برمجة التغيير في رمضان - النصائح الست للتغير الناجح
بَرْمجَةُ التَّغْيِيْرِ في رَمَضَان
 
          بعد فَنّ "القيادة" لن تجد موضوعًا نال اهتمام الخبراء الإداريين مثل "التغيير". وقد أُفْرِد في مؤلفات مستقلة؛ مثل "إيجاد التغيير الإستراتيجي" لِباسمور، و"التغيير الحاسم" لأوتول، و"قادة التغيير الحقيقي" لكاتزانباخ، و"قيادة التغيير" لكوتر. وقد جمع كثيرًا من الأفكار والفوائد الواردة في هذه الكتب الإنكليزية وغيرها د. طارق سويدان في كتابه "منهجية التغيير في المنظمات" ط/ دار ابن حزم، دَرس فيه لماذا يقاوم الأفرادُ وأعضاءُ الفريقِ التغييرَ؟
أسباب مُقاومة التغيير:
1. تَوَقُّعُ النتائج السلبية                                  2. الخوف من زيادة العمل والمسؤوليات
3. الاستسلام للعادات السابقة                          4. ضَعف الاتصال بين القيادة والأفراد
5. عدم الانسجام بين الأفراد والتغيير                             6. تمرُّد الأفراد على ما يُفرض بالقوة...
وأكثر هذه الأسباب يمكن أن تُعمَّم على أسباب مقاومة التغيير في أي موضوع آخر غير المؤسسات الوظيفية كالصفوف والأُسَر.
وأكثر ما يهمنا فيما يتعلق برمضان في هذا المقال هو: كيف نستفيد من نصائح الإداريين لتغيير أنفسنا وأُسَرِنا في شهر رمضان؟
النَّصَائحُ السِّتُّ للتَّغْيير النَّاجح هي توفير:
1. القَنَاعَة بالحاجَة إلى التَّغْييْر: وقد يكون من أهم أسباب عدم استفادتنا من رمضان هو أننا لا نكتشف أخطاءَنا وتقصيرَنا حتى نغيِّرَها!ورغم أنه من البديهي الواضح أن كل واحد منا فيه عيوب سلبية، وأنه يمكنه أن يتحسّن ويتطوَّر دائمًا - رغم ذلك فإن الغرور الشخصي لن يسمح لنا بالتعرف إلى سلبياتنا بسهولة، فلا بد من "جَلْسَة مُصَارَحَة" ذاتية يقوِّم المُسْلم فيها نفسه على ضوء هَدَفه من الحياة؛ أينَ هو من صفات "المؤمنين" التي وردتْ في أول 11 آية من "سورة المؤمنون"؟ ومن صفات "عباد الرحمن" التي وردت في خواتيم "سورة الفرقان: 63-77"؟ أو "شُعَب الإيمان"؟ ويمكنه أيضًا طلب النصيحة ممن يَمْلك أسراره مثل الزوج والإخوة.  
2. الأهْدَاف الوَاضحَة الذَّاتيّة: بعد جلسةِ التقويم والتعرف إلى جوانب النقص تأتي الخطوة الثانية بكتابة "لائحة أهداف رمضان لعام 1429هـ" مثلاً. ولا بد في تلك الأهداف أن تكون:
أ. على ضوء حاجة الفرد الشخصية وبناءً على الإنجازات السابقة.
ب. طَموحةً تُحْدث نُقلة حقيقية (لا جزئية وشكلية).
ج. واقعيةً لا تبلغ المثاليات الخيالية (على ضوء ظروفه).
د. دقيقةً واضحة قابلة لقياس الأداء والتقويم.
وبناءً على هذه الضوابط فمَن كان لا يصلي إلا الجمعة يمكن أن يكون هدفه: (المحافظة على الصلوات الخمس). ومن كان محافظًا عليها في بيته يمكن أن يهدف إلى: (أداء الفجر والعصر والعشاء جماعة في المسجد) مثلاً بحسب طبيعة عمله وظروفه. ومَن كان محافظًا على الصلوات في المسجد يمكن أن يلتزم بالضحى وركعتين من قيام الليل...
وهكذا يُراعَى الواقع والظروف مع نوع من الطموح أيضاً في بقية الأهداف حول: تلاوة القرآن، الحفظ والمراجعة، الحِلم والصبر وضبط النفس، الصدقة اليومية، النصيحة والدعوة إلى الله، دروس العلم، التراويح 8 أو 20 ركعة، اعتكاف لَيْلِيّ أو لأيام كاملة، زيارة الأقارب أو الاتصال بهم، تعلم أحكام الصيام...
ويمكن استغلال رمضان لتحقيق بعض الأهداف الأخرى؛ كالتخلص من مرض الكذب أو الظلم أو التدخين... وكوضع خطة متكاملة لارتداء الحجاب (التحضيرات النفسية، البيئة والصحبة، تحديد موعد الإنجاز، التكريم والتشجيع...)، وكإخراج زكاتك وتشجيع 3 مثلاً على أن يخرجوها (يمكنك الاستفادة من نموذج "لائحة أهداف رمضان").
3. التَّقْويْم المُبَكِّر للنَّتَائج: وهو يكون على ضوء لائحة الأهداف، ومن أحسن الوسائل: جَعْل الأهداف عند سريرك مثلاً ليتم مراجعتها مرة واحدة في اليوم إما صباحًا أو قبل النوم، وإن كانت لائحة عامة للأسرة فتجعل قرب مائدة الإفطار، أو تُعَلَّق قربَ المرآة...
ومن المهم جدًّا عند هذا التقويم المبكِّر: التركيز على الإنجازات والإيجابيات وإجراء المكافآت عليها لنفسك أو لأفراد أسرتك. والمكافآت لا تنحصر في الماديات والأموال، فقد تكون كلمةُ "أحسنت، أنتَِ تتقدَّم/ تتقدمين بسرعة، بارك الله فيكَِ" -لنفسه أو لغيره- أو بمجرد استشعار الفرح والسعادة بهذا النجاح و"مَنْ سَرَّتْه حسَنتُهُ، وساءتْهُ سَيِّئَتُه فهو مُؤمن" كما روى الطبراني عن النبي محمد r.
وليس معنى ذلك الوقوع في العُجب أو التغافُل عن التقصير، بل الإيجابيةُ والبعدُ عن اليأس والإحباط.
4. العَمَل مَعَ فَريْق فَعَّال: ويمكن توفير ذلك على أكثر مِن شكل؛
أ. بأن يتولى الأب إدارة "فريق الأسرة" فيعقد اجتماعًا أولاً لمناقشة أصل الفكرة ووضع الأهداف المشتركة باقتراحات الجميع بحيث يحس الجميع أنه شارك في صُنع القرار، بل أنه جزء منه. ولا شك بأن هذا سيُثْري بتلاقح الأفكار وليس له عوارض جانبيةٌ مُضرة ما دام على رأس الفريق "مُدير ناجح" يسدِّد ويقارِبْ. ثم يمكن أن تقسَّم المهمات، وتوزَّع الملفات: أمين السر، مسؤول التكريم والمكافآت، مُتابِع جداول القرآن، صلة الرحم... ويتم عقد لقاء أسبوعي عام لتلاوة ودعاء جماعي وللتقويم.
ب. وقد يتألف الفريق من أصدقاء الدراسة أو العمل أو الدعوة؛ فيتولى الإدارةَ أحدُهم أو الشيخ المرشد، و"يَدُ الله على الجماعة" كما روى الترمذي عن رسول الله r.
5. الاتِّصَال والتَّوَاصُلُ المُسْتَمرّ: من الصعب إنجاز التغيير "الكامل" الناجح قبل الاقتناع به ولا يمكن الاقتناع بشيء قبل فَهْمه، ولا يمكن فَهْمه قَبْل حصول التواصل الشفهي أو المكتوب (عبر الحواس)! وهنا تظهر أهمية التواصلِ وتبليغِ المعلومات بكلّ وضوح وشفافية.
ولمّا كان الإنسان كثيرَ النسيان وتتجاذبه الميول والمشاعر والأشغال والضغوط وخاصة في هذا الزمان: كان لا بد من التواصل المستمر؛ للتأكد من وضوح الفكرة، ولإعادة التحفيز، فالترغيب والترهيب مَنهج قرآني مَتين، ?وذَكِّرْ فإنَّ الذِّكرَى تَنفعُ المؤمنينَ?!
6. التَّغييْر الكَبيْر الشَّامل: ربما تتعجب أو تتعجبين من هذه النصيحة السادسة! فكثيرون يرون أن التغيير الجزئي هو الأنجح، ولكن كثيراً من القرائن والمؤشرات تدعم أن التغيير يزيد تأثيره إذا كان جذريًّا شاملاً. حتى أنك لا تستطيع أن تقف على الطريق الصحيح للتغيير إلا عندما تقنع "المعنيين بالتغيير" بأن عدم التغيير يشكِّل أزمة رهيبة وخَطرًا مُرْعبًا. وهكذا كان رسول الله r يؤسس للتغيير مِن منطلقات أساسية هي: التوحيد الخالص بدل الشرك، والخضوع المطلق طاعة لله بدل المعصية، وإلا فالنار الموقدة بدل جنة عَرضُها السماواتُ والأرض، والشقاء بَدَل السعادة! وهكذا فإذا لم نقتنع أن استمرارنا على التخلفِ والمعصيةِ والتخاذلِ يزيد من انهيارنا وذُلِّنا فلن نُسْتَفَزَّ لتحمُّل مسؤولية التغيير الجادّ، ولن تَزيدَنا "فوازير" رمضان وأمثالُ تلك البرامج إلا ثقافة هابطة و?إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغيِّروا ما بِأَنفُسِهم?.
وإن رمضان أنسب موسم لذلك حيث تنقطع العادات و"الروتين" فكل شيء يتغير: مواعيد النوم والاستيقاظ والأكل والعمل حتى النفسيات على ضوء تغيُّرات غيبية في العوالِم العُلْوية والسُّفلية؛ حيث تتفتح أبواب الجنة وتُغَلَّقُ أبواب النيران وتُقيَّد وتصفَّد الشياطين.
 
أيها القارئ: هل بعد كل هذا يمر علينا رمضان دون أن ننتفع منه؟ وكيف تصير أحوالنا بعد 10 سنين لو خططنا للتحسُّن وحققنا بضعة إنجازات في كل رمضان؟ أَعِدْ برمجةَ حياتك، وارْتقِ بنفسك، وتخلَّصْ من السلبيات، وطوِّرْ أُسْرَتَك وتطوَّر. خطِّطْ ونفِّذْ وغيِّرْ وتَغَيَّر تكن من السعداء في الدنيا، المنعَّمين في الآخرة. وتيقَّن أن هذا الإصلاح ممكِن، واستَعِن بالله ولا تعجز.  
المنتدى للتعريف بالإسلام والحوار بين الثقافات ـ جمعية الإتحاد الإسلامي بيروت ـ  

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين