كلمات في الوسطية ـ 3 ـ

 

وسطية الإسلام في العبادة والتشريع
الشيخ مجد مكي
 
وسطية الإسلام في العبادة
والإسلام وسط في عبادته وشعائره بين الأديان التي ألفت جانب العبادة ، وبين الأديان والنَّحل التي طلبت من أتباعها التفرُّغ للعبادة والانقطاع عن الحياة كالرهبانية النصرانية.
إنَّ الإسلام يكلِّف المسلم أداء شعائر محدودةً في اليوم كالصلاة ، أو في السنة كالصوم ، أو في العمر مرة كالحج ، ليظل المسلم دائماً موصولاً بالله ، غير مقطوعٍ عن رضاه ، ثم ينطلق الإنسان بعد ذلك ساعياً منتجاً ، يمشي في مناكب الأرض ، ويأكل من رزق الله. ومن هنا جاءت الآيات الآمرة بصلاة الجمعة:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(10) ]. {الجمعة}. .
فهذا هو شأن المسلم : بيعٌ وعمل قبل الصلاة ، ثم سعيٌ إلى ذكر الله وإلى الصلاة ، ثم انتشارٌ في الأرض وابتغاء للرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة ، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيراً في كل حال فهو أساس النجاح والفلاح.
وسطية الإسلام في التشريع :
والإسلام وسط كذلك في تشريعه فهو وَسَطٌ في التحليل والتحريم بين المسيحية التي أسرفت في الإباحة وبين اليهودية التي أسرفت في التحريم مما حرَّمه إسرائيل على نفسه ، ومما حرَّمه الله على اليهود جزاء بغيهم وظلمهم كما قال تعالى: [فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا(160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(161) ]. {النساء}. .
فالإسلامُ قد أحلَّ وحرّم ، ولكن لم يجعل التَّحليل والتحريم من حقِّ بشر ، بل من حقِّ الله وحده ، ولم يحرم إلا الخبيث ، كما لم يحل إلا الطيب النافع ، ولهذا كان من أوصاف رسولنا صلى الله عليه وسلم عند أهل الكتاب أنه :[ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ] {الأعراف:157} .
وسطية الإسلام في شؤون الأسرة:
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة ، كما هو وسط في شؤونه كلها ، وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات ، بغير عدد ولا قيد ، وبين الذين أنكروه ورفضوه ولو اقتضته المصلحة وفرضته الضرورة .
وهو وسط في الطلاق ، بين الذين حرَّموا الطلاق لأي سبب كان ، ولو استحالت الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق ، كالكاثوليك ، وقريبٌ منهم الذين حرموه إلا لعلةِ الزنى أو الخيانة ، الزوجية كالأرثوذكس، وبين الذين أرخوا العنان في أمر الطلاق ، فلم يقيدوه بقيد أو شرط ، وبذلك سهل هدم الحياة الزوجية بأوهى سبب .
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين