لماذا الشعب السوري بين أنياب الدب ونيران التنين؟

خالد هنداوي

يتحدث الناس والسوريون خاصة عن موقف مجلس الأمن الدولي إثر استعمال روسيا والصين حق النقض يوم الثلاثاء الماضي ضد تبني مشروع يدين القمع الوحشي الذي يمارسه النظام السوري ليل نهار بحق المتظاهرين العزل والمدنيين بوجه عام في كل موقع وموضع من البلاد، وكأن من يتابع المشهد السوري ويتعجب من الموقف الحزين ضد هذا الشعب المصابر لم يقرأ تاريخ هاتين الدو...لتين حيال حقوق الإنسان، وخاصة المسلمين قديما وحديثا لأنه إذا عرف السبب بطل العجب، ولذلك فإن هذا القرار المزدوج إن دل على شيء فإنما يدل على ضيق الفطن، وإذا كنا قد فهمنا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن آلة السياسة سعة الصدر فإنهما لم يفهماها إلا على طريقة نيقولا ميكيافيلي الذي يعتبره الكثيرون مؤسس علم السياسة الحديث، حيث إنه أكد أن السياسة عارية الصدر فلا أخلاق فيها إلا حيث تكون المصلحة وإن قامت على الظلم والقهر وحكمت بالحديد والنار، وقتلت وجرحت ونفت ملايين الأبرياء إذ عندها يكون السلطان من خير السلاطين لا من شرهم كما كان يقول الشيخ محمد عبده فالمهم المهم البقاء في الحكم وإرهاب البشرية بالطغيان والانتقام الذي هو عدالة الهمجيين فما جاء من موقف الدب الروسي والتنين الصيني ليس غريبا والتاريخ أصدق شاهد لمن يتفكر وهما وسورية الأسد معهما لم يعرف لها أي صفحة بيضاء في مجال حقوق البشر في الحقبة الحديثة والمعاصرة.
فإذا ما اطلعنا على غيض من فيض مجازر الشيوعية بعد نجاح الثورة الماركسية البلشفية في روسيا ضد المسلمين رأينا كيف كان نفاق هؤلاء الشيوعيين باستمالة هؤلاء المسلمين الذين يعدون بالملايين إلى جانبهم وإثارتهم ضد الحكم القيصري الذي كان يضطهدهم ويعتدي على حرماتهم وهكذا خدع التتر والقرغيز والتركمان والشيشان بما وعدوا به من الحرية في العقيدة والعيش الرغيد ومساواتهم حقوقيا بالشعب الروسي فما الذي حدث بعد ذلك لما تمكن الشيوعيون؟
لقد قلبوا للمسلمين ظهر المجن وأعملوا جيشهم الأحمر بهم قتلا وتشريدا من إبادات جماعية إلى نفي من الأوطان إلى سيبريا، ففي عام 1934م، قتلوا من التركستانيين مائة ألف مسلم وخاصة العلماء والمثقفين والتجار ومن عام 1932-1934م، مات ثلاثة ملايين منهم جوعا نتيجة استيلاء الروس على محاصيل البلاد وتقديمها إلى الصينيين الذين أدخلوهم إلى تركستان، وكم من مئات الآلاف هربوا إلى الهند والشرق الأدنى ثم نفوا مؤخرا أربعين ألف مسلم إلى أوكرانيا ليفقدوا وطنهم ويذوبوا في الآخرين، فإذا ما جئت إلى جمهورية القرم وجدت كيف أبادوا ونفوا مئات الآلاف إلى سيبريا وكم هدموا من المساجد وحولوا بعضها إلى دور للهو وفي تركستان وحدها فعلوا ذلك بـ"6682" مسجدا وخاصة في بخارى وطشقند وأقفلوا من المدارس التاريخية والكتاتيب 7052 ثم هدموا في زغرب الجامع الكبير وأغلقوا في سراييفو بالبوسنة الأكاديمية الإسلامية العليا وقد رأيت بعيني كثيرا من المساجد التي حولت إلى مباءات للفجور أو مسارح للهو في عموم البوسنة أثناء زيارتي لأعمال خيرية لتلك البلاد أيام الحرب 1994 ناهيك عن قتل العلماء والقضاة والمفتين والزعماء السياسيين المسلمين حيث تمت تصفيتهم وكذلك كل من عارض سياسة ماركس ولينين وستالين وكل ذلك إلى جانب نهب وسلب الثروات وتقطيع أوصال المسلمين، ثم هل ننسى ما فعلوا بأفغانستان من المآسي وكذلك الشيشان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وكيف كان خبراؤهم الروس يتعاونون مع بعض الحكومات العربية كسوريا في عهد حافظ الأسد على سحق أي حركة تهب للحرية والكرامة وحقوق الإنسان وإن أنسى لا أنسى حين وقف رفعة الأسد شقيق حافظ وقد كان قائدا لما يسمى آنذاك سرايا الدفاع يخطب أمام المؤتمر القطري السابع لحزب البعث في دمشق بتاريخ 6/1/1980م، ويقول: (إن استالين قضى على عشرة ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية ولم يضع في حسابه إلا شيئا واحدا فقط هو التعصب للحزب الشيوعي ونظريته)، فالأمم التي تريد أن تبقى تحتاج إلى رجل متعصب أو إلى حزب أو نظرية متعصبة فما أشبه الليلة بالبارحة، لقد قتل رفعة بأمر حافظ ومساعدة الخبراء الروس في حماة بعد ذلك خمسة وأربعين ألفا وهدموا ثلثي المدينة، أفنعجب لمن ورثوا نيرون العصر فقام اليوم بشار وماهر بذبح الشعب في مجازر رهيبة فكانا سرا لآبائهم وأعمامهم وهم يفرحون بزهوة النصر على شعوبهم وتذهب مستشارة بشار د. بثينة شعبان لاعتبار اليوم الذي وقفت فيه روسيا والصين ضد تبني قرار إدانة النظام يوما تاريخيا، فهؤلاء رضعوا من لبن الخداع والنفاق والغدر...
إذا كان الطباع طباع سوء
فلا لبن يفيد ولا حليب
إن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي سابقا ولكن مع ذلك إذا كان الوضع الاعتباري لموسكو يؤهلها أن ترفع صوتها بالنقض في مجلس الأمن فإن ذلك لا ينتصب مبررا أمام دول تنتهك المواثيق والأعراف الدولية وخاصة بانتهاك حقوق المدنيين لتستمر في قمعها متدثرة بالعباءة الروسية التي انتزعت مخالب دبها الوديع كما يقول الأستاذ محمد الأشهب، ونقول لسلطتنا المقاومة الممانعة كذبا وزورا لم تغضون الطرف عن إقامة الاتحاد السوفييتي العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتزويده لها باليهود الشرقيين، إنها المصالح وحدها التي تحكم تصرفات روسيا وسوريا معا وليس الأخلاق والمبادئ ومنطق التاريخ والعدل، لقد امتهنت روسيا وظيفة التخريب واللعب على المكشوف ولو أنها وافقت في المجلس على إدانة القمع في سوريا لجنبت البلاد هذه الأنهار من الدماء ولكنها لأنها تعرف أنها لا تحاسب وللحفاظ على مصالحها المادية فإنها تنظر إلينا بعيون الضبع الذي يعيش على الجيف العربية أو الغربية فمتى حازت غيرت رأيها، والمثال الليبي أوضح مثال على ذلك إن مصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية والسياسية هي التي تقف وراء مساندة النظام السوري وليس مصلحة الصداقة والفكر الهدام وحدهما ان استثماراتها في سورية تبلغ 19.4 مليار دولار تتركز على التسلح والطاقة والسياحة ومع أن الديون المترتبة على دمشق بلغت 13.4 مليار دولار إلا أن موسكو ألغت معظمها، أهكذا يحدث لسواد عيون سورية أم لأننا نعرف أن إيران سددت أكثرها وموسكو تستفيد من سورية بالخدمات البحرية في مدينة طرطوس الساحلية وقاعدتها، ولدى زيارته إلى سوريا لم يخف الرئيس ميدفيديف العلاقة مع رامي مخلوف للإفادة الاقتصادية كما نشرت ذلك صحيفة الوطن التابعة لمخلوف. إن روسيا اليوم كأنها في سكرات الموت ولا تملك إلا حق النقض هذا ولذلك تجد في البحث عن الغنائم.
أما بالنسبة إلى الصين التي احتلت تركستان الشرقية التي تبلغ مساحتها ثلاثة أرباع فرنسا فإنها سيطرت عليها لما تخزنه من النفط حيث يصل إلى 8 مليارات طن وكذلك الفحم الحجري وأجود أنواع اليورانيوم وهكذا تنقل خيرات تركستان إلى الصين. هذه البلاد الشاسعة التي دخلها الإسلام في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وارتقت في عهد عبدالملك بن مروان على يد الفاتح قتيبة بن مسلم الباهلي ولكن الاضطهاد الصيني منذ عام 1760 كان قتل من المسلمين مليونا وأتلف كتب اللغة العربية ثم أغلقت آلاف المساجد ولما ثار المسلمون عام 1931م، ضد الاحتلال الصيني استعان الصينيون بالروس لإخماد الثورة وأعدم بعدها 360 ألف مسلم وقامت سياسة التهجير ثم الاستيطان حيث استوطن 7 ملايين في تركستان ولم يتحرك العالم ولا مجلس الأمن والأمم المتحدة ولا ننسى في تاريخ الصين أنها انضمت إلى روسيا حين حذرتا الغرب من التدخل في حرب البوسنة حيث ذبح المسلمون، وما يزال الاستبداد الصيني يقمع المسلمين ونحن نريد منهم أن يرفعوا الظلم عن الايجور ولو لم ينفصلوا بدولة مستقلة لهم كما أن الصين إذ تقف ضد إرادة الشعب السوري اليوم وتنحاز إلى الجلاد ضد الضحية فإنها تدلل على أي التزام بالمبادئ وإنما تسعى دوما وراء مصالحها التجارية التي لا تهدرها وهي إذ تقف في مجلس الأمن بسلاح النقض إنما تفعل لتحافظ على استثماراتها في سورية بمليارات الدولارات في القطاعين الخاص والعام وماذا تجني إذا أيدت الثورة السورية وخسرت النظام وفوائدها منه، لا شك أنها نظرة قاصرة من دولة عظمى يجب أن تربط مصالحها بالشعب لا بالمجرمين الذاهبين، ونحن لابد أن نبين في نهاية المطاف أننا ضد أي استخدام لحق النقض في مجلس الأمن لنصرة الظالم على المظلوم كما هو الحال أيضا في أمريكا التي تقف دوما بهذا الحق المجحف أمام قضية فلسطين المحورية، أما الذين فرحوا بموقف روسيا والصين ضد الأحرار فسيذهبون لسياستهم الفاسدة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين