من معاني جمال الله عزوجل

 ماهر سقا أميني

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ عَن النبِي صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: لا يَدْخُلُ الجَنةَ مَن كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرةٍ مِن كِبْرٍ . قَالَ رَجُلٌ: إِن الرجُلَ يُحِب أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً، وَنَعْلُهُ حَسَنَا . قَالَ: إِن الله جَمِيلٌ يُحِب الْجَمَالَ، الْكِبْرُ، بَطَرُ الْحَق، وَغَمْطُ الناسِ (رواه مسلم) .
 
وقد رأيت أن أقف على ماقاله العلماء في شرح هذا الحديث لما في ذلك من أهمية في حديثنا عن المدخل الجمالي في الخطاب الإسلامي، ولضبط الحديث عن صفة تتصل بالذات الإلهية، حيث لا يجوز الحديث جزافاً أو الترخص فيما يخص أسماء الله عز وجل وصفاته وأفعاله، وقد راجعت معظم ماكتب في هذا الحديث لأذكر ماقيل فيه من دون نقل للنصوص لضيق المساحة ولتكرار كثير من المعاني على ألسنة الشراح .
 
فمن المعاني التي ذكرها العلماء (الكمال) وانتفاء النقص كالقاضي عياض، ومنهم من قال: له الجمال المطلق، جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال كالمناوي وابن القيم، وقيل هو بمعنى مجمل ككريم: مكرم، وسميع: مسمع، وقيل جميل الأفعال بعباده يكلف اليسير ويعين عليه ويثيب عليه ويشكر عليه، وقيل معناه ذو النور والبهجة (السيوطي) .
 
وذكر القرطبي أن الجميل من أسماء الله تعالى الحسنى ومن معانيه: (الجليل) وذو النور والبهجة أي مالكهما، و(جميل الأفعال بكم) و(المنزه عن النقائص) و(الموصوف بصفات الكمال) .
 
وذكر الكلاباذي في معنى (جميل): جميل الأفضال بكم، حسن النظر لكم، مريد لصلاحكم، جميل المعاملة معكم، يرضى بالقليل، ويثيب عليه الجزيل، ويقبل الحسنات المدخول عليها، ويعفو عن السيئات المسكون إليها، يكلفكم اليسير ويعينكم عليه، ويعطيكم الجزيل، ويشكركم عليه، ولا يمن عليكم، وتعطون القليل ويشكركم، فهو يحب الجمال منكم أي: التجمل منكم في قلة إظهار الحاجة إلى غيره، فإنه قام لكم بها، وما زوى عنكم زواها نظراً لكم، وإرادة الخير بكم، فتجملوا فيما بينكم، ولا تشكوه إلى غيره بإظهار حوائجكم، فهو جميل الفعل بكم، يحب التجمل منكم، ويجوز أن يكون معنى قوله: إن الله تعالى جميل يحب الجمال أنه جميل الفعل، أي يخلقه كما قلنا، من ذلك قضاء حاجات الخلق، فيحب منكم هذه الصفة أي: يحب منكم قضاء حاجات الناس .
قال النووي: واعلم أن هذا الاسم ورد في هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد وقد ورد أيضاً في حديث الأسماء الحسنى وفي إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى .
وقال الزمخشري: والعرب تصف الشيء بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زياً وإنفاقاً وشكراً لله تعالى، فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال، (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول، ويجعل الحسنة عشراً ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات، فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة .
وقال الملا علي القاري إن الله جميل أي في ذاته وصفاته وفعاله، وكل جمال صوري أو جميل معنوي فهو أثر جماله، فلا جمال ولا جلال ولا كمال إلا له سبحانه، يحب الجمال أي ظهوره في مخلوقاته ولذلك أظهرهم وجعلهم مظاهره .
قال ابن قيم الجوزية: ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين