الثقة بنصر الله ـ 2 ـ
الشيخ مجد مكي
إنَّ القوى المعادية للإسلام قوى ضخمة هائلة، لا تسمح بعودة الإسلام، ونراهم يختلفون في قضايا كثيرة، فإذا كان العدو هو الإسلام اتفقوا واتحدت كلمتهم...والمسلمون لا يكادون يخرجون من حفرة إلا ليسقطوا في مثلها أو أعمق منها، ولا يكادون ينفضون غبار المحنة إلا استقبلوا أختها أو أشد منها؟
إن هذه القوى المحارِبة للإسلام التي تقعُد له كل مرصد، وتقطع على دعاته كل مسلك، وتزرع في طريقهم الأشواك... يجب أن تكون حافزاً إلى المقاومة والمصابرة، والمضي والمثابرة...
إنَّ أصحاب الرسالات لا يقيسون الناس بالطول والعرض، ولا يقدرون الأمور بالكمّ والحجم، ولا يَزِنون القوة بالعدد والعُدَّة [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249} . وكمّ من قوم غرتهم عِدتهم وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا..
إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاة الإصلاح، لا يبالون بالقوى المعادية لهم... لأن أكثرية البشر تميل مع الهوى، وتجنح إلى الباطل، وهذا ما قرَّره رب البشر بقوله:[ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {النحل:38}. [وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ] {الأنعام:116}.
والمسلمون يملكون بالإسلام رصيداً ضخماً، يملكون قوة المنهج وقوة مبادئ الإسلام الخالدة.
وهذا الدين أشد ما يكون قوة، وأصلب ما يكون عوداً، وأعظم ما يكون رسوخاً وشموخاً، حين تنزل بساحته الأزمات، وتُحدق به الأخطار، ويشتد على أهله الكرب، وتضيق بهم المسالك، ويقل المساعد والنصير.
حينئذ يحقق الإسلام معجزته ويتدفق دم القوة في عروق الأمَّة، فإذا النائم يصحو، والضعيف يقوى، والجبان يتشجع، والشتيت يتجمع... وإذا هذه القطرات المتتابعة المتلاحقة تكوِّن سيلاً عارماً... لا يقف دونه حاجز ولا سد من السدود...
برز ذلك في يوم الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وظهور المتنبئين الكذابين، من أمثال: مسيلمة والأسود وطليحة... فما كان من أبو بكر رضي الله عنه الرجل البكاء الرقيق الخاشع إلا أن وقف كالطود، وأبى إلا أن يحارب الجميع حتى يعودوا إلى دين الله تعالى...
وانهزمت الردة وأنبياؤها الكذبة، وانتصر النور على الظلام، وعاد المتمردون إلى حظيرة الإسلام، فانضموا إلى الجنود الفاتحين، يحاربون أعتى امبراطوريتين في الأرض فارس والروم.
وقل مثل ذلك: حين غزا التتار ديار الإسلام، فدخلوها بجموعهم الغفيرة وأساليبهم الوحشية، كما تدخل الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعله كالرميم.
فدمروا المدن، وخرَّبوا العمران، وأسالوا الدماء أنهاراً، وأسقطوا الخلافة العباسية في بغداد، وظن الناس أن راية الإسلام لن ترتفع بعد ذلك اليوم...
فلم تمض سنوات حتى تحققت معجزة الإسلام فإذا هؤلاء الجبابرة الذين غزوا الإسلام يغزوهم الإسلام، وإذا الغالبون يدخلون في دين المغلوبين، على خلاف ما هو معروف مألوف...
إننا نملك الإيمان بنصر الله لنا، والثقة بتأييده، واليقين بسنته في إحقاق الحق، وإبطال الباطل ولو كره المجرمون [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] {الرعد:17}.
إننا نطمئن إلى وعد الله الذي وعد به المؤمنين الصادقين:[وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] {النور:55}.[وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ] {الرُّوم:6}. [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ] {الحج:38}.[ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] {الرُّوم:47}.
لئن قام بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود، قد جعلهم يجمعون العزم، ويضاعفون الجهد، لتحقيق أمانيهم القديمة.. ألا يكون وعد الله لنا بالمعية والنصر والتأييد والتمكين والاستخلاف جدير بأن يشحذ همتنا، ويستثير عزائمنا، ويفعم صدورنا ثقة بالمستقبل...
إن الإيمان بالنصر من أعظم عناصر القوة... ونحن نؤمن بأن الله تعالى على كل شيء قدير، فهو قادر على أن ينصر حزبه، ودينه، بما شاء وكيف يشاء من وسائل نعلم منها ما نعلم، ونجهل منها ما نجهل:[ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ...] {فاطر:44}.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين