كلمات في الوسطية ـ 1 ـ

الشيخ : مجد مكي

هذه كلماتٌ كتبتها في فترات زمنية تتصل بالوسطية ، ومنها خطبة قديمة ، خطبتها في جامع السلام بحلب ، و استفدت فيها من كتاب شيخنا مجدِّد الوسطية العلامة يوسف القرضاوي: (الخصائص العامة للإسلام)، ومنها ما استفدته مما كتبه شيخنا العلامة المفسِّر عبد الرحمن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى في كتابه (بصائر للمسلم المعاصر)، وقد وجدت هذه الأوراق ، التي جدّد طباعتها وأحياها أخي الكريم طارق عبد الحميد قباوة، فقمت بمراجعة ما طبع منها ، وجعلتها في عدَّة حلقات ، وأسأل المولى سبحانه أن ينفع بها.
ـ 1 ـ
معاني الوسطية
خصائص الوسطية
من خصائص الإسلام أنه دين وسط ، ومن صفة هذه الأمة أنها أمة وسط.
يقول الله تعالى مخاطباً أمة الإسلام :[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143}  .
ولقد كان من حكمة الله تعالى أن اختار الوسطية شعاراً مميّزاً لهذه الأمة التي هي آخر الأمم ، ولهذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات ، وبعث بها خاتم أنبيائه رسولاً للناس جميعاً ، ورحمة للعالمين.
فقد يجوز في رسالة مرحلية محدودةٍ الزمن أن تعالج بعض التطرف بتطرفٍ مثله ، فإذا كان هناك غلوٌّ في النزعة المادية ، قوبلت بغلو معاكس في النزعة الروحية ، كما نرى ذلك في الديانة اليهودية والمسيحية ، فإذا أدت الدعوة المرحلية دورها الموقوت ، وحدَّت من الغلو ولو بغلوٍّ مثله : كان لابد من العودة إلى الحد الوسط ، وإلى الصراط السوي ... وهذا ما جاءت به رسالة الإسلام .
إن الوسطية تميزُ منهج الإسلام ، وأمة الإسلام ، وتجعلها أهلاً للسيادة والخلود...
الوسطية هي العدل:
ومن معاني الوسطية التي وصفت بها الأمة المسلمة في الآية الكريمة : العدل.
وتفسير الآية بالعدل مرويٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد (10646)، والبخاري (3091) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَّر الوسط هنا : بالعدل.
والعدل : توسط بين أطرافٍ متنازعة دون مَيْل أو تحيُّز إلى أحدها بحيث يُعطى كلٌّ منها حقه دون بخسٍ ولا شطط.
الوسطية هي الاستقامة:
ومن معاني الوسطية أيضاً : الاستقامة ، استقامة المنهج ، والبعد عن الميل والانحراف : فالصِّراط المستقيم هو الطريق السوي الواقع وسط الطرق الجائرة الزائفة عن السبيل.
ومن هنا علَّم الإسلامُ المسلمَ أن يسأل الله الهدايةَ للصراط المستقيم في كل يوم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة ، هي عدد ركعات الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة ... وذلك حين يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته فيقول داعياً ربه[اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7) ]. {الفاتحة}. .
وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم للمغضوب عليهم باليهود ، وبالضالِّين بالنصارى ، الذين يمثِّلون الإفراط والتفريط ، والغلو والتقصير في كثير من الأمور والقضايا واليهود قتلوا الأنبياء ، والنصارى ألهوهم ، واليهود أسرفوا في التحريم ، والنصارى أسرفوا في الإباحة ، واليهود تطرفوا في الجانب المادي ، والنصارى تطرفوا في إلغائه .
فالإسلام يعلم المسلم أن يحذر من تطرف كلا الفريقين، وأن يلتزم المنهج الوسط ، والصِّراط المستقيم ، الذي سار عليه من رضي الله عنهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
الوسطية مركز القوة:
ومن معاني الوسطية أيضاً : أنها دليل القوة ، فالوسط هو مركز القوة ، ألا تَرَوْنَ الشباب الذي يمثِّل مرحلة القوة وسطاً بين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة!! والشمس في وسط النهار أقوى منها في أول النهار وآخره؟!!.
وإذا كان للوسطية كلُّ هذه المزايا ، فلا غرابة أن تتجلَّى واضحةً في كل جوانب الإسلام.
 فالإسلام وسط في الاعتقاد والتصوُّر .. وسط في التعبُّد والتنسك... وسط في الأخلاق والآداب ... وسط في التشريع والنظام.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين