لقاء مع الدكتور الشيخ إبراهيم السلقيني حول الشباب المسلم والمشكلات المعاصرة

 

 لقاء مع الدكتور الشيخ ابراهيم السلقيني حول " الشباب المسلم ..والمشكلات المعاصرة " الاستعمار الثقافي..وهو الأخطر..حجب الإسلام عن الشباب "
 
أجرى اللقاء: وحيد تاجا
 يتكون أي مجتمع في العالم من عدة شرائح تمثل الأطفال, الفتيان, الشباب والكهول. ولا شك أن أهم هذه الشرائح شريحة الشباب..فمن أين جاءت هذه الأهمية ..
ولا يعقل أن الإسلام قد اغفل دور الشباب في بناء المجتمع و الأمة وبالتالي كيف نلمح عناية الإسلام بهذه الشريحة؟
ومن ناحية أخرى ما هي المشكلات الحقيقية التي يعيشها شبابنا العربي المسلم في هذا العصر وما تفسير الحيرة التي يعانيها الشباب إزاء التحديات الأجنبية للثقافة الإسلامية أو التراث الإسلامي ككل؟ وهل للجانب الصناعي و الإنتاج الكبير تأثير أو انعكاس على القيم الإنسانية في المجتمع الإسلامي بحيث يتسرب هذا الثر الى الشباب فيؤثر على أخلاقهم و سلوكهم على النحو التي منيت به المجتمعات الغربية اثر الثورة الصناعية؟ وبالتالي هل لدى الإسلام من الحلول الجدية التي تزيل المعوقات أمام الشباب في كفاحهم لبناء مستقبلهم بما يحفظ حقوقهم الكاملة ويوفق في الوقت نفسه بين الحقوق الفردية وحقوق الشباب بأكمله ليسير على وفاق مما يؤدي الى خلق مجتمع متوازن مزدهر..؟بمعنى هل في الإسلام حقوق و تشريعات تحفظ حق الشعب بآسره وليس الشباب فقط؟..
هذه التساؤلات شكلت محور اللقاء مع الشيخ الدكتور ابراهيم السلقيني مفتي مدينة حلب .
ويذكر ان د. السلقيني من مواليد حلب 1934، من عائلة دينية عريقة،يحمل دكتوراه في الشريعة الإسلامية من الكلية الأزهرية بمرتبة الشرف الأولى ، درس التربية الدينية في ثانويات حلب و أصول الفقه في كليات الشريعة في جامعتي دمشق وحلب وعدة جامعات في المملكة العربية السعودية ، وهو عضو سابق في مجلس الشعب السوري وتم تعيينه في عام 2005 مفتياً لحلب .
 
*يتكون أي مجتمع في العالم من عدة شرائح تمثل الأطفال, الفتيان, الشباب والكهول. ولا شك أن أهم هذه الشرائح شريحة الشباب..فمن أين جاءت هذه الأهمية؟
**في الواقع ان مرحلة الشباب هي اغني مرحلة للإنسان في حياته باعتبار ان اكتمال الطاقة و اكتمال القدرات للكائن الإنساني إنما تكون في مرحلة الشباب ولهذا نجد ن ان هذه الطاقة التي اكتملت في مرحلة الشباب يجب ان نوجهها في الطريق الذي يبني و لا يهدم ويصون و لا يبدد حتى تكون هذه الحيوية وهذه الطاقة و هذه القدرات تسير في طريق بناء الأمة وخصوصا في جانبها الروحي و جانبها الإنتاجي المادي وهذا باعتبار ان القدرة و الطاقة التي أوجدها الله عز و جل في هذا الإنسان لكي توجه في طريقها الذي خلقت من اجله.
* :وكيف نلمح عناية الإسلام بالشباب أولا ..ثم ما هي حقوق الشباب التي تعتبر ممارستها امتداد للشخصية الفردية للشباب العربي المسلم و تعتبر في الوقت نفسه مجالا واقعيا لتحقيق شخصيته العاملة و ذاتيته إبان الممارسة؟
لاشك ان الشريعة الإسلامية أولت الاهتمام الأكبر وبذلك نجد نصوصا صريحة موجهة الى الشباب بشكل خاص قبل غيرهم باعتبار ان هذه المرحلة هي مرحلة العطاء ومرحلة العمل الجاد المفيد .
ومن هنا ندرك أيضا أن الشريعة الإسلامية التي أولت الإنسان الاهتمام والعناية في كل مراحله طفلا,فتى,شابا,كهلا و شيخا أولت الشباب الاهتمام الكبير لمالهم من دوارهم في هذه الحياة 0والواقع ان الشريعة الإسلامية حينما أكدت على الاهتمام بأمر الشباب إنما أكدت لما لهم_كما قلت_ من اثر فعال في هذه الحياة .
طبعا جاء لفظ الشباب كثيرا في النصوص وكما ليس على سبيل الحصر الرسولصلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالناحية الاسروية وهي الخلية الأولى في بناء صرح المجتمع وجه حديث للشباب:(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء) وهنا يبين الرسولصلى الله عليه وسلمان هذه الاندفاعات الغرائزية تكون في الشباب أكثر من غيرهم.وعليهم ان يصونوا هذه الطاقة في الطريق التي و جدت من اجله وهو تكوين الأسرة الصالحة في حال تعذر ذلك ووجود العوائق أمام هذا الإنسان وجهته الشرعية الى العبادة التي كان لنا مثال عليها الرسولصلى الله عليه وسلم وهي الصوم لان الصوم يربط الإنسان بربه عز و جل كبقية العبادات من جهة ولأنه يخفف من منابع الغريزة و اندفاعاتها.
كما إننا نلحظ أيضا ان الدعوة الإسلامية قامت في بنائها الأول أيضا على الشباب لذلك نجد مثلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلميؤمر على الجيش أسامة بن زيد وفي الجيش أشخاص مثل أبو بكر و سيدنا عمر مع ما هم عليه من مكانة و باع.
فالإسلام يولي _كما قلت_الشباب الأهمية الكبيرة المتميزة لما لهم من دور في هذه الحياة.
ومما يدل أيضا على العناية الكبيرة للإسلام بالشباب ما نجد من أوامر تربوية في حديث الرسولصلى الله عليه وسلم في تربية الناشئة باعتبار ان الشباب هي المرحلة اللاحقة لمرحلة الطفولة و الفتوة.لذلك نجد ان الإسلام اهتم اهتمام كبيا جدا بتنشئة الشباب تنشئة صالحة صحيحة لذلك نجد الرسولصلى الله عليه وسلم يقول: (وألزموا أولادكم و أحسنوا أدبهم و الأولاد هم شباب المستقبل)  
وأيضا يقول عليه السلام( أدبوا أولادكم على ثلاثة خصال حب نبيكم و حب أهل بيته و قراءة القران) أيضا أمرنا الإسلام ان تتعهد الفطرة التي وجدت فيهم بان نمتن العقيدة الصحيحة وبذلك يقول((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه)) أيضا يبين عليه السلام اثر البيئة بالنسبة للشباب فان كانت بيئة صالحة فتأثيرها صالح وان كانت بيئة فاسدة فتأثيرها فاسد لذلك يضرب لنا ذلك المثل الرائع في التشبيه والتمثيل فيقول ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير فبائع المسك اما ان يحاذيك دائما يبتاع منه وإما ان تجد منه ريحا طيبة,ونافخ الكير إما ان يحرق ثيابك وأم ان تجد منه رائحة نتنة)) كل هذه النصوص تدل دلالة صريحة واضحة على مدى الاهتمام بالناشئة الذين هم شباب المستقبل.
* : ماهي المشكلات الحقيقية التي يعيشها شبابنا العربي المسلم في هذا العصر في تصوركم , وما تفسير الحيرة التي يعانيها هؤلاء الشباب إزاء التحديات الأجنبية للثقافة السلامية والتراث الإسلامي ككل ؟
**في الواقع ان المشكلة التي ننها شبابنا وهي اخطر مشكلة هي الفراغ الفكري والروحي اولا, وايضا حجبه عن الثقافة السلامية وبالتالي عن حقائق الإسلام من ناحية ثانية . في الواقع البلاد العربية السلامية عانت من الحروب الصليبية في الماضي ومن الاستعمار في العصر الاخير , والاستعمار العسكري كان اضعف ضررا و أهون شرا واقل خطرا رغم سوئه,خطره,شره وضرره من الاستعمار الفكري والاستعمار الثقافي حيث انه عمل على حجب هذا الجيل عن الثقافة الإسلامية وعن الحقائق الإسلامية وطبعا من جهل شيئا عاداه. فنشأ نتيجة ذلك جيل ضائع نسي تاريخه,تراثه,ذاتيته و حقيقته وربما أيضا ما يعادي هذا التراث وهذا التاريخ وهذه القيم جهلا او تجاهلا.لذلك فان المشكلة الأولى هي البعد او الجهل او حجب الشباب عن إسلامه وفراغه فكريا و عقائديا.
أيضا من المشكلات المطروحة.. المشكلة المادية والتي قدتكون في بعض الأقطار او الجهات أكثر تأثيرا منها في قطر اخر ولكنها مشكلة موجودة ومؤثرة ولها دورها و خطرها و انعكاساتها على الشباب.   
لكن ما أريد ان أوضحه هنا ان المشكلة المادية نفسها هي نتاج للمشكلة المحورية في نظري كما قلت وهو الغزو الأجنبي وليس هذا بعلاقة نريد ان نرمي عليها بكل شيء ولكن الذي أريد ان أؤكد عليه هو ان ضعف الوازع الداخلي لدى الناشئة بما فيهم الشباب و بما فيهم الشرائح الكبرى في مجتمعنا هو الانقطاع و انعدام الوازع الداخلي وخواء الفكر و انعدام الرقابة الداخلية و خواء الروح..و العقيدة..هو الذي أدى الى هذا الانحراف في تجمع المادة و انحسارها في جهة واحدة في عدم و جود التوازن المادي لدى شرائح المجتمع المختلفة.
ولا شك ان نظرة الإسلام و الشريعة الإسلامية هي ان الإنسان الذي كرمه الله عز و جل حيثما قال:((ولقد كرمنا بني ادم))هذا التكريم لا يكون ان لم يكن هناك مسكن يأوي و يستقر به الإنسان اذا لم يكن ه كساء يرمم جسده فإذا لم تتحقق هذه الأمور لا يمكن ان تتحقق كرامة الإنسان وذلك ان الإسلام لا ينكر هذه الناحية و خطرها وانعكاساتها انما الموضوع هو موضوع تسلسل المشكلات.
أقول ان المشكلات المادية تاتي في المرتبة الثانية ولكن هذا لا ينفي أثرها و خطرها لان الإنسان جسد و روح وليس روحا فقط بل وجسد له متطلبات واذا لم تؤمن هذه المتطلبات سوف تنعكس على فكره و سلوكه و علمه و على فاعليته و تحركاته.
وفي الواقع قد يكون اثر المشكلة المادية الان اكبر كما يبدو لي و تأثيرها واضح، وباعتقادي رغم ان التقدم الصناعي او التقدم المادي لم يعط اثر لإسعاد الإنسان كما يجب ان يكون بسبب انحسار الجانب الروحي و الجانب التوجيهي التربوي ولكن رغم ذلك..رغم ان الجانب الفكري و الروحي و المعنوي هو الأهم إنما لا يزال هناك مشكلة مادية يجب ان تكون موضع نظر و عناية وبحث عن سبل معالجتها.
والاية الكريمة صريحة في هذا المعنى:((وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا و حسن كما احسن الله إليك)) الروح و المادة و كأنهما كفتي ميزان ولا يمكن ان تطف واحدة على حساب الأخرى.
* : هل لدى الإسلام من حلول جدية تزيل المعوقات أمام الشباب في كفاحهم لبناء مستقبلهم بما يحفظ حقوقهم كاملة و يوفق في الوقت نفسه بين الحقوق الفردية و حقوق الشباب بأكمله ليسير على وفاق مما يؤدي الى خلق مجتمع متوازن ومزدهر؟
لا شك ان الشريعة الإسلامية غنية بالنصوص وقد طبقت هذه لحقائق عمليا و ليس مجرد مبادئ نظرية طرحت بشكل نظري فقط.اولا بما يخص ما تفضل به الأخوة حول المشكلة المادية فالنص القرآني يقول:(ان المال في المجتمع المسلم او في الشريعة الاسلامية لا يجوز ابدا ان ينحصر في طبقة او فئة منحسرا عن فئة و طبقة أخرى ايضا)) ينظر الإسلام الى المجتمع على انه جسم واحد يجب ان يتامن في كل خلاياه حاجات هذه الخلية لذلك يقول عليه السلام:(ولله لا يؤمن من بات شبعانا و جاره الى جانبه جائع و هو يعلم) هذه النظرة لا نجدها في أي نظام اخر حتى في النظام الشيوعي ذاته اذ نجد التفاوت بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة واضحا و صريحا بينما في ظل الإسلام نجد التوازن الكامل وعن نظام الزكاة(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها) الإسلام جعل المال متوازنا بين شرائح المجتمع وبالتالي لا يوجد مشكلة مادية فالإسلام حلها من جذورها. ايضا فيما يتعلق بالجنب الفكري او الروحي فالإسلام ركز كثيرا على الجانب الروحي و الفكري النفسي حينما امر بتركيز العقيدة الإسلامية في النفس هذه العقيدة ليست سبيل الخنوع وترك العمل كما يتصور بعض أعداء الإسلام و الجاهلين بحقيقة الإسلام بالعكس فان هذه العقيدة اولا طريق للاندفاع الكامل الى العمل و بذل الطاقات لان الإنسان يشعر حينما يعمل انه يركن الى ركن شديد يستمد منه العون من قوة هائلة لا نهاية لها.فهذا العون و تلك العقيدة تعطيه شحنات هائلة في اندفاعه للعمل و اضا إتقانه له لأنه يشعر ان في ذلك رضي الله عز و جل وليس لمكاسب او غايات شخصية وكذلك يخفف عنه الصدمات فعندما تعترضه عوائق فانه لا ييأس بل بالعكس تزيده قوة و تصميما و استقرارا. أشبه هذا الأيمان بواقي الصدمات تشعره بالطمأنينة مهما كانت الصدمة قاسية وشديدة تلك التي تدفع الآخرين للانتحار و تدفع المؤمن الى زيادة عطائه و عمله..اذا الإسلام حل الناحية الفكرية و النفسية. أيضا مشكلة المراهقين و المشكلة الجنسية الغريزية حلها الإسلام حلا جذريا بان أزال العوائق و العقبات التي تمنع أو تعيق طريق الزواج حينما قال عليه الصلاة و السلام(التمس و لو خاتما من حديد بما معك من القران)فلا يوجد من العوائق التي ابتدعتها الأعراف و التقاليد البالية التي قامت على الرياء على حب التزين و المظاهر الإسلام لا يقبل بهذا.
بالنسبة للشباب أيضا حرم الإسلام كل ما هو مثير لغرائزه مثلا امر بالحشمة و الحجاب كل هذا ليخفف من من إثارة الشباب أيضا حض على الزواج المبكر ويسر سبل الزواج و أسبابه. كل هذه الأمور تؤكد ان الإسلام وضع الحلول الجذرية لهذه المشكلات في ظل الإسلامي و التطبيق الإسلامي الصحيح طبعا و ليس العادات التي طغت على الإسلام فتطبيق الإسلام الصحيح كفيل باستئصال كل هذه المشكلات من جذورها و وضع الحلول التي تسعد الإنسان ككل ومن باب أولى الشباب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين