آه وآه من الظلم... ويا فجيعتي بالساكتين عنه

الأستاذ أسامة فاضل الخراط

أحدثكم الله يا أحرار ويا مظلومين، عن كلمة غيَّرت وستظل تغير مصير الأمم، كلمة جاءت لمحاربتها رسالات سماوية، وأُبدعت من أجل الوقاية منها تشريعات وقوانين أرضية، وتوافقت على محو آثارها حضارات وأمم، كلمة قاسية في طبعها، ولكنه يتعاطف معها كل إنسان، ما زالت تجري في عروقه بعض الإنسانية والحرية، وهذه الكلمة حذرت منها الكتب السماوية مرات ومرات، والقرآن ذكرها بكل جذورها مائتين وتسع وثمانين مرة.
 
هذه الكلمة هي "الظلم" وما يشتق منها من ظَلَم ويظلِم وظالم... ومئات من أشكال الظلم، وكلها تؤدي إلى الظُلمة واختفاء الضياء من حولها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظلم ظلمات يوم القيامة" متفق عليه.
 
والظلم قبل أن يكون ظلمات يوم القيامة هو في الدنيا مثل الليل واضح وبيِّن للناس، والظلم هو اشتقاق من نفس الكلمة التي تعني الظلام. فالظلم ظلام، وأشد أنواع الظُلمة هي ظلمة القلب، لأنها تمنع من رؤية الحق والحقيقة.
 
ومما نعانيه اليوم من أشكال الظلم الظاهر، ما يسيل من كذب يردده أبواق الظالمين، وقد وصفه سبحانه بقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)، أي تبديل الحق باطلا والباطل حقا، وهذا ما يفعله الظلمة اليوم حين يصفون الشعوب الثائرة بأنهم مجرد خونة ومندسون يجوز قتلهم والتنكيل بهم، ولكن من ناحية أخرى ربما يكون هذا هو الأمر المتوقع من مثل هؤلاء المجرمون.
 
ولكن الأشد على نفوسنا منهم، هم أخوتنا وأهلنا ممن سكت عن الظالم، وشهد أنه على حق، قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ( وهؤلاء يخاطبهم الله بقوله:(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). فيا أيها الساكت عن الظلم أنت تظلم نفسك قبل أن تكون ظالما للناس، لقد ظلمتني وظلمت نفسك بتخليك عن قيمك ومبادئك، وعن أهم فضيلة في الشرائع وهي العدل. إن ظلم النفس يحوِّل الإنسان إلى آثم خائف مكروه من الناس.
 
وإياك أن تبرر لنفسك وتقول أن هذا الظلم هو من قدر الله. فأنت موهوم فالله لا يظلم أحدا. ولذلك يستعمل في حقه صيغة المبالغة، قال تعالى: (وَمَا رَبُّكُ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ)، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)، (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ). الله هو المقسط، والقائم بالقسط، وهذا من صفاته والتي يجب على المؤمن أن يتمثل بها.
 
والله تعالى لا يرضى أن يُخاطب الظالمين أو يشفع لهم أحد، فاحرص أن لا تكون ممن غضب الله عليهم، قال تعالى: (وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا)، لأن الظلم كفر به وإنكار لشريعته، وتحول من الإنسانية إلى الحيوانية. واعلم أن ظلمك هذا أو سكوتك عن الظالم وموالاته، يجعلك مثله قال تعالى: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ( وتيقن أن سكوتك عن الظلم سيكون طريقا لوصول الظلم إليك وإلى أهلك، فالدنيا دَيْن ووفاء، قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ)، وساعتها تأكد أنه لن يكون لك معين ولا ناصر لرد الظلم عنك، قال تعالى: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(.
 
وقد يقول لنا بعض الخائفين والمترددين: لماذا خرجتم للشوارع والميادين تنادون بحقكم ورفع الظلم اهتموا بأنفسكم وارجعوا، فنقول لهم: هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه ... والله خرجنا لمصلحتنا ومصلحة بلادنا، فقتل الأولاد والنساء ظلم، وتعذيب الشباب حتى الموت ظلم، وتهجير الناس من بيوتهم وإهلاك مالهم ظلم. وهذا الظلم إيذان بخراب العمران (كما قال ابن خلدون من قبل)، لأن الظلم ضعف والقوة هي فقط في العدل، فلا يمكن لظالم أن يخدعنا ويدعي أنه يقاوم المتسلطين أو ينصر المظلومين فهو ضعيف بظلمه لشعبه.
 
وأخيرا الظلم ريح عاتية تهب على الناس فلا تُبقي ولا تذر، قال تعالى يصف بيوت الظالمين: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا). وتأكدوا أن مصير الظالم معروف قال تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)، (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا). (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا). فكم هلكت شعوب وأقوام بالظلم لأن الظلم يجر الظلم ويدخل الناس في دوامة وهلاك، وهذا هو قانون التاريخ تندثر الأمم بالظلم وتبقى بالعدل. والظلم مهما طال سينقلب على الظالمين، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). وهذا فرعون مصر الماضي والحاضر قد أهلكه الله وصحبه، قال تعالى: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).
 
وإياكم يا أخوتي أن تخافوا من الظلم فهو باطل وضعيف ويمكن مواجهته، قال تعالى: (إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)، ويجب علينا اليوم جميعا أن نواجه الظالمين بالقول والفعل، بالجهر والسر، كلٌّ على حسب قدرته، قال تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ)، والساكت عن الحق شيطان أخرس، فكونوا مع أهل الحق والعدل فهؤلاء هم المؤمنون حقا.... (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين