إجازة من حلب الشهباء إلى مكة المكرمة - إجازة العلامة الطباخ للشيخ سليمان الصنيع
إجازة من حلب الشهباء إلى مكة المكرمة مهبط الوحي
بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه تحفة لطيفة أقدمها إلى شيخي وأستاذي العلامة الجليل والفاضل النبيل الأستاذ مجد بن أحمد مكي حفظه الله وتولاه
وهي إجازة العلامة الكبير المحدث المؤرخ الشيخ محمد راغب الطباخ (1293 -1370 ) , للشيخ الفاضل سليمان بن عبد الرحمن بن محمد الصنيع النجدي الأصل المكي مولداً ومنشأً (1323-1389 ), يوجد أصلها في مكتبة الأمير سلمان بالرياض جامعة الملك سعود برقم 1118 كما في فهرس «مخطوطات جامعة الرياض الحديث وعلومه » (4/32-33) , وهي بخط المجيز في صفحتين , يليها سبع صفحات ترجم فيها لنفسه بناء على طلب المستجيز , وللشيخ راغب ترجمة لنفسه كذلك أوردها في خاتمة كتابه: «الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية » (ص347 – 353 ).
عناية الشيخ الطباخ بعلم الحديث رواية ودراية :
كان له عناية بعلم الحديث رواية ودراية , فأما من ناحية الرواية فقد قام باختصار ثلاثة أثبات لعلماء حلبيين وطبعها سنة 1351 بعنوان :«الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية », وهي:
 1- «كفاية الراوي والسامع وهداية الرائي والسامع» للشيخ يوسف الحسني الحنفي الحلبي المتوفى سنة 1153 هـ.
 2- « إنالة الطالبين لعوالي المحدثين» للشيخ عبد الكريم بن أحمد الشراباتي الحلبي المتوفى 1178 هـ.
3- « منار الإسعاد في طرق الإسناد » للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الحلبي المتوفى سنة 1192 هـ.
ثم ألحق بهذه الأثبات نصوص إجازاته، وهي خمسة عشر إجازة من كبار علماء عصره , منهم : الشيخ خالد الأتاسي الحمصي, و السيد محمد بن جعفر الكتاني, والعارف بالله يوسف النبهاني.
وبعد طبع هذه الأثبات بدأ بعض الفضلاء يكاتبونه طلباً للإجازة, ومنهم المجاز في هذه الأوراق العالم الشيخ سليمان الصنيع رحمه الله .
وللشيخ الطباخ سمعة طيبة, وصلة وثيقة بكثير من العلماء والفضلاء, وكفاه فخراً أن الإمام محمد زاهد الكوثري -رحمه الله- كتب عنه حين وفاته مقالة بعنوان: « فقيد العلم والدين العلامة محمد راغب الطباخ الحلبي» , وهي موجودة ضمن «مقالات الكوثري» (ص 504 ).
 وقد كنت سمعت من تلميذ الشيخين: شيخي العلامة المحدث عبد الفتاح أبو غدة -رحمهم الله تعالى- أنه حينما سافر إلى مصر, وفي أول قدومه صلَّى الجمعة في جامع محمد بيك أبو الذهب المقابل للأزهر الشريف, وكان الإمام الكوثري يصلي الجمعة فيه مأموماً , قال شيخنا رحمه الله: ( بعد أن سلمت على الشيخ الكوثري سألني: من أي الشام أنت؟ قلت له: من حلب. فسألني على الفور: كيف حال الشيخ؟  فأجبته على الفور: بخير والحمد لله , فَسُرَّ من جوابي، وأنني عرفت عمَّن يسأل وهو يسأل عن الشيخ راغب الطباخ  ).
هذا وأروي جميع ما للشيخ محمد راغب الطباخ عن جماعة منهم: الشيخ عبد الفتاح أبوغدة, والشيخ محمد علي المراد, والسيد عبد الله ابن الصديق الغماري, والشيخ عبد الله سراج الدين, والشيخ محمد زين العابدين الجذبة, والشيخ محمد ياسين الفاداني, و الشيخ أحمد كعكة الحمصي النقشبندي, وغيرهم الكثير رحمهم الله وأثابهم رضاه.
محمد بن عبد الله آل رشيد
*     *     *
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لمن جعل مقام المتوجهين إليه، اللائذين بجنابه الأقدس هو المرفوع، والمعرضين عن ذكره الملتفتين إلى هذه الأغيار هو الموضوع. وصلاة وسلاماً على من أوتي جوامع الكلم واللسان الفصيح، وجاءنا بالملة السمحة والدين الصحيح، وعلى آله وأصحابه الذين سمعوا مقالته فوعوها. وأدوها إلينا كما سمعوها، فوصلتنا شريعته الغراء مسلسلة الإسناد ، بديعة النظام، خالصة من شوائب الانقطاع والأوهام، فحازوا بعملهم الحسن المنازل العوالي في دار القرار، ورتعوا في رياض الجنة مع النبيين الأخيار ، وفازوا بالنعيم المقيم ورضوان الله العظيم.
(وبعد) فإن العالم الجليل، والفاضل النبيل الشيخ سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الله بن حمد المشهور بالصنيع، من علماء مكة المكرمة، والمشتغلين فيها بالحديث الشريف وعلومه، كتب إليَّ كتاباً مؤرخاً في السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ست وستين وثلاثمائة وألف، يطلب من هذا العاجز إجازة عامة بجميع مروياتي ومقروآتي، ومسموعاتي ومجازاتي في جميع العلوم، وما لي من المؤلفات والحواشي والتقارير، والتعليقات، إجازة عامة شاملة تامة مطلقة. مع أني لست من هؤلاء الفرسان، ولا ممن جالوا في ذلك الميدان، لكني لم أجد بُداً من تلبيته لطلبه، وإجابته لرغبته ، لما علمته من كمال أهليته وجزيل فضله، وغزير علمه، لما طبعت الجزء الأول من معالم السنن وهو شرح الإمام الخطابي على سنن الإمام أبي داود، وقد قلت فلي المقدمة التي وصفتها: إن لهذه المقدمة النفسية( مقدمة أبي داود) شرحاً للإمام الحافظ أبي طاهر السلفي، لكني لم أعثر عليه ولا أعلم منه نسخة في مكتبة من المكاتب، فاطلع على ذلك الشيخ سليمان الموما إليه، فكتب لي كتاباً مؤرخاً في 3ذي الحجة سنة 1351جاء فيه: إن شرح هذه المقدمة يوجد في مدرسة ديوبند ( السند)، وكتب إلى شيخه العلامة الكبير المحدث الفقيه الشيخ عبيد الله بن الإسلام السندي ثم الدهلوي الديوبندي فتفضل باستنساخها وإرسالها للشيخ سليمان، وهو تفضَّل بإرسالها إلينا مع تعليقات عليها دلت على فضله وعلمه، وقد نشرت المقدمة مع ما عليها من التعليقات في آخر "معالم السنن" وذلك في سنة 1353.
       فأقول وبالله التوفيق: إني قد أجزت الشيخ سليمان بن عبد الرحمن المذكور بجميع مقروآتي ومروياتي ومسموعاتي ، ومؤلفاتي التي زادت بين كبير وصغير على عشرين مؤلفاً إجازة عامة شاملة تامة وخصوصاً بكتابي( الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية) المطبوع سنة 1351هـ ، التي اختصرت فيه ثلاث أثبات لثلاثة من أعلام الشهباء ومحدثيها في القرن الثاني عشر، وقد جمع هذا الكتاب فأوعى لأسانيد الصحاح الستة، وغيرها من كتب الحديث والعلوم والفنون، وحوى لأثبات ومعاجم ومسلسلات لا تُحصى. وذيَّلته بإجازاتي من مشايخي وما سمعته وأُجزت به منهم رحمهم الله تعالى .
       وإني أوصي المجاز المذكور ضاعف الله لي وله الثواب والأجور بما أوصي به نفسي من تقوى الله تعالى في السر والعلانية ،والإخلاص له تعالى في القول والعمل، وأن لا يألوا جهداً في الاهتمام بأمر المسلمين والسعي في خدمة دينه وأمته وبلاده، ونشر دعوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة .
       وأُوصيه أن لا ينساني من دعواته الصالحة في الأوقات الرابحة عند الكعبة المعظمة، وعند غيرها من الأماكن المقدسة.
       وإني أسأل الله تعالى أن يهديه إلى ما يحب ويرضى، ويجعله من المقتدين بسنته، القائمين بشريعته، ويوفقه لكل عمل مبرور وسعي مشكور.
       وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبي ونعم الوكيل
قاله بفمه وكتبه بقلمه
خادم السنة النبوية بمدينة حلب
محمد راغب الطباخ
عفى الله عنه
في العشرين من شهر شوال سنة 1366.
*     *     *
خلاصة ترجمتي
وإجابة لطلب الشيخ سليمان، ختم الله بالحسنى وكمال الإيمان، أكتب له خلاصة ترجمتي التي وضعتها لنفسي أسوة بكثير من المتقدمين الذين ترجموا أنفسهم كالحافظين الجليلين السخاوي والسيوطي.
وأما ترجمة الأستاذ محمد راغب الطباخ لنفسه التي كتبها استجابة للشيخ سليمان الصنيع ، فسنوردها في ركن التراجم في التجديد القادم بعون الله تعالى .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين