تركيا تسير نحو نهاية العلمانية

رون كوودي

يرى المحلِّلون أنَّ تركيا في الآونة الأخيرة تَسيرُ في طريقِها إلى التَّخلُّصِ من العلمانِيَّة، والرجوعِ إلى الإسلام، وبين أيدينا واحد من المقالات التي كَتَبَها (رون كوودي)، الأستاذ بجامعة (كونكورديا سيمناري) Concordia Seminary اللاهوتية الأمريكية - على موقع (جلوبل بوليتشن) عن تحوُّلِ تركيا في الفترة الأخيرة من العلمانِيَّة تُجَاه الإسلام، والمراحل التي تقطعُها تركيا للخروج من عباءة تركيا أتاتورك العلمانيَّة إلى تركيا الإسلاميَّة.
 
وقد أكَّدَ الكاتبُ في مقالِهِ على أنَّ أُولى هذه المراحلِ هي وصولُ (رجب طيب أردوغان) مُمَثِّلُ حزبِ العدالة والتنمية، ذي الميول الإسلامية، إلى مركز رئيس الوزراء، والذي مهَّد لوصول عبدالله جول إلى منصب الرئاسة لتركيا، ودخول قصر الرئاسة الأتاتوركي بزوجته المحجبة، والذي يُمَثِّلُ حجابها ردًّا على أتاتورك - قبَّحه الله - ودولتِهِ، وفكْرِهِ الذي جَعَلَ من الحجاب رمزًا لجَرِّ الدولة إلى التخلف الحضاريِّ، والتعليميِّ، والتكنولوجيِّ.
 
ثم أشار الكاتبُ إلى ثاني الخطوات الكبرى التي اتَّخذها حزبُ العدالة والتنمية؛ لإنفاذ قوته إلى مدى أبعد، والعمل على تهميش الوجود العلمانيِّ من النظام الحاكم، بالسعي إلى الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المحلية والإقليميَّة في بلدان تركيا.
 
ويشيرُ الكاتبُ على الطرف الآخر إلى تضاؤلِ قُوَى حزب الشعب الجمهوريِّ العلمانيِّ، وانخفاض شعبيَّتِه، وقد برهنتْ الانتخاباتُ والحَمَلاتُ الانتخابية على ذلك الانخفاض أمام قوى حزب العدالة والتنمية المتزايدة، مما يُثير سؤالاً تَصْعُبُ إجابتُه حول مستقبل تركيا على إثْرِ هذه المعادلة بين الاتجاهين.
 
يشيرُ الكاتبُ إلى أن صعوبةَ الإجابة على هذا السؤال، الذي أرهق المحلِّلين السياسيِّين - تَكْمُنُ في اعتراض الملايين من الأتراك العلمانيِّين - خصوصًا من النساء المتبرجات - على قيام حزب الشعب بالسعي لتطبيق الأحكام الإسلاميَّة، فقرابةُ 40% من نساء تركيا لا يَرْتَدِين الحجاب، ويَرَيْن أنَّ أيَّ خُطوةٍ رسميَّةٍ لإجبارهنّ على ارتدائه تُعتبرُ ديكتاتورية، بالإضافة إلى الخوف من تمكين المحجبات من دخول الجامعات، والحصول على الوظائف الحكومية؛ مما يعتبر - من وجهة نظر العلمانيَّات - نوعًا من سلب حرية المتبرجات.
 
ويُعَقِّبُ الكاتب على ذلك قائلاً: إنه لا شكَّ أنه من خلال التغييرات الطارئةِ على الهيكل الاجتماعيِّ، والسياسات الحكومية، ستشهدُ تركيا ازدياد النفوذ الإسلاميِّ في غضون السنوات العشر القادمة.
 
ويؤكِّدُ الكاتبُ على أنَّ كثيرًا من الأحداث تُبَرهِنُ على رغبة تركيا، ليس فقط في إعادة تشكيل الوضع التركيِّ، ولكنْ تبلغُ الرغبة الحثيثة في استعادة المجد العثمانيِّ، وأنَّ ذلك قد ظَهَر جليًّا في موقف (أردوغان) الاستنكاري القويِّ من (شيمون بيريز) الصهيونيِّ، إبَّان الحرب الإجرامية على غزَّة، وكذلك من خلال الوَساطة التركية بين إيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى فتْحِ المجال أمام الجماعات الإسلامية المختلفة التي كانت محظورةً تحت سيادة النظام العلماني.
 
ويَنتقلُ الكاتبُ إلى نقطة أخرى تناول فيها موقفَ الوَلاياتِ المتحدة من تركيا، وسعيها لتحسين العَلاقات، والتغلُّب على الموقف التركيِّ الشعبيِّ السلبيِّ من الولايات المتحدة، والذي تسبَّبتْ فيه الإدارةُ الغابرةُ بقيادة بوش الابن، بينما تعتبر الإدارة الحالية من الإدارات المقبولة لدى الحكومة التركية، ولعلَّ السببَ في ذلك الأصول الإسلامية لأوباما، وموقفُهُ المعلن من العالم الإسلاميِّ، على حسب الخطاب الذي أدلى به، بالإضافة إلى ترحيب تركيا بإحدى زيارات وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون)، والتي لها ذكرياتٌ حسنةٌ عندما زارتْ تركيا مع زوجها (بيل كلينتون) في أثناء فترته الرِّئاسِيَّة، عقب أحد الزلازل التي ضَرَبَتْ تركيا عام 1999، وأودى بحياة الآلاف؛ مما يجعل المناخ مناسبًا لتعاون الدولتين تبعًا لمصالح كل منهما.
 
ويَختمُ الكاتبُ مقالَه بالإشارة إلى أنه إذا استطاع حزبُ التنميةِ والعدالة الحاكم في التغلُّبِ على المشكلة الاقتصادية التركِيَةِ، والتغلُّبِ على البطالة المتزايدة، وممارسة دورِهِ الجيِّدِ، فإنه حينئذٍ سيتَمَكَّنُ من الاحتفاظ بالحكم والسيادة.
المصدر : شبكة الألوكة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين