حدث في الحادي عشر من ربيع الأول

في الحادي عشر من ربيع الأول من سنة 179، توفي بالمدينة المنورة، عن 86 عاماً، الإمام مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة وصاحب الموطأ. والأصبحي نسبة إلى ذي أصبح، بطن من اليمن من ملوك اليمن، ونسب الإمام مالك هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن الحارث بن غميان بن حنبل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح.

ومالكٌ جده من كبار التابعين، روى عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن أبي ثابت، وكان من أفاضل الناس وعلمائهم، و كان ممن كتب المصاحف حين جمع عثمان المصاحف، وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ليلا إلى قبره وغسلوه ودفنوه، وكان عمر بن عبد العزيز يستشيره، وتوفي سنة 112. وينقل القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك أن جد الإمام مالك: أبا عامر رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه شهد المغازي كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم خلا بدرا، ولكني لم أعثر له على ترجمة أو ذكر في مظانِّه في كتب تراجم الصحابة مثل طبقات ابن سعد أو الاستيعاب أو أُسْد الغابة.
ولد مالك بن أنس سنة 93 في المدينة المنورة، وتذكر بعض الروايات أنه مكث في بطن أمه سنتين أو ثلاثاً، وهذا أمر مستبعد على ضوء استقصاء الطب الحديث لمثل هذه الأمور، وكانت أم مالك من النساء النبيهات، ذلك إنه لما أراد طلب العلم قال لها: أذهب فأكتب العلم؟ فقالت: تعال فالبس ثياب العلم، فألبسته ثيابا مشمرة ووضعت الطويلة على رأسه وعممته فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن. والأهم من ذلك ما قاله رحمه الله: كانت أمي تعممني وتقول لي اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه.
وتتعدد الروايات في بداية طلبه للعلم، فمنها من يذكر أنه تأخر نسبياً في طلب العلم، أو تشاغل عنه بما يهواه الشباب، فقد قال رحمه الله: كان لي أخٌ في سن ابن شهاب الزُهري، فألقى أبي يوما علينا مسألة، فأصاب أخي وأخطأت، فقال لي أبي: ألهتَك الحمام! وهذه الرواية مستبعدة لأن ابن شهاب الزهري ولد سنة 54 وتوفي سنة 124، فلا يعقل أن يعادل والد أنس بين ولدين من أولاده بينهما قرابة 30 عاماً.
ولكن من الثابت أن أخاً له كان أسبق منه في طلب العلم، فقد قال زميلُه محدثُ المدينة أنسُ بن عياض، المولود سنة 104 والمتوفى سنة 200: جالستُ ربيعة ومالك يومئذ معنا، وما يُعرف إلا بمالك أخي النضر، ثم ما زال حرصه في طلب العلم حتى صرنا نقول النضر أخو مالك!
ودرس مالك على عدد من كبار التابعين وفقهاء المدينة أُورِدهم حسب سني وفاتهم، وأولهم نافع المدني، مولى عبد الله بن عمر المتوفى بالمدينة سنة 117، وكان من أئمة التابعين بالمدينة، كثير الرواية للحديث، ثقة، لا يعرف له خطأ في جميع ما رواه، وهو ديلمي الأصل، أصابه عبد الله بن عمر صغيرا في بعض مغازيه، ونشأ في المدينة، وأرسله عمر بن عبد العزيز، المولود سنة 66 وولايته في سنوات 99-101، إلى مصر ليعلم أهلها السنن.
وكان نافع قد كُفَّ بصره في آخر حياته، فكان مالك يقوده من منزله إلى المسجد فيسأله فيحدثه، وكان منزل نافع بناحية البقيع، قال مالك: كنت آتي نافعا مولى ابن عمر وأنا يومئذ غلام ومعي غلام لي، وينزل إليَّ من درجة له فيقعدني معه فيحدثني، وقال: كنت آتي نافعا نصف النهار وما تظلني الشجر من الشمس إلى خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة كأني لم أُرده، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه حتى إذا دخل البلاط أقول له: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني ثم أجلس عنه، وكان فيه حِدَّة.
ودرس الأمام مالك على التابعي الجليل عبد الرحمن بن هرمز المتوفى سنة 117، وقد أدرك ابن هرمز أبا هريرة رضي الله عنه وأخذ عنه، وهو أول من برز في القرآن والسنن، وكان خبيراً بأنساب العرب، وافر العلم، ثقة، وانقطع مالك إليه ثمانية سنين لم يخلط بغيره، قال مالك: وكنت أجعل في كفي تمرا وأناوله صبيانه وأقول لهم إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا مشغول، وكنت آتي ابن هرمز بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل، وقال ابن هرمز يوما لجاريته: من بالباب؟ فلم تر إلا مالكا، فرجعت فقالت له: ما ثَمَّ إلا ذاك الأشقر، فقال لها: دعيه فذلك عالم الناس.
ودرس الإمام مالك على التابعي الجليل محمد بن شهاب الزُهري، المولود سنة 54 والمتوفى سنة 124، والمحدث الحافظ، قال مالك: كنا نزدحم على درج ابن شهاب حتى يسقط بعضنا على بعض! ويبدو أن العلاقة بين مالك وأستاذه الزهري تحولت إلى علاقة تقدير ومودة وإعجاب من الأستاذ بتلميذه النجيب، قال مالك: شهدت العيدَ فقلتُ هذا اليوم يخلو فيه ابن شهاب، فانصرفتُ من المصلى حتى جلست على بابه فسمعته يقول لجاريته: انظري من على الباب؟ فنظرت فسمعتها تقول: مولاك الأشقر مالك، قال: أدخليه، فدخلتُ، فقال: ما أراك انصرفتَ بعد إلى منزلك؟ قلت: لا، قال: هل أكلت شيئا؟ قلت: لا، قال: فاطْعَم، قلت: لا حاجة لي فيه، قال: فما تريد؟ قلت: تحدِّثني، فحدثني بأربعين حديثا ونيف منها حديث السفينة فحفظتها، ثم قلت: أعدها علي فإني نسيت النيِّفَ على الأربعين، فأبى وقال: وما ينفعُك إن حدثتُك ولا تحفظها؟! قلتُ: إن شئتَ رددتُها عليك! فرددتُها عليه، فقال: قُم، فأنت من أوعية العلم.
وكان الإمام مالك حريصاً على تقييد مسموعاته بالكتابة، وله في ذلك طريقة يتأكد بها أن لم يفته كتابة شيء مما سمع،  قال: كنت أجلس إلى ابن شهاب ومعي خيط، فإذا حدث عقدت ثم رجعت إلى البيت فكتبتها.
ودرس مالك كذلك على ربيعة الرأي، ربيعة بن فَرَّوخ التيمي المدني، المتوفى سنة 136، وكان إماماً حافظاً وفقيهاً مجتهداً، كان بصيرا بالرأي، وأصحاب الرأي عند أهل الحديث هم أصحاب القياس، لأنهم يقولون برأيهم فيما لم يجدوا فيه حديثا أو أثرا، فلُقِّبَ ربيعةُ الرأي، قال ابن الماجشون: ما رأيت أحد أحفظ لسُّنة من ربيعة. وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وتوفي بالهاشمية من أرض الأنبار. ولعل ربيعة الرأي أول من درس عليه مالك، فقد جاءه وهو صغير في أذنه قُرط، قالالزبيري: رأيت مالكا في حلقة ربيعة وفي أذنه شَنَف.
ومن علماء تلك الحقبة عمرو بن دينار المولود بصنعاء سنة 46 والمتوفى بمكة سنة 126، كان مفتي أهل مكة، ثقة ثبتاً في الحديث، وله قصة مع الإمام مالك، فقد سئل مالك أسمع من عمرو بن دينار؟ فقال: رأيته يحدث والناس قيام يكتبون، فكرهت أن أكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم.
وكان في زمن الإمام علماء ومحدثون آخرون، ولكنه لم يرو عنهم لدقة منهجه في الرواية والتحمل، قال مالك: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت سبعين ممن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين، وأشار إلى المسجد، فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أمينا إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، وهذا الشأن يعني الحديث والفتيا يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدا.
وكانت مرويات الإمام مالك كثيرة العدد قال رحمه الله: وكانت عندي صناديق من كُتب ذهبت، لو بقيت لكان أحب إليَّ من أهلي ومالي. وروى بعضهم عنه أنه قال: كتبت بيدي مئة ألف حديث.
وقرأ مالك القرآن على نافع أحد القراء السبعة المشهورين، نافع بن عبد الرحمن المتوفى سنة 169، وكان شيخ القراء في المدينة، وأقرأ الناس نيفا وسبعين سنة.
أما بدء جلوسه للتدريس فتقول الروايات إنه ابتدأ ذلك في السابعة عشر من عمره، أي في سنة 110، وهذا للوهلة الأولى يتعارض مع تتلمذه على من ذكرنا من العلماء المتوفيين في سنة 117 وسنة 124، ولكن حلقته كانت بإذن أساتذته كما سيرد، فهي إذاً حلقة ثانوية لا تتعارض مع حلقات شيوخه وأساتذته، وقد بين ذلك الإمام مالك في كلمة تبين أصول إنشاء الحلقات والتدريس فيها، قال رحمه الله: ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفُتيا؛ جلس، حتى يشاور فيه أهلَ الصلاح والفضل وأهلَ الجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلا جلس. وما جلستُ حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم إني لموضع لذلك.
قال عبد الله بن وهب تلميذ الإمام مالك المولود سنة 125 والمتوفى سنة 197: جاء رجل يسأل مالكا عن مسألة. فبادر تلميذه عبد الرحمن بن القاسم المصري، المولود سنة 132 والمتوفى سنة 191، فأفتاه فأقبل عليه مالك كالمُغضَب وقال له: جسرت على أن تفتي يا عبد الرحمن؟ يكررها عليه، ما أفتيتُ حتى سألت هل أنا للفتيا موضع؟! ولما سكن غضبه قيل لمالك: من سألت؟ قال: الزُهري وربيعة الرأي، وكان ربيعة إذا قال للرجل فلم يفهم عنه يقول له سل هذا، فأقول للسائل إنما ينهاك عن كذا.
ومن تأدب مالك مع مشايخه أنه دعي لحضور مجلس الأمير مع مشايخه وكبراء القوم فلم يحضر إلا بموافقتهم، قال رحمه الله: دعاني الأمير في الحداثة أن أحضر المجلس، فتأخرت حتى راح ربيعة فأعلمته وقلت: لم أحضر حتى جئت أستشيرك، فقال ربيعة: نعم. ثم قال مالك: لا خير فيمن يرى نفسه في حالة لا يراه الناس لها أهلا.
وأول ما بان من فقه مالك أن رجلا ترك في وصيته أنه قد زوج ابنتيه من ابني أخيه وقد أخذ مهورهما، ومات الرجل فأحضر الوالي، وكان الحسن بن يزيد، الناس، وفيهم فقهاء المدينة ومالك وهو حَدَث، فقال جميعهم ذلك جائز، ومالك ساكت فقال: ما ترى يا مالك؟ قال: ذلك لا يجوز! فغضب الجميع، فقال الوالي: من أين قلت يا أبا عبد الله هذا؟ قال: أرأيتم إن أهديتا جميعا إلى زوجيهما، فتعلق كل واحد منهما بهودج واحدة؛ كل واحد يقول هي زوجتي دون الأخرى، لمن تقضون بها؟ فسكت القوم. قالوا: أصاب. قال: فما ترى يا أبا عبد الله. قال: النكاح مفسوخ حتى تسمى كل امرأة لرجل معين.
والتقى أبو حنيفة ومالك بالمدينة وأُعجب كلٌ منهما بالآخر، قال الليث بن سعد: لقيت مالكا بالمدينة فقلت له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك؟ قال: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري!  قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة فقلت: ما أحسنَ قول ذلك الرجل فيك! فقال: والله ما رأيت أسرع منه بجواب صادق وزهد تام.
وقيل لأبي حنيفة: كيف رأيت غلمان المدينة؟ قال: رأيت بها علما مبثوثا فإن يجمعه أحد فالغلام الأبيض والأحمر. وذُكِرَ ذلك لمالك، فقال: صدق، لقيتُه فرأيت رجلا له علم وفهم لو بُني على أصل، يعني الأثر.
ودرس الشافعي وهو صغير على الإمام مالك، وكان يعترف له بالفضل ويقول: مالك بن أنس معلمي، وما أحدٌ أمنَّ عليَّ من مالك، وعنه أخذنا العلم وإنما أنا غلام من غلمان مالك. وكان الشافعي إذا سئل عن الشيء يقول: هذا قول الأستاذ. يريد مالكا، وذكر الأحكام والسنن. أما الأستاذ فقد لمس من تلميذه مخايل النبوغ والعلم فأوصاه بخير وصية، قال الشافعي: قال لي مالك، وكانت له فراسة: يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن.
وخير شهادة لطالب العلم هي من شيخه، وقد شهد ابن هرمز لمالك بالعلم والتدقيق، قيل لابن هرمز: نسألك فلا تجيبنا، ويسألك مالك وعبد العزيز بن الماجشون، المتوفى سنة 124، فتجيبهما؟! فقال: دخل عليَّ في بدني ضعف، ولا آمن أن يكون قد دخل عليَّ في عقلي مثل ذلك، وأنتم إذا سألتموني عن الشيء فأجبتكم قبلتموه، ومالك وعبد العزيز ينظران فيه، فإن كان صوابا قبلاه، وإن كان غيره تركاه.
وبفضل من الله ثم بضبطه وإتقانه، بلغ الإمام مالك مرتبة في الحديث قبِلَ معها المحدثون أحاديثه المرسلة، والأحاديث المرسلة هي التي يرويها التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر الصحابي الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبلوا ذلك ثقة منهم بدينه وتقواه وتثبته ونظره، قال الإمام أحمد بن حنبل: مالكٌ أحسن حديثا عن الزهري من ابن عيينة، ومالكٌ أثبت الناس عن الزهري، ومراسيل مالك أصح من مراسيل سعيد بن المسيب ومن مراسيل الحسن، ومالك أصح الناس مرسلا.
وكان مالك رحمه الله تعالى ثرياً له 400 دينار يُتَّجر له بها، ومنها كان قوام عيشه ومصلحته، وكان متأنقاً في لباسه وأمور معاشه وأثاث بيته، خلف يوم توفي 100 عمامة و500 زوج من النعال، وقوِّم أثاث بيته بما ينيف على 500 دينار، وزادت تركته على 3300 دينار، وكان لا يخضب شعره ويحتج بعلي رضي الله عنه.
وكان يقبل أعطيات السلطان، ولكن أحد أصحابه سأله عنها فكرهها له، فقال له ولكنك تأخذها، فأجابه الإمام: أتريد أن أبوء بإثمي وإثمك؟! وكان مع قبوله العطايا صداعاً بالحق واعظاً للخليفة الأكبر فمن دونه من الولاة والأعوان، قال مالك رحمه الله: حقٌّ على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئا من العلم والفقه، أن يدخل إلى ذي سلطان يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، ويعظه، حتى يتبين دخول العالم على غيره، لأن العالم إنما يدخل يأمره بالخير وينهاه عن الشر، فإذا كان فهو الفضل الذي لا بعده فضل.
وكان مجلس الإمام مالك مجلساً فاخراً وثيراً يعلوه الوقار والهيبة، وله فيه ترتيب أشبه بالسلطان، فلا يدخل عليه أحد إلا في أوقات معلومة مخصوصة، وله حاجب يأذن عليه، فإذا اجتمع الناس ببابه أمر آذنه فأدخل أولا أصحابه، ثم  إذا فرغ منهم أذن للعامة، وعوتب مالك في تقديمه الإذن لأصحابه، فقال: أصحابي وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان مالك لا يرفع أحداً في مجلسه ولا يوسع له، وإنما يجلس حيث ينتهي المجلس، وأراد بعض الوجهاء أن يكون لابنه مجلس قريب من مالك، فأبى وقال: هو عندنا وغيره سواء، إنما هي عافاك الله مجالس علم السابق إليها أحق بها.
وكان مالك لا يحدث إلا على وضوء إجلالا منه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سئل الحديث توضأ وتهيأ ولبس ثيابه فقيل له في ذلك فقال: إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان مالك لا يسمح لأحد أن يتحدث في مجلسه إلا بإذن، ولا يراجعه أحدٌ فيما قاله من حديث أو فتيا، هذا مع تواضع جمٍّ في إصدار الفتوى وتخوف كبير من مسؤولية الإفتاء، وكان الإمام مالك يرسخ بذلك توقير العلم في الصدور، فليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت، وإذا سئل عن شيء فأجاب سائله، لم يقل له السائل من أين رأيتَ هذا.
قال الإمام المحدث عبد الرزاق بن همام الصنعاني المولود سنة 126 والمتوفى سنة 211: بينما نحن في المسجد الحرام فقيل لنا هذا مالك، فلقيناه داخلا من باب بني هاشم وعليه رداء وقميص صنعاني، فطاف بالبيت وخرج ناحية الصفا فصلى ركعتين ثم احتبى، فلما فرغ احتوشناه كما يصنع أصحاب الحديث، فلما جلسنا قام من بيننا كالمغضب، فجئنا مشايخنا، فسألونا: أي شيء كتبتم عن مالك؟ فأخبرناهم بالذي فعل، فقالوا: الذي فعلتم لا يحتمله مالك، فلما كان من الغد جئنا واحدا واحدا وعلينا السكون فحدثَّنا وقال: الذي فعلتم أمس فعل السفهاء.
وتعلم مالك من شيخه ابن هرمز خصلة لا يستغني عنها عالم أو طالب علم، وهي قول لا أدري، قال مالك: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي أن يورِّث العالمُ جلساءه قولَ لا أدري حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه، فإذا سئل أحدهم عما لا يروي قال: لا أدري. وسأل رجل مالكا عن مسألة وذكر أنه أُرسل فيها من مسير ستة أشهر من المغرب، فقال له: أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها، فقال: ومن يعلمها؟ قال: من علَّمه الله.
ودخل المحدث بقية بن الوليد الحميري الحمصي، المولود سنة 110 والمتوفى سنة 197، على الإمام مالك فقال الناس اليوم ننتفع بأبي محمد يسأل مالكا مسائل نكتبها عنه، فسأله عن ست مسائل فأجابه فيها كلها، وسأله بعد ذلك فقال له مالك: أكثرت، خذوا بيد الشيخ! فجاء شخصان فأخذا بضبعيه فأخرجاه.
وهذا لا يعني أن الإمام مالك كان بعيداً عن المُزاح والتبسط إذا واتته المناسبة، فقد سأله رجل عمن قال لآخر: يا حمار، فقال: يُجلَد، قال: فإن قال له: يا فرس، قال: تُجلدُ أنت، ثم قال: يا ضعيف، وهل سمعتَ أحداً يقول لآخر يا فرس؟
ورأى مالك فتى يمشي مِشية مُنكَرة، فقام مالك، فجعل يمشي على جنبه يحكيه، فوقف الفتى، فقال له مالك: مِشيتي حسنة؟ قال لا. قال: فلم تمشيها أنت؟ قال: لا أعود.
وكان الإمام مالك يجل العلم الذي آتاه الله إجلالا عظيما ويصون نفسه عن جميع الوجوه التي تنقصه مهما كانت خفيفة، وكانت له في هذا مواقف مع الخلفاء المنصور والمهدي وهارون الرشيد، نكتفي للدلالة بذكر واحدة منها، حجَّ هارون الرشيد فأتى مالكا في المدينة فأستأذن عليه حاجبه ثم أذن له، فلما دخل قال يا أبا عبد الله ما حملك على أن أبطأت، وقد علمت مكاني؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما زدتُ على أن توضأتُ وعلمتُ أنك لا تأتي إلا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن أتأهب له. فقال: قد علمت أن الله ما رفعك باطلا. وأخذ بيده فمضى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخبرني عن مكان أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال مالك: كان محلهما منه في حياته كمحلهما منه بعد وفاته.
ومن خصال الإمام مالك رحمه الله كراهيته للجدل، وكان يقول: ليس الجدال في الدين بشيء، المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب العبد، وقيل لمالك: الرجل له علم بالسنة يجادل عنها؟ قال لا. ولكن يخبر بالسنة. فإن قبل منه وإلا سكت. وهذا المنهج يختلف مع منهج أهل العراق ومنهم مدرسة الإمام أبي حنيفة التي تفردت في تلك الحقبة بالبحث النظري في مسائل الفقه ومعالجة تفريعاتها المحتملة.
وتعلم الإمام مالك من شيخه محمد بن المنكدر استحضار مهابة الله ومكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلس التحديث، قال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان مالك إذا ذُكِرَ النبي صلى الله عليه وسلم عنده تغير لونه وانحنى حتى يصعب ذلك على جلسائه،  فقيل له يوما في ذلك،  فقال: لو رأيتم لما أنكرتم عليَّ ما ترون! كنت آتي محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله على حديث إلا بكى حتى نرحمه، ولقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليا، وإما صائما، وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على الطهارة: ولا يتكلم فيما لا يعنيه،  وكان من العباد الزهاد الذين يخشون الله وما أتيته قط إلا ويخرج الوسادة من تحته ويجعلها تحتي.
ولهذا السمت والوقار والحشمة كان مالك مضرب المثل في زمانه فريداً بين علماء عصره، محل إعجاب من خالطه، حتى إن تلميذه يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، المولود سنة 152 والمتوفى بقرطبة سنة 234، أقام سنة عند مالك بعد أن فرغ من سماع الموطأ، فقيل له في ذلك؟ فقال: إنما أقمت مستفيدا لشمائله فإنها شمائل الصحابة والتابعين.
وتعرض مالك رحمه الله لمحنة في حوالي سنة 146، حين أفتى في قضية فقهية لها انعكاسات سياسية عميقة، فقد أفتى رحمه الله أن الطلاق لا يقع ممن أُكرِه عليه، وكانت البيعة تؤخذ للخلفاء باستحلاف القواد والحاشية بالطلاق والعِتاق على أن يُخلِصوا ويخدموا الخليفة، وحيث كانت البيعة في أغلب الأحيان تتم بعيدة عن الخيار الحر، ولها طابع الإكراه أو الإذعان، فإن من شأن هذه الفتوى أن تجعل الأتباع في حِلٍّ من يمينهم، وتفسح أمامهم طريق الخروج على الخليفة والتملص من متطلبات البيعة إذ قامت على الإكراه.
وتختلف الروايات فيمن كان وراء هذه المحنة، وأصحها أن والي المدينة جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، لما ولي المدينة سعى إليه بعض الناس بالإمام مالك، وأكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه شيئا، فنهاه عن الجهر بهذه الفتوى، وما كان مثل مالك لينتهي عن قول ما يراه صواباً، فأمر به فضرب بالسوط على رؤوس الأشهاد حتى غُشي عليه، ولما أفاق سامح من ضربه وجعله في حل، ضارباً المثل في عزة النفس وكرم الأخلاق، ولما حج المنصور قال للإمام: والله الذي لا إله إلا هو ما أمرتُ بالذي كان ولا علمته، وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم وإني أخالك أمانا لهم من عذاب الله. وعرض المنصور على الإمام مالك أن يقتص من جعفر بن سليمان، فقال: أعوذ بالله،قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته منك. فقال له المنصور: عفا الله عنك ووصلك.
ألف الإمام مالك الموطأ بتوجيه من الخليفة العباسي المنصور، المولود سنة 95 والمتوفى سنة 158، والذي كان في نفسه فقيهاً عالماً، واجتمع بالإمام مالك فطلب منه أن يؤلف الموطأ، قال الإمام مالك قال لي المنصور: أنت أعلم الناس، فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: بلى، ولكنك تكتم ذلك، وما أحد أعلم منك اليوم بعد أمير المؤمنين، وإني قد شغلتني الخلافة، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به، تجنب فيه رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر، ووطئه للناس توطئة قال مالك: فو الله لقد علمني التصنيف يومئذ.
وتقول الروايات إن المنصور أو المأمون أراد أن يجمع الناس على اتباع الموطأ، فلم يرغب الإمام مالك في أن يقوم الخليفة بجمع الناس وإجبارهم على اتباع مدرسته الفقهية، وذُكِر أنه قال: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، وروايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودالوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإنَّ ردَّهم عما اعتقدوا شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم.
وكان موطأ الإمام مالك أول كتاب حوى سنة الرسول وآثار الصحابة مصنف على أبواب الفقه، فصار دليلاً سهلاً للمتفقه يصل فيه بسهولة إلى ما يريد معرفته، وشَرَحَ الإمام منهجه فيه فقال: فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول الصحابة والتابعين، ورأيي، وقد تكلمت برأيي على الاجتهاد وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، ولم أخرج عن جملتهم إلى غيره.
وما قلتُ: الأمرُ عندنا فهو ما عمل الناس به عندنا، وجرت به الأحكام وعرفه الجاهل والعالم، كذلك ما قلت فيه ببلدنا وما قلت فيه بعض أهل العلم، فهو شيء استحسنه في قولٍ العلماءُ، وأما ما لم أسمعه منهم فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيته حتى وقع ذلك موضع الحق أو قريباً منه حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم، وإن لم أسمع ذلك بعينه فنسبت الرأي إليَّ بعد الاجتهاد مع السنة وما مضى عليه أهل العلم المقتدى بهم، والأمرِ المعمول به عندنا، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين مع من لقيت، فذلك رأيهم ما خرجت إلى غيرهم.
ولقي الموطأ القبول من العلماء لمنهجه الجديد ولمتانة أحاديثه، فقال الإمام الشافعي: ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من كتاب مالك، وما كتب الناس بعد القرآن شيئا هو أنفع من موطأ مالك.
وللإمام مالك تآليف غير الموطأ، منها كتاب في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر، وكتاب في تفسير غريب القرآن، وله كتب في صورة رسائل منها رسالة في الأقضية كتب بها إلى بعض القضاة، عشرة أجزاء، ورسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية، وله رسالة صغيرة إلى الليث بن سعد حول  إجماع أهل المدينة، طبعها والدي رحمه الله تعالى في كتابه: نماذج من رسائل الأئمة السلف وأدبهم العلمي وأخبارهم في أدب الخلاف.
وكان من الطبيعي أن يكون بين الإمام مالك وبين مدرسة الفقه الحنفي التي سبقته مناظرات في اجتهاداتهما في الفقه، ومما تذكره كتب الفقه المالكي أنه تناظر مع الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة حول مهر المرأة، فاستند أبو يوسف إلى قول الله تعالى في سورة النساء ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾، وقال: لها أن تصنع به ما شاءت، إن شاءت رَمَت به وجاءت زوجها في قميص، فلم يقبل منه مالك ذلك لتناقضه مع العرف الذي سار عليه الناس، وكانت المناظرة بحضرة هارون الرشيد، فقال مالك: لو أن أمير المؤمنين خطب امرأة من أهله وأصدقها مئة ألف درهم، فجاءته في قميص لم يحكم لها بذلك، ولكن يأمرها أن تتجهز وتتهيأ له بما يشبهه مما يتجهز به النساء! فقال هارون الرشيد: أصبت.
وهناك خلاف بين أهل العراق والأحناف وبين أهل المدينة وبقية المذاهب في مقدار مكيال هو الصَّاع، والصاع عند كليهما أربعة أمداد، ولكن مُدَّ أهل العراق أكثر بحوالي النصف، فصاع أهل المدينة يعادل 2172 غراماً وصاع أهل العراق يعادل 3261 غراماً، وسأل أبو يوسف مالكاً عن مقدار الصاع عنده فقال: خمسة أرطال وثُلث، فقال: ومن أين قلتم ذلك؟ فقال مالك لبعض أصحابه: أحضروا ما عندكم من الصاع، فأتى أهلُ المدينة  من مهاجرين وأنصار ومع كل منهم صاع، فقال: هذا صاعٌ ورثته عن أبي عن جدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال مالك: هذا الخبر الشائع عندنا أثبت من الحديث. فرجع أبو يوسف إلى قول مالك رحمه الله.
وابتُليَ الإمامُ مالك في آخر عمره بعَرَض صحي منعه من شهود المسجد والقيام بحقوق الناس، قال النسابة الراوية مصعب بن عبد الله الزبيري المولود بالمدينة سنة 156 والمتوفى ببغداد سنة 236: كان مالك يحضر المسجد ويشهد الجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويجيب الدعوة، ويقضي الحقوق زمانا، ثم ترك الجلوس في المسجد فكان يصلي وينصرف، ثم ترك عيادة المرضى وشهود الجنائز، فكان يأتي أصحابها ويعزيهم، ثم ترك مجالسة الناس ومخالطتهم، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى الجمعة، ولا يعزي أحدا ولا يقضي له حقاً، فكان يُقال له في ذلك فيقول: ما يتهيأ لكل أحد أن يذكر ما فيه، ومن الأعذار أعذارٌ لا تذكر. فاحتمل الناس له كل ذلك لثقتهم بورعه وتقواه. وتذكر رواية عنه أنه أخبر وهو في مرض وفاته أنه تخلف عن المسجد هذه السنين بسبب مرض سلس البول وكره أن يأتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير طهارة. ولكن هذا لا يفسر تركه مخالطة الناس في قضاء الحقوق من عيادة المريض وتعزية أهل الميت، وأظن أنه رحمه الله قد عرض له اكتئاب نفسي في آخر سني عمره، والله أعلم.
وكان لمالك رحمه الله ابنان يحيى ومحمد، وقيل ثلاثة، وابنة اسمها فاطمة، وكانت تحفظ الموطأ، وتقف خلف الباب فإذا غلط القارئ نقرت الباب فيفطن مالك فيرد عليه، ولابنه يحيى المتوفى سنة 256 رواية للموطأ، أما ابنه محمد فكان يدخل ويخرج ولا يجلس في درس أبيه، ودخل مرة وأبوه يحدِّث وعلى يده باشق، وقد أرخى سراويله، فالتفت مالك إلى أصحابه وقال: إنما الأدب من الله؛ هذا ابني وهذه ابنتي، إن مما يهون عليَّ أن هذا الشأن لا يورَّث.
وللإمام مالك رحمه الله حكم ووصايا نختم الموضوع بإيراد بعضها، وحيث كان رحمه الله متأنقاً في لباسه على غير المألوف من طلبة العلم، فيبدو أنه قد قيل له في ذلك، فقال: إنما التواضع في الدين والتقى لا في اللباس، التواضع ترك الرياء والسمعة، وإن نقاء الثوب وحسن الهمة وإظهار المروءة جزء من بضع وأربعين جزءاً من النبوة. وكان يقول: تعلموا الحِلْمَ قبل العلم، وتعلموا من العلم حتى لبس النعل.
وكان رحمه الله يرى أن العلم الحقيقي والفقه الصادق هو منحة من الله للنفوس الزكية، قال رحمه الله: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يضعه الله في القلوب، والعلم نور لا يأنس إلا بقلب تقي خاشع، أما سمعتم قول الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾.
وكان رحمه الله يرى أن طلب العلم ينبغي أن يقتصر على من استفاد منه وأفاد، وإلا اقتصر على ما يلزمه في أمر آخرته ودنياه، سئل مالك رحمه الله عن طلب العلم أفريضة هو؟ قال: لا والله، ما كلُّ الناس عالم وإن منهم من لا آمره بطلبه، ولا يطلُب إلا ما يَنتفعُ به، ولا يطلب الأغاليط والإكثار، شرُّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس، طلب العلم حَسَنٌ لمن رُزِقَ خيره، وهو قِسمٌ من الله، ولكن انظر ما يلزمك حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه.
وكان رحمه الله يؤكد لتلاميذه أن التقوى أساس العلم الحقيقي وأن عزة العالم في نقاء علمه وعمله عن ما يشوبه ويدنسه، وألا يكون مطية للآخرين لطمع أو غيره، قال مالك: أقبل علي ذات يوم أستاذي ربيعة فقال لي: من السَّفِلة يا مالك؟ قلت: الذي يأكل بدِينه، قال لي: فمن سَفِلة السَّفِلة؟ قلت الذي يأكلُ غيرُه بدينه. فقال: زه وصدرني.  وبنى مالك رحمه الله على توجيه أستاذه فقال: لا خير في شيء من الدنيا وإن كَثُر بفساد دين الرجل أو مروءته، وإنَّ أخسرَ الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسرَ منه من باع آخرته بدنيا غيره، والتقرب من أهل الباطل هَلَكة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين