ماضون حتى النصر بإذن الله تعالى

 بسم الله الرحمن الرحيم

د/ محمد ياسر المسدي
 

في صباح كل يوم ينشق يسألني أصحابي سواء في العمل ، أو في المسجد ، أو في الحيِّ فيقولون ما أخبار أهلك ، و أقاربك في سوريا ؟ َطمْئِنا عنهم ، إنْ شاء الله لم ينلهم أذى الجزارين و المجرمين من الشبيحة و الأمن في سوريا ، فأقول لهم :كلُّ الشهداء ، و كلُّ الجرحى ، و كلُّ المعتقلين ، و كُلُّ الثوار الذين خرجو يهتفون للحرية و الكرامة متحدين آلات القمع و البطش و التنكيل هم أهلي و أقاربي ، و بعضي ، وآمل أن يقبلوا نسبتي إليهم لأن نقطة الدم التي تسيل من أحدهم لا تعادل مداد الأقلام التي نكتب بها ، ولا الخُطب التي نلقيها ، ولا الأموال التي نقدمها ، و لكن عزاؤنا و نحن نسمع أخبارهم ، و نُكِْبر صمودهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لإخوانه الذين كانوا معه في إحدى الغزوات    ( إن أقواماً خلفنا بالمدينة ماسلكنا شِعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر) وفي رواية              ( إلا شركوكم في الأجر ) ، نعم – والله – حبسنا العذر عنكم ، حال الظالمون و الطغاة المجرمون دون الوصول إليكم ، و لكن ثقوا و تأكدوا يا إخواني و يا أخواتي ، و يا أبنائي و بناتي ، أنَّا لا نغفل عنكم لحظة واحدة ، إننا نعيش معكم بكلِّ مشاعرنا ، و بكلِّ أحاسيسنا ، و بكلِّ جوارحنا ، و ما هذه الشعارات التي ترفعونها في كلِّ يوم جمعة إلا من بشائر النصر بإذن لله تعالى ، و التي كان آخرها " ماضون حتى إسقاط النظام " ما أروعه من شعار يُعَبِّرُ عن الصمود و الثبات ، رغم أن الثمن باهظ ، و المعركة شرسة ، والعدو فاق في وحشيته وحوش الغابات ، و تجاوز في تعامله مع الأسرى و الجرحى و الشهداء كلَّ القيم الإنسانية ، وكلَّ محظورات الأعراف الدولية في الحروب ، و إن القصص المروعة التي يمارسها وحوش – مايسمى - النظام السوري أكثر من أن تحصى ومن ذلك : سحب الجرحى من المستشفى والإجهاز عليهم ووضعهم في أكياس الموتى كما حصل في مستشفى جمعية البر في حمص ، بالإضافة إلى ضرب الأطباء واعتقال بعضهم ، و لاننسى حادثة الطفل البريء حمزة الخطيب في درعا ، ثم ابراهيم القاشوش في حماة ( بلبل الثورة ) الذي َمثَّلوا به و اقتلعوا حنجرته ، و أخيراً الشابة البرئية زينب الحصني في حمص الباسلة التي اختطفوها من الشارع في 2 رمضان 1432هـ ثم قتلوها و قطعوها ثلاث قطع وشوهوا جسدها بالنار ثم وضعوها في المستشفى العسكري بحي الوعر وأعطوها لأهلها بهذه الحالة في 19 شوال 1432هـ فأيُّ إنسانية هذه ؟ و أي أمن هذا ؟ وأيُّ نظام هذا ؟ وأيُّ إصلاحات هذه ؟!! فعلاً إنهم سبقوا كلَّ وحشية قرأنا أو سمعنا عنها ، حتى تمثل فيهم قول الشاعر :
أنست مظالمهم مظالم من خلوا *** حتى ترحمنا على نيرون
و إذا ظن هؤلاء المجرمون أنهم سيخمدون الثورة بهذه الأعمال ، فإنهم خابوا و خسروا و إنَّ هذه المحن لن تزيد الثائرين والمناصرين إلا ثباتاً و تصميماً حتى النصر بإذن الله تعالى ، لأن نيل الشهادة في سبيل الله هي غاية ما يتمناه المؤمن ، وعزاؤه في ذلك أن قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار ، و ما أجمل قول السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها عندما قال لها ابنها عبد الله بن الزبير يا أماه إنَّ القوم خذلوني فقالت له : إن كنت تعلم أنك على الحق فامض له ، فقد ُقتِلَ عليه أصحابك ، فقال : إني أخاف أن يمثِّلوا بي فقالت : يا بني إن الشاةَ لا تتألم بالسلخ بعد الذبح ، فامض على بصيرتك و استعن بالله ، يا لها من أمثلة رائعة في الصبر والثبات والتضحية قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون } والله معكم ولن يتركم أعمالكم ، وهو مولاكم ، والظالمون لامولى لهم إلا المجرمون من أمثالهم ( ألا إن نصر الله قريب ) .
اللهم أرحم شهداءنا وأعلِ منزلتهم ، واشفِ جرحانا ، وفُكَ أسرانا ، وأحسن خلاصهم ، وأقرَّ عيوننا بفجر جديد ونصر عاجل يُعَزُّ فيه الإيمان ، ويذلُّ فيه أهل الظلم والضلال ، إنك أكرم مسؤول ونعم مجيب .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين