نحو داعية رباني (1)

نبيل جلهوم

ماذا نقصد بالربّاني؟
الربَّاني بإيجازٍ هو: من تَوخَّى وجْهَ ورضا ربِّه في كل خطراته وسكناته وحركاتِه، فأصبح يتكلَّم بكلام الله، ويعمل لِنَيل رضا مولاه، فاجتهدَ في طاعته وعبادته، ووصل إلى مرحلةٍ أقرب من غيره إلى ربِّه قُرْبًا منه وتقرُّبًا، وعلمًا به وتوصُّلاً، وحُبًّا له، وأكثر تعلقًا بذكر ربِّه، وحمده وتلاوة كتابه، والاهتمام برسالة سمائه.
 
فأصبح للإسلام عاشقًا، ولله وبالله مُتّصِلاً وموصولاً، فصار مع الربِّ لا يقدر أن يبتعد عنه، فتقرَّب منه الربُّ تقرُّبًا قويًّا؛ ليصبح - جلَّ وعلا - محبًّا له موصولاً معه، وله يسعى ويتحرَّك، ويُبلِّغ مبتغِيًا رضاه ومثوبته.
 
لماذا الداعية؟
الدَّاعية هو: حجَر الزَّاوية في تبصير الناس بالإسلام العظيم المعتدل؛ للأخذ بأيديهم بسلامٍ نحو جنَّات النعيم.
 
الداعية هو: من شرَّفَه الله بالاختيار والاصطفاء، بأنْ علَّمَه بعلمه، وسخَّرَه لدينه والدعوةِ إليه.
الداعية هو: من اختاره الله ووَكَل إليه مهمَّة عظيمة، هي مهمَّة الأنبياء والمرسلين؛ البلاغ.
الداعية هو: مَن له عند الله شأنٌ عظيم، فهو من ورَثِة الأنبياء.
الداعية هو: من جعله الله على ثغرةٍ عظيمة من ثغور الإسلام، فلا يختار الله لدعوته إلاَّ أهْلَها والجديرين بها.
الداعية هو: مَن إذا تأثَّر بما يدعو له وبه هو أوَّلاً، لكان أكثر تأثيرًا فيمن يدعوهم؛ فهو دائمًا ذو أثرٍ، وأعماله لها المردود التَّربوي والرُّوحي في نفوس الناس.
 الداعية هو: من الأُمَّة التي قال الله عنها: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
 الداعية هو: صمام الأمان للنَّاس من الزعزعة والقلاقل، ومُضِلاَّت الفِتَن، وبواعث الخلاف.
 الداعية هو: زيت المصباح الذي يُضيء للأمَّة ظلمةَ المفاهيم، واعوجاج القيم، وشذوذَ الأفكار وسطحيتها.
 الداعية هو: أداة النَّجاة، وسبيل الهداية، ورمز الإسلام والحضارة، ومحضن الفقه والعلم في الدِّين.
 الداعية هو: ما يريده الإسلام أن يكون وسطيًّا معتدلاً في دعوته، غير مُنفِّرٍ للناس في دينهم، ولا متشدِّدًا.
 الداعية هو: من يريده الإسلام أن يكون مصدرًا للأمن والأمان، كما هو في العلم والإيمان، داعيًا الناس إلى العمل المُنتِج الحسَن، البنَّاء المثمر، النافع له وللناس والأوطان، وعدم التجريح والإساءة، ودعوة الناس لحبِّ الله وحبِّ الأوطان.
 • (لهذا وغيره؛ حَرِيٌّ به أن يكون ربانيًّا، وعلى قدر مهمَّته وعِظَم مسؤوليته أمام الله وأمام الناس).
• (ربانية الداعية.. نِقاطٌ على حُرُوف).
 الداعية الرباني.. كُلُّهُ لله:
فهو يجبُّ أن يقصد - بقولِه وعمله ومقالِه وبرامجه وتنقُّلِه - وجْهَ الله، وابتغاء رضاه، وحسن مثوبته؛ من غير نظرٍ إلى مغنَم، أو مظهر، أو جاه، أو لقَب، أو تقدُّم أو تأخُّر، أو تصَدُّر للمجالس، وبذلك يكون مخلصًا متجرِّدًا لفكرة الإسلام الصحيحة وعقيدة السماء الخالدة.
ليس بصاحب مطمعٍ ولا هوَى نفْسٍ، ولا شهوةِ شُهرة، ولا مُحبًّا للصِّيت، ولا يَعرف الكِبْر والعُجْب.
ويجب أن يتوخَّى دائمًا قولَ اللهِ الخالدَ: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162 - 163]، ويجب عليه أن يُكْثِر من دعاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم إنَّا نعوذُ بك أن نُشْرِكَ بك شيئًا نَعْلَمه، ونستغفِرُك لما لا نَعلمه))، وأن يتذكَّر دائمًا أنَّ الأعمال بالخواتيم، وأنَّه لا ينفعه من عمله كداعيةٍ إلاَّ ما كان خالصًا لله، مجردًّا له وصادقًا.
 • وإلى لقاء في الجزء الثاني - إن شاء الله
المصدر: موقع الألوكة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين