أوراق تركها شهيد لأخيه الأكبر قبل أن يقتل في مظاهرة احتجاج

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
آآآآآآآآآآآآآآآآه ،آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ،آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ياأخي ،آآآآآآآآآآآآآآآآآه ملء السموات والأرض ،آه من الظلم ،آه من الذل ،آه من الخوف ،آه من التهديد والوعيد ،آه من الركض وراء لقمة العيش في مجتمع لا يقدر الإخلاص والأمانة ،آه من الأحلام المصادرة ،آه من الآمال المخنوقة ،آه من غد لانعرف عنه إلا أنه سيكون أسوأ من اليوم والأمس ،آه من الخبث والنفاق وهو يحاصر كل شريف ، آه من العهر وهو يدخل كل حي وكل بيت ، إلا ما رحم ربي،ويفرض على كثير من النساء والأبناء فرضا دون رحمة أو عفة ، آه من حياة يحكمها هؤلاء السفلة الذين خبرناهم أربعين عاما فلم تلح خلالها بارقة أمل أو بصيص رجاء يمكن أن يبشر بالإصلاح ، أوإعطاء كل ذي حق حقه.
لكم تمنيت ياأخي أن ألفظ نفسي الأخير ورأسي على كتفك ،ولساني يلهج أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وعيناي تنظران إلى عينيك ،وأنت أليفي وسندي في الاحتجاج على الظلم الفرعوني المتأله ،ولهذا كتبت لك هذه الكلمات لعلها توقظ فيك ماتمنيت أن أوقظه فيك في حياتي ،لتكون مكاني في الشارع تعلن احتجاجك على القهر ،حيث لا ينبغي أن ينقص عدد المحتجين ، وإن كنا سنبقى في ميدان الاحتجاج ، ولو بقي منا شخص واحد.
شاء الله- عزوجل- أن نكون أخوين ،من أب واحد وأم واحدة ،ونشأنا في بيت واحد، وفي ظلال تنشئة واحدة ،إلا أننا لم نتشابه في يوم من الأيام في شيء ،ماعدا الشبه الجسدي الذي ورثناه عن أبينا رحمه الله ،كنت الطفل الهادئ ، وكنت أنت المشاكس ،وكنت الفتى الجاد، وكنت أنت العابث ،وكنت الشاب الملتزم ، وكنت أنت اللاهي ،درست وتخرجت من الجامعة ، وتركت أنت المدرسة في المرحلة الإعدادية ،لتنتقل من عمل إلى عمل ،ومن مهنة إلى أخرى ،وشاء الله عزوجل أن يرزقك بفلهويتك أكثر من رزقي بجدي وسعيي ،ماحسدتك يوما ياأخي ! ولست الآن في موضع من يفكر في الدنيا كلها ، إنما هي آخر كلمات لي قد تقرأها إن فزت بالشهادة والجنة .
لعل رزقك الواسع ونجاتك بفضل الله من ظلمهم وشراستهم عندما يطبقان على المرء دون سبب أحيانا فلا يعرف مصيره ،كانا سببا في سلبيتك واشتغالك بأمور حياتك وبسيارة الأجرة التي تعيش عليها في الآونة الأخيرة ،كان رأيك دائما أن الأمور (ماشية )، وأننا مخطئون في احتجاجنا على الظلم ،وأننا نتسبب في قطع أرزاق الناس ،وأننا سبب في الغلاء والبلاء ،وأن الله شاء أن يحكم فينا هؤلاء ،فماعلينا إلا أن نرضى بمشيئته- سبحانه وتعالى- وكم راق لك حديث مشايخ السلطان عندما راحوا يبدعون في الدفاع عن النظام ، ويرون أننا مارقون خارجون على الحاكم، نثير الفتن ونفتح أبواب البلد لاستعمار جديد ،ولكن تعال معي ياأخي لأذكرك بمواقف عشتها أنت وعشناها معا أحيانا تظهر لك أنك كنت مخطئا فيما تدعيه ،ووالله ماكنت أجرؤ أن أكلمك بهذه اللهجة في حياتي للسنوات التي تفصل بيننا ،ولكنني اليوم- باذن الله- أنا بشهادتي أكبر منك ، فاسمعها من أخيك كلمات ثم ارمها وراء ظهرك إن شئت، فالفجر قادم- إن شاء الله- شئت أم أبيت ، فسارع إلى أن يكون لك شرف صانعيه وأجرهم !!.
أتذكر منذ حوالي السنتين وفي ليلة رمضانية كنا نشاهد في التلفاز مسلسلا شاميا يصور حياة الشام منذ حوالي السبعين عاما ،كنت جالسا وإلى جانبك زوجتك وأمك ،وكنت منشغلا بعمل على جهاز الكمبيوتر ،عين تتابع معكم والأخرى تتابع العمل ،يومها انتهت الحلقة بموقف شهم من (الشوام ) القدامى والذين يمثلون كل أهل سوريا ،رأيت يومها دمعتك تسقط على خدك ،ثم تنفست الصعداء وقلت :موحرام يحكم هالأوادم شوية .............؟
من لسانك أدينك وأبدأ معك حوارا أرجو ألا يزعجك ،فأنت ترى أننا كأناس بقيمهم وعاداتهم ودينهم وشهامتهم أكبر من أن يسود علينا أمثال هؤلاء ممن بلغوا من الخسة مالا يمكن تصوره ،لقد أعزنا الله بالإسلام دينا وقيما وسلوكا وعادات ،وبارك الله لنا في شامنا ، وهذا من فضله وكرمه ،والبركة هذه في ظني إنما هي في أخلاق أهلها وتراحمهم ،وفي نبلهم وشهامتهم ،وفي كثرة الصالحين الأتقياء فيهم ،في ورع التاجر واتقان الصانع ومهارة العامل وإخلاص العالم ،هذه هي البركة التي بارك الله بها الشام ،والتي من بها على أهلها ،وعندما يأتي من يفسد كل هذا فيخرب الأخلاق وينزع بالفقر والحاجة الرحمة من قلوب الناس ،وينشر العهر والفساد ،فتصبح التجارة شطارة وشراكة مع الشياطين، ولا يتقن الصانع ولا العامل عملا يشعر أنه لا يأخذ مقابلا مجزيا له فضلا عن الذل الذي يلقاه من رؤسائه ،ويطارد العلماء المخلصين أويقتلهم فلا يبقى إلا المداهنون من بائعي ضمائرهم وعلومهم،أو الخائفون الوجلون الذين لا يطيقون مواجهة الأخطار ،مع هذا كله لا يبقى للشام بركة، لأن الأمر ليس تعويذة سحرية ولا هدية هابطة من السماء دون عمل ،عجبت ياأخي من ذلك الذي كنا نظن فيه خيرا من علمائنا وهو يقول من فوق المنبر ويضرب على صدره :نحن أهل الشام التي بارك الله فيها ،نحن أهل الشام خيرة الله في أرضه ،وهو يقصد نفسه والنظام الذي يدافع عنه بعدما فعل مافعل ،الأرض لا تطهر أحدا ولا تبارك أحدا ،الطهارة والبركة في العمل والعدل والإخلاص مع التيسير من رب العزة ،وربما كان لأهل الشام بشرى من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أنه سيكون منهم وفيهم العلماء والشهداء والمخلصون ،أما شامنا هذه الأيام فلا بركة فيها ولا لها ، إلا ما رحم الله تعالى ، وعلينا نحن أن نعيدها لتستحق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نعيد لها وجهها الخاشع الذي ينبض صلاحا وتقوى ،وجه المعاهد العلمية التي تفتخر بها الشام ، وقد فرغت أو كادت تفرغ من مضامينها ، وحوصرت أفظع حصار !! فإن الله- تعالى- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
أنت نفسك ياأخي خير شاهد على شام هذه الأيام ،باعتبارك سائق سيارة أجرة تخالط الناس كل يوم ويخالطونك ،الشرطة التي يفترض أنها تسير أمور المرور مرتزقة لأسيادهم ، يعتاشون على تعبك وعرق جبينك وجهود أمثالك ،ورجال الأمن هم رجال خوف ورعب وهلع زرعوه في قلب الصغير والكبير ،الوزراء مجرد منفذين لأوامر العائلة الحاكمة وأهوائها ،ونواب الشعب مجرد مصفقين يجيدون كل أنواع الرقص والدبكة والهتافات حتى إنك أنت نفسك أطلقت عليهم اسم فرقة (حسب الله)،أتذكر ذلك الرجل الكهل الذي ركب معك في السيارة قريبا من واحد من فروع الأمن (الرعب) المنتشرة في كل مكان في بلدنا،بالكاد استطعت أن تفهم منه أنه اعتقل عندهم منذ أكثر من عشرين عاما ،كان ينظر إلى الشوارع والناس كأنه يراهم لأول مرة ،لم يساعده مارآه خلال هذه الأعوام العشرين على أن يقول لك الكثير ،سوى أنه خسر من وزنه مايقارب الثلاثين كيلو غراما ،وأنه عندما دخل لم يكن يحمل فوق رأسه كل هذا الشعر الأبيض ،وأنه أخذ لمجرد أن زميلا له كان له به صلة ، وكان ذا توجه لا يرضى عنه النظام، وهو يقسم الأيمان- وكم أقسم أمامهم خلال عشرين عاما- أنه لم يكن على علم بذلك ،كان لا يعرف إلى أين يذهب ؟ وبمن يبدأ؟ كان خائفا هلعا مما قد يفاجأ به من أخبار في أسرته ،لأن هذا الذي نسميه (النظام ) وهو أبعد مايكون عن النظام ، كان ومايزال لا يتورع عن مساومة الأهل حتى على أعراض بناتهم ،وكان ومايزال لا يؤاخذ بالجريرة صاحبها فقط-إن اعتبرناها جريرة – بل يؤاخذ الأسرة بكاملها لا يفرق بين شاب وكهل ،امرأة أو طفل،أب أو أم أو عم ، أهناك جاهلية أشرس من هذه الجاهلية ، واستميح عذرا من الجاهلية الأولى ، إذ هي براء من كثير مما يما يمارس اليوم!
كانت أمك وماتزال أطال الله في عمرها ترغبك عن عمل الليل ،من كثرة ما كنت ترويه من قصص عن ليل الشام الذي يدعي مشايخ السلطان أنها وهي على هذه الحال أرض مباركة ،كنت تقول لها :(مشوار واحد في الليل قد عمل النهار كله )،بغايا وزبائنهم يبحثون عن سيارة تقلهم بأي سعر خوفا من الفضيحة ،حشاشون يتساندون ويريدون سيارة تقلهم قبل أن يلقى القبض عليهم ،لصوص وقطاع طرق يبحثون عن أول سيارة تؤمن لهم مهربهم ، كانت أمك وماتزال تقول لك :الله يغنينا عن لقمة الحرام ،وكنت تقول لها :أنا مجرد سائق ،وهل علي أن أسأل كل من يركب معي من هو والى أين هو ذاهب،طريقتك هذه في الرد ومناقشة أمك هي نفس طريقة النظام باعلامه ومشايخه وهو يريد أن يقتحم الجرائم ثم يبرئ نفسه منها ، أنت تنقل بغيا وتقول ماأدراني من هي وهل علي أن أسألها ؟ والنظام يرى الملايين تحتج في الشوارع ثم يقول ما أدراني لعل هؤلاء مندسين تحركهم أيد خارجية ،ياأخي ...ألا تعرف أن اللحم الذي يربى بالحرام مأواه النار ؟ فان لم ترحم نفسك ارحم زوجتك وأولادك ،ووالله ان لله غيرة لا يقدر عليها أحد ،وغيرة الله في أن تنتهك محارمه.
أخي الحبيب ،هذه كلمات أريد أن أوقظ بها ضميرك الحي لتكون جزءا من قدر الله في التغيير ، لا تظن أن رب العزة ينتظرك وأمثالك ليفعل مايريد ،لينتقم لكل المقتولين والمسجونين والمظلومين والمسحوقين ،ليعيد للشام بركتها ولأهلها عزتهم ولعلمائها مكانتهم وكبريائهم فوق كل أهل الدنيا لأنها ظل من ظلال كبرياء الله ،ألم تر يد الله عزوجل وهي ترتب الأحداث وردود الأفعال واستجرار الظلمة الى مزيد من العمى و الفتك بالناس حتى تحول احتجاج العشرات الى ثورة ملايين ،سارع لتكون من جند الله قبل أن تفوت الفرصة ويضيع منك شرف وأجر صنع الغد السوي الصحيح ، تخاف من الموت ؟ والله اني كنت أكثر خوفا منك ،ولكني سلمت أمري لله وطلبت منه أن يختار لي الخير ،وأن ينفث في من القوة ماأستطيع معه ألا أقصر ،ثم نزلت الشارع ،نزلته في بادئ الأمر مترددا والخوف يدفعني الى الوراء ،ولكن الله أعانني على نفسي ربما لأنني طلبتها منه بصدق ، وعندما وصلت الى المتظاهرين أصابتني عدوى الشجاعة والجرأة والاقدام بفضل الله ،واذا بالذي كنت أتهيب منه يذوب ويتلاشى فأتنفس هواء العزة والكرامة للمرة الأولى في حياتي ، العزة والكرامة التي من الله تعالى بها على بني آدم ثم جاءت حثالة من أراذل خلقه لتحرمنا منها ،تنفست هواء العزة عندما بدأت أصرخ :ارحل ارحل ياجبان ،ارحل ارحل يافاجر،ارحل ارحل ياعدو الله ،ارحل ارحل يا سارق الملايين، وهكذا اجتزت العقبة وصرت –كما آمل من ربي – سيفا من سيوف الله تعالى ،بحنجرتي ويدي التي تلوح بالرحيل.
وأعود اليك يا أخي الحبيب ،أعجبني فيك وأنت من أبعد الناس عن العلم والتعليم ،عن الثقافة والفكر،وهذا ليس عيبا فلله سننه في اختلاف الناس وقدراتهم ،أنك رحت تتحدث في الآونة الأخيرة عن المؤامرة التي تحاك ضد سوريا ،وعن مؤامرة تقسيم سوريا الى دويلات طائفية ،وعن أحلاف هنا وهناك تريد للنظام أن يرحل حتى تحقق مآربها ،كلام يقوله النظام واعلامه الكذاب ومشايخه العميان وتصدقونه لأنه يبرر كسلكم وجبنكم ،يا أخي ألست شاهدا على الظلم الذي سحق الملايين منذ أربعين عاما ؟ هل أمورنا بخير ولا ينقصنا الا تنفيذ مؤامرات تحاك لنا من بعيد؟ هل نعيش أعزاء ولا ينقصنا الا التآمر مع الغرب والشرق لتقسيم البلاد ؟كم مرة نقلت معك في سيارتك ركابا من أمام قصر العدل بعد أن صار قصر ظلم وافتراء ورشاو وهم يبكون بعد أن انتزعت حقوقهم منهم بيد قاض باع ضميره بمال أو بأمن يرجوه لأولاده ويخاف من الخصم عليهم ؟أين المؤامرات عندما دكت الدبابات أبواب الجامع الأموي في الستينيات ودخلت الى صحن الجامع لتعتقل بضعة معتصمين أكثرهم أطفال وفتيان ؟ من يومها كان على الشعب ونحن منهم أن يذكر مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأسود)،أين المؤامرات عندما انتزعت الأراضي والمصانع من أصحابها لتسلم لموظفين جهلة قضوا على الصناعة السورية التي كنا نفاخر بها ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود )،أين المؤامرات عندما يكون أول المسحوقين العمال والفلاحين في بلد يقال أنها ذات ثورة قامت للعمال والفلاحين ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود ) ،أين المؤمرات عندما اضطهد أهل حماة من الستينات الى السبعينات حتى تفجروا غيظا وألما فسحقت مدينة بأكملها وقتل الناس بعشرات الآلاف في يوم واحد ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود )،أين المؤمرات عندما لوحق المتدينون وأغلقت المساجد وانتزع الحجاب من فوق رؤوس نسائنا ثم بدأوا بالغاء المعاهد الشرعية وهندسة تهم لأصحابها ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود )،أين المؤمرات عندما قتل كل من في سجن تدمر بساعات بدم بارد نجس وبنفس سادية مريضة ؟(أكلت يوم أكل اليوم الأسود )،أين المؤمرات عندما تصبح اللحية أو الصلاة مع الجماعة مثار شبهات واتهامات ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود)،أين المؤمرات عندما تصير النكتة جريمة أمن دولة والآه يعاقب عليها القانون ؟(أكلت يوم أكل الثور الأسود )،أليس هذا كله قد شهدناه بأعيننا وشهدنا أضعافه أم أننا رأيناه على القنوات المغرضة من الجزيرة وسواها ؟!!
أما عن تقسيم البلاد الى دويلات طائفية فاعلم ياأخي أن السوريين بأطيافهم تعايشوا بمودة وحب وتراحم منذ مئات السنين ،وأن الجميع قد عومل تحت مظلة قانون واحد، فان شذ واحد أو فئة وخرج عن المألوف المشترك بين كل الطوائف نالته العقوبة لشذوذه لا لطائفته ،والعلويون أنفسهم عاشوا في سوريا منذ أيام سيف الدولة الحمداني ،فلم يمسوا يوما لعلويتهم ،وانما اؤوخذ بعضهم عندما شذ فادعى الألوهية أو تعامل مع عدو خارجي كما اؤوخذ غيرهم ،واعلم ياأخي أن أكثر العلويين اليوم مضطهدون فقراء لا يشربون ماءا نظيفا ولا يأكلون طعاما طيبا، بل لا يستخدمون مجار صحية سليمة ،ومن أبناء الطائفة العلوية مثقفون ومبدعون تعنز بهم سوريا كلها ،فمن يريد أن يلعب بورقة الطائفية هو النظام نفسه بعد أن أفلس في وجه مد الاحتجاجات فلم يعد أمامه الا أن يقول لطائفته وجودكم من وجودي ،وبقاؤكم ببقائي ،وهم أعلم الناس بكذبه وخداعه.
نحن السوريون- مسلمين ومسيحيين وشيعة ودروزا وإسماعيلية وعلوية- مشكلتنا اليوم مع عائلة تريد أن تسرق يومنا وغد أطفالنا ،فليرحل صاحبنا الألثغ مع عصابته السافلة ولير كيف سنعيش جميعا بألف خير.
إنهم عائلة طالب فيها الجد المستعمر الفرنسي ألا يغادر سوريا حتى لا يفعل السوريون بهم كما فعل هتلر باليهود ،وباع فيها الأب الجولان مع كرامة السوريين والعرب ثم سمي بكل صفاقة (بطل الجولان)،وها هو الحفيد يسير على سنة أبيه وجده قيقطع على نفسه العهود عندما نصب رئيسا بالاصلاح والتغيير ويصدق الشعب السوري الطيب فتمر عشر سنوات عجفاء لا يلمس فيها أي تغيير الا من قبيل الضحك على الذقون والاستخفاف بعقول الناس.
واعلم ياأخي أن أمثال هؤلاء المجرمين يروج لهم بين الناس أنهم من أطيب خلق الله ،ولكن البطانة التي من حولهم هي صاحبة الشرور والفساد ،وقد سمعنا هذا على ألسنة كثيرين من أصحاب القلوب الطيبة ،ولكن ماذا نفعل بالرجل الصالح – جدلا - وهو أضعف من أن يعرف كل شيء عن شعبه ويسير الأمور بمافيه الخير له، شاءت بطانته الخبيثة أم أبت.
 
أما قصة الأحلاف الخارجية ،فاعلم ياأخي أن النظام نفسه جزء من حلف شيطاني خارجي لا يعرف أطرافه ولكن يمكن تلمسهم ،فالنظام الذي يجعل من نفسه حارسا على بوابة اسرائيل ثلاثين عاما ،والنظام الوحيد الذي كان قادرا على فك الرهائن الايرانيين في لبنان من يد المختطفين شرقوا أم غربوا ،والنظام الذي يستطيع تعطيل وتحييد عشرين مليون شخصا عن معركة البناء والتنمية واسترداد الحقوق المغتصبة، نظام يتصرف بترتيب مع الخارج ،وان كان هناك اليوم من يميل الى اقصاء هؤلاء السفلة فلنفد منهم ثم اعلم أن الناس لن يرضوا أن يزاح فرعون ليحل فرعون آخر.
أما قصة الخروج على الحاكم فمتى بايعنا هؤلاء الأنذال حتى نخرج عمن بايعناه ،ألم ينقضوا على الحكم بانقلاب عسكري لم يراع حرمة ولا رأيا لشعب أولحزب أو لفرد ،ثم من هو الحاكم الذي لا يخرج عليه ؟ أليس هو الذي يقيم شرع الله ويعيش لرعيته ؟أم أنه ذاك الذي يجعل من البلاد والعباد مزرعة له ولعائلته المجرمة ؟وهل الوقوف في الشارع دون سلاح والصدر عار مع التكبير هو المقصود بالخروج المذموم على الحاكم في بعض الحالات ؟أم أنه حمل السلاح وتكوين العصابات وماالى ذلك مما لا تجد له مثيلا في اعتراض الناس اليوم على ظلم أربعين سنة .
أما الفتنة والهرج والمرج مما يحلو لبعض مشايخ السلطان أن يذكروه فتلك حالات لا يبين فيها الحق من الباطل ،ولا يعرف فيها المجرم من البريء ،أما الآن فكل شيء ظاهر كنور الشمس ،المجرم يداه تقطران دما سفكه خلال أربعين عاما ،والبرءاء جثث في الشوارع أو في برادات المشافي ،أو معتقلون في السجون ينالون من العذاب ألوانا ،أو مضطهدون يلوكون الحسرات ليل نهار لا سلوان لهم الا في خروج الشباب في الشوارع ليقولوا لمن ظلمهم :ارحل .
قال من كنا نظن فيه خيرا :ان الاعتراض أو الشكوى انما يكون بالذهاب الى الأمير والكلام معه بأدب من يريد الاصلاح لا الافساد،وكأننا اليوم في زمن عمر الفاروق رضي الله عنه حيث كان يجالس الناس وينام تحت ظل شجرة حتى وجده رسول من كسرى على هذه الحال ،فقال له :عدلت فأمنت فنمت ،وكأن صاحبنا ينسى أو يتجاهل أن بين الشعب اليوم وحكامه ألف سور وفرع أمني وأقبية من الجحيم لا ضفاف لها ،فالاعتراض والشكوى لن ولا يكون اليوم الا بالتظاهر ليسمع الناس كل الناس شكوى المظلومين والمحزونين.
أخي الحبيب أتذكر بعض أمسيات الربيع الجميلة عندما كان أبونا رحمه الله يأخذنا في نزهة الى ميسلون على ضفاف دمشق ،كنا أطفالا لا يهمنا الا اللعب بالكرة أو الاختفاء بين أشجار السرو العالية ،ولكن أبي كان يصر على أن نبدأ نزهتنا بزيارة قبر يوسف العظمة وقراءة الفاتحة له ،ثم شرب الماء البارد من نبع هناك كان أبي يقول أنه روي بدم الشهداء ،وفي طريق العودة كان أبي يروي لنا قصة يوسف العظمة في كل نزهة ،كان يعيدها طربا بها ،فعندما قرر الملك فيصل الاستسلام وحل الجيش السوري أمام جحافل الفرنسيين اعترض يوسف وكان وزيرا للحربية وقال لمليكه بيت المتنبي الشهير
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى         حتى يراق على جوانبه الدم
وخرج يوسف العظمة مع مئات من الرجال في مواجهة جيش فرنسا المدجج بأحدث الأسلحة ،لم يكن ذاهبا لينتصر على الفرنسيين –على الأقل ضمن حدود الأسباب الأرضية – ولكنه خرج حتى لا يقال أن دمشق غزيت دون أن يدافع عنها أهلها ،انه الشرف ياأخي وهو الذي افتقدناه أربعين عاما والذي لن يستعاد دون دماء الشهداء ،لقد كان في اصرار أبينا على صحبتنا ونحن أطفال الى ميسلون شبه رسالة أو ايماءة تدعونا الى استعادة شرفنا الذي انتهك أكثر من مرة ،وأنت تعلم أن أبيك مات حسرة على البلاد التي ضيعها هؤلاء المجرمون .
أخي الحبيب ،لن تقرأ هذه الرسالة ان عدت سالما ،ان المهمة اليوم هي في اقتلاع الشجرة الخبيثة التي امتدت جذورها في أعماق شامنا فنشرت العفن والدود في كل تربتها فما عادت تثمر الا خبيثا ،ان المهمة اليوم هي في نزع الملك الظالم الذي لا يراعي حرمة لأحد ،لأن في هذا النزع الخير كله،كما ورد في القرآن الكريم (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيئ قدير )،وأملي أن الله سبحانه وتعالى قد أراد أن ينزع الملك منهم ويذلهم ،وأن يملكنا ويعزنا ،فاختر أحد الفريقين ولا تخش مع الله أحدا .
أخي الحبيب ،أستحلفك بالله ان قرأت هذه الأوراق أن تفكر فيما كتبت جيدا ،وأن تنزل الى الشارع لتكون مكاني ،فاليوم ان تحرك العالم ليحاصر النظام ويقصيه فان هذا قد تم بثمن دفعناه نحن من نزلنا الى الشوارع رغم الرصاص والاعتقال والاهانة والتعذيب ،هذا الثمن لا بد أن يدفع ،وأملي بالله أن أكون من الشهداء ،وأملي فيك وفيمن تقدر عليهم أن تنزلوا الى الشوارع لتسددوا بقية الثمن ،فاما أن تكون شهيدا ونلتقي في جنة الخلد ،واما أن تسلم فيكون لك شرف وأجر صنع الفجر الصادق الحقيقي ،وعندها أوصيك بأمنا وبزوجتي وولدي يعيشون في كنفك وتحت رعايتك وفي ظل عنايتك وتربيتك ،أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه كما أستودع زوجتي وولدي ،واعلم أننا لله وانا اليه راجعون ،ومادامت الرجعة اليه فالى لقاء كريم في جنة الخلد.
ابو عبيدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين