضيتهم للمحكمة.
مع ذلك بقي الجنرال برويز مشرف رئيس دولة باكستان وقائد القوات المسلحة مهتمًّا بأمر لال مسجد والمدرستين الملحقتين به، ولم يكن ليضيع فرصة تسنح له للقضاء على (لال مسجد) وإدارته حسب تصريحات إدارة لال مسجد، قال عبد الرشيد غازي في مقابلة له: "نعم لقد تلقينا تهديدات مباشرة من شخصيات رفيعة المستوى ضمن المؤسسة العسكرية بأن الجنرال برويز مشرف ناقم علينا شخصيًّا وببقاء مدارسنا في العاصمة الفدرالية، وأنه يريد أن يقتلنا نحن الاثنين (الأخوين) إذا عجزت المؤسسات الأمنية الحكومية عن اتخاذ الإجراءات الصارمة ضدنا". من هنا استغلت الحكومة الفرصة ورفعت على المدرستين الملحقتين بـ(لال مسجد) قضية في المحكمة بأن الأرض التي بنيت عليها المدرستان هي أرض حكومية تابعة لبلدية إسلام آباد، وطلبت أن تسلم للدائرة الحكومية المذكورة.
ولما حصلت التفجيرات يوم 7/7/2005م داخل نفق مترو في لندن واتهم بها بعض الشباب البريطانيين من الأصل الباكستاني، وأوردت وسائل الإعلام أن بعضهم قام بزيارة بعض المدارس في باكستان في تلك السنة، أرادت الحكومة أن تستغل هذه الفرصة وتورّط مدرسة (لال مسجد) في الموضوع أيضًا، ومن هنا قررت تفتيش المدرسة بحجة علاقتها بأحد المشتبه بهم في تفجيرات لندن إلا أن طالبات جامعة حفصة أوقفت حملة التفتيش بالقوة ورفضن دخول الشرطة إلى المدرسة، وتعرضن نتيجة لذلك لغازات مسيلة للدموع، وجرحت مجموعة منهن، لكن الشرطة لم تتمكن من تفتيش المدرسة، لكن وزارة الداخلية سجلت قضية جنائية ضد الأخوين (الشيخ عبد العزيز وعبد الرشيد غازي) في أحد مراكز الشرطة بإسلام آباد.
2 - مشكلة هدم المساجد:CDA) بهدم سبعة مساجد في مدينة إسلام آباد، بحجة أن بعضها بنيت على أراضٍ حكومية مغصوبة، وأن بعضها خطر على أمن كبار الشخصيات الحكومية، (وكان القرار غريبًا وخطيرًا في نفس الوقت في مجتمع محافظ مثل المجتمع الباكستاني)، وقد هدمت البلدية مسجدين بالفعل يوم 20/ 1/2007م، وكانت جامعة حفصة ولال مسجد من بين المدارس التي قررت بلدية إسلام آباد هدمها، لكن طلاب المدارس الدينية خرجوا في مظاهرات ومسيرات كبيرة واستطاعوا أن يوقفوا هدم المساجد، وكان الشيخ عبد العزيز -بالإضافة إلى مجموعة من العلماء- يقود هذه المسيرات والمظاهرات، وتدخل وزير الشئون الدينية والأوقاف السيد محمد إعجاز الحق، وطلب من وزير الشئون الداخلية أن يوقف تنفيذ مشروع هدم المساجد، لكن لم تطمئن إدارة مدرسة "لال مسجد" ومن هنا قررت إنهاء المشكلة بطريقة أخرى! لأنها كانت تظن أن الهدف الأصلي هو مدرستهم، ومن هنا قررت احتلال مكتبة حكومية للأطفال الصغار تقع في جوار مدرسة حفصة. كانت المشكلة الثانية التي طوّرت قضية (لال مسجد) هي قرار بلدية إسلام آباد (
3 - السيطرة على مكتبة الأطفال: احتلت طالبات جامعة حفصة مكتبة الأطفال المجاورة لمدرستهن يوم 20/1/2007م، وأغلقن الباب الخارجي للمكتبة ومنعن الموظفين الحكوميين ورواد المكتبة من الدخول إليها، واشترطن أنهن لن يخلين المكتبة ما لم تقدم الحكومة ضمانًا مكتوبًا بعدم التعرض للمدارس والمساجد بالهدم، وكان عبد الرشيد غازي قد أعلن حينذاك أننا لا نثق في الحكومة ما لم يكن هناك تضمين كتابي من قبلها، وأننا لن نخلي المكتبة ما لم نحصل على هذا النوع من الضمان، وقد جرت محادثات طويلة على المستويات المختلفة من قبل الحكومة، فقد شارك في تلك المحادثات كبار الشخصيات السياسية مثل تشودري شجاعت حسين (رئيس الرابطة الإسلامية - الحزب الحاكم) ووزير الشئون الدينية والأوقاف السيد محمد إعجاز الحق، وغيرهما، لكن المشكلة لم تنته، واستمرت على حالها، ويرى المحللون أن بعض الجهات الحكومية لم تكن تريد حل المشكلة سلميًّا، ومن هنا كانت كلما اقتربت المشكلة من الحل تتدخل وتعرقل تلك الجهود، إلى درجة أن رئيس الحزب الحاكم تشودري شجاعت حسين أعلن يوم 2/7/2007م في مقابلة له نشرتها وسائل الإعلام أن جهوده لتسوية مشكلة (لال مسجد) نسفت من قبل بعض الجهات الرسمية، ونفس الشيء حدث لجهود محمد إعجاز الحق وزير الشئون الدينية، فإنه لما أعدّ وثيقة التفاهم والاتفاقية بين الحكومة وبين إدارة (لال مسجد) تعرض لنقد لاذع من قبل زملائه الوزراء، بل وقد استجوبه الجنرال برويز مشرف عدة مرات (حسب ما أورده أحد الصحفيين المطلعين (عرفان صديقي) في عموده اليومي (نقش خيال) في جريدة نواي وقت، يوم 5/7/2007م).
لم تكن الحكومة ترغب في حل المشكلة سلميًّا، ولم تكن تقدم على حلها بالقوة، بل كانت تؤجل الأمر لتوهم القائمين بأمر (لال مسجد) بأنهم يستطيعون أن يقوموا بأشياء أكبر من هذا، وقد حدث ذلك بالفعل ولما تأكد لديهم أن الحكومة لن تقدم على استخدام القوة ضدهم أقدموا على إعلان تطبيق الشريعة.
إعلان تطبيق الشريعة (على خطى طالبان أفغانستان)
لقد تناقلت وسائل الإعلام عن الشيخ عبد العزيز أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بشرني وبشر بعض أصدقائي ثلاثمائة مرة في المنام بأن نتحرك لتطبيق شرع الله وأن نستمر في القيام بذلك، ومن هنا يرى البعض أن البشارات المنامية كان لها دخل في القيام بإنشاء حركة الطلاب والطالبات (كما يسميها الشيخ عبد العزيز) على غرار حركة طالبان في أفغانستان، فإنها كانت قد بدأت أيضًا بالبشارات المنامية كما كان القائمون بها يصرحون بذلك. 
لكن يبدو أن إدارة جامعة حفصة والجامعة الفريدية (المتمثلة في الشيخ عبد العزيز وأخيه عبد الرشيد غازي) لما رأت أن الحكومة لا تجرؤ على استخدام القوة ضدهم (أو لا تريد)، ورأت في نفس الوقت تعاطف الناس معهم ظنت أنها تستطيع أن تقوم بأمور أكبر من هذا على مستوى البلد كله، وكانوا يظنون أنهم سيحفظون مدرستهم إذا ضخّموا قضيتهم، وصبغوها بصبغة سياسية، وربطوها بتطبيق الشريعة؛ لأن المسألة لن تبقى بعد ذلك مشكلة مدرسة واحدة، وخطوا هذه الخطوة لأنهم كانوا متيقنين أن الحكومة تبحث عن مسمار جحا للقضاء عليها لمخالفتهم لقيادة الجيش الباكستاني وإصدار الفتوى ضد عملياته في المناطق القبلية الباكستانية، ولأن الحكومة وخاصة الجنرال برويز مشرف كان يلوح دومًا بوجود علاقات بين إدارة مدرسة (لال مسجد) وبين الإرهابيين من تنظيم القاعدة وطالبان والمجموعات الجهادية في كشمير.
ومما جاء في خطبة إعلان تطبيق الشريعة على لسان الشيخ عبد العزيز:
(نحن نعلن اليوم أننا نطبق الشرع في المنطقة التي تخضع لسيطرتنا، سيُفصل في كل القضايا هنا بعد اليوم، حسب شريعة الله سبحانه وتعالى).
إن الحكومة وأعداء الدين قرروا استخدام الحيل المختلفة لإخفات صوت الطلاب والطالبات، ولإزالة تأثير دعوتهم، وتستخدم ضدنا المؤسسات غير الحكومية (NGOs)  ووسائل الإعلام المختلفة، وتنشر الأراجيف المختلفة لتنفير عامة الناس عنهم، ومن هنا نريد أن نعلن لجميع سكان البلد أن لا يصدقوا هذه الأراجيف، وليتأكدوا عن صحة الخبر عن طريق الاتصال بنا قبل التعليق على الخبر وتصديقه، إن الطلاب والطالبات يقصدون إلى تطبيق شرع الله واستتباب الأمن، نحن نقوم بتبليغ دعوتنا إلى إخواننا المسلمين بالحب، ومن هنا لا تصدقوا الأخبار التي تذاع وتصلكم عن حوادث التخريب والتدمير والمحاصرة والإحراق من قبل الطلاب والطالبات، وإذا كانت هناك شكوى حول شيء من هذا القبيل فاتصلوا بنا.
إن تطبيق الشريعة أمنية كل مسلم، فليشارك المسلمون جميعًا في هذا الجهد، وليجعلوه مطلبًا جماهيريًّا لكل البلد، ولتشارك الأخوات المسلمات بصورة مؤثرة في هذه الحركة؛ لأن الحفاظ على أعراض الأخوات والبنات من الأهداف الأساسية لهذه الحركة، عمموا هذه الدعوة عن طريق نشر كتبنا وأشرطتنا.
نطلب من الحكومة أن تسمع مطالبنا بدقة وأن تنفذها:
1 - نطالب الحكومة أن توقف الحملة الإعلامية المشتملة على الدعاية الكاذبة ضد حركة الطلاب والطالبات.
2 - أن تزيل جميع لوحات الدعاية التي تشتمل على صور منافية للأخلاق السوية التي تلعب دورًا مؤثرًا في توجيه المجتمع نحو وجهة خاطئة.
3 - إغلاق جميع مراكز المخدرات.
4 - أن تمنع بيع الخمر في إسلام آباد.
5 - نحن نريد الأمن والاستقرار فلتتعاون معنا الشرطة، نحن نعلن من قبلنا أننا نريد الأمن، لكن إن كانت الحكومة تصر على أن خيارها الأخير هو استخدام القوة ضدنا، في هذه الحالة يمكن أن يكون خيارنا الأخير الهجوم الاستشهادي، لا نريد الصدام، لكننا لن نتحمل أية عراقيل أمام تطبيق شرع الله تعالى.
حوادث رافقت "تطبيق الشريعة"
قام طلاب وطالبات (لال مسجد) بعدة تصرفات سلبية في العاصمة الباكستانية، ولم تقدم الحكومة على استخدام القوة، وكان بعض هذه التصرفات في أوقات حرجة، فكانت تُخْرج الحكومة من ورطة كبيرة، خاصة أثناء مسيرات رئيس المحكمة العليا المحرجة للحكومة، فكانت تأتي تصرفات طلاب وطالبات جامعة حفصة لتلفت الأنظار إليهم، فتتوجه وسائل الإعلام إلى ما يقومون به بدل التركيز والاهتمام بتلك الحوادث المحرجة للحكومة، من هذه التصرفات، إغلاق بيت واعتقال امرأة فيه بدعوى ممارسة الدعارة، واختطاف ثلاثة أفراد من الشرطة بحجة اعتقالها مجموعة من طلاب الجامعة الفريدية، ومطالبة بعض التجار بوقف بيع تسجيلات تنشر "الفساد الخلقي"، وإصدار دار الإفتاء التابعة لـ(لال مسجد) فتوى ضد وزيرة السياحة نيلوفر بختيار؛ لعناقها رجلاً فرنسيًّا.
وبدأت المواجهات تدريجيًّا، ففي يوم 10/4/2007م أعلنت الحكومة إغلاق موقع (لال مسجد) على صفحة الإنترنت، ومنعت البث الإذاعي الذي كان يبث من المدرسة على الموجات القصيرة، وفي يوم 18/5/2007م اعتقلت الشرطة 11 شخصًا من طلاب المدرسة الفريدية، وقام الطلاب باختطاف 4 أشخاص من أفراد الشرطة، وتم تبادل الأسرى بعد المحادثات، ويوم 20/5/2007م أعلن عن فشل المحادثات التي استمرت لفترة طويلة بين إدارة مدرسة (لال مسجد) وبين تشودري شجاعت حسين رئيس الحزب الحاكم (حزب الرابطة الإسلامية)، وفي يوم 23/6/2007م هاجم الطلاب والطالبات محلّ تدليك يتبع لصينيين، واختطفوا تسع نساء صينيات، بحجة أنه مركز للدعارة، وأطلقوا سراحهن بعد 17 ساعة، ويوم 29/6/2007م صرح الجنرال برويز مشرف بأن مجموعة من الانتحاريين التابعين لتنظيم القاعدة متواجدون في مدرسة (لال مسجد)، وفي يوم 3/7/2007م اقتربت قوات شبه عسكرية لتطويق المدرسة فخرج الطلاب والطالبات احتجاجًا على ذلك، ووقع تصادم بين الطرفين لم ينقطع حتى كتابة هذه السطور
من موقع اسلام أون لاين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين