حنان الأب قنديل يضيء طريق الأبناء

 حامد واكد

القلب المملوء بالحب والحنان يسع كل من حوله في البيت، الأمر الذي يجعل صاحبه سواء الوالد أو الوالدة يغدق مما أعطاه ربه على بنيه، فيوفر لهم الأمن النفسي والاستقرار الاجتماعي، مما يجعلهم شامة بين الناس، ولذلك قيل :ليس هناك مكان ينام فيه الطفل بأمان مثل غرفة أبيه وحضنه وحضن أمه.
 
من أجل ذلك كثرت الوصايا ببر الوالدين كما جاء في الأمر الرباني الخالد للمسلم في صورة قضاء حتمي لا فكاك منه. فقال تعالى:( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) فيسْمو القرآن في تصوير مكانة الوالدين ويبين الأسلوب الخلقي الراقي الذي ينبغي أن نتبعه في معاملة الوالدين خاصة إذا تقدم بهم العمر، فإن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم. كما جاء في الحديث: فالوالد مهما تقدم به العمر فإنه يظل بفكره الثاقب ونظرته الصائبة يوجه الأبناء والبنات إلى ما يحقق لهم الرفعة والتقدم، ولذلك قيل: عمر الرجل كما يشعر وعمر المرأة كما تبدو، فبورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ، والأب الحنون هو الذي لا يغضب بسرعة إذا جنح بعض بنيه بل يصبر ويوجه في هدوء وخاصة إذا كان الجانح شاباً، في مرحلة المراهقة فتكون كلماته لمن يعقلها تكون مثل الشمس تضيء وتدفئ وتأديب الأب دواء حلو، فائدته تتجاوز مرارته، ولذلك قيل أحب أباك إذا كان منصفاً وإذا لم يكن كذلك فتحمله، فليس ثمة إلا الأب من لا يحسد ابنه على موهبته. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم له والدان مسلمان يُصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين يعني من الجنة، وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل وإن ظلماه؟ قال وإن ظلماه، وإن ظلماه.
 
قيل في معنى وإن ظلماه، أي ظلماه بالأمور الدنيوية لا الآخراوية، وليس معنى وإن ظلماه، الإباحة للوالدين بظلم أبنائهما حتى لا يكون هناك ضجر من جانب الأبناء لهما أو أحدهما وحتىلا يكون هناك من الأبناء من سيقول لوالده، لو كان مثلك في زمان المصطفى، ماكان في القرآن بر الوالدين.
إن المسلم الذي تربى تربية إسلامية صحيحة هو الذي يعرف فضل الأب والأم فلا يبخل عليهما بما أعطاه الله من خير ويحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير، فيقوم لهما إذا قدم على مجلسيهما وينكب على أيديهما لثما وتقبيلا وعليه أن ينقي العبارات المهذبة في حديثه معهما.
 
قيل لعلي بن الحسين أنت من أبر الناس ولا نراك تؤاكل أمك، قال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتُهما وقيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك؟ قال: ما مشيت نهاراً قط إلا مَشى خلفي ولا ليلاً إلا مَشى أمامي ولا رقى سطحاً وأنا تحته.
 
وقيل: إذا أنت عشت دون أن تكون أباً فإنك ستقضى دون أن تكون رجلاً.
 
الأب الحنون هو الذي يحسن قيادة الأسرة إلى ما يحبه الله ويرضاه، وذلك يحسن خلقه وجميل تصرفه إزاء أبنائه وبناته منذ مرحلة الطفولة وحتى مراحل العمر المختلفة، فيظل يوجه ويتحمل ويفتح قلبه لأي نقد ولا يضيق صدره بما يسمع من أفراد أسرته فيهمل الزوجة حتى تعرض وجهة نظرها إزاء أية قضية أو موضوع يهم الأسرة وعندها ستشعر بمكانتها واحترامها من قبل زوجها الذي لم يضن عليها بالحنان والتوجيه السديد.
 
ويسعد الأبناء بحنان الأب، الأمر الذي يجعل كل واحد وكل واحدة لا تخفي عليه شيء يعتريه في حياته، فالبنت تشعر بقربها من والدها ووالدتها وهذا هو المفروض، فتبوح له بكل أسرارها وتتخذه صديقاً لها فتحكي له لو تعرضت لمضايقات بعض الشباب عندما تسير في الطريق العام أو في أماكن الدراسة ولا تخفي على والدها أو والدتها إذا طلب أحد الزملاء الارتباط بها وأنه يحبها فتنقل صورة كاملة عن طبيعة اللقاءات مع زملائها ومن الذي تميل إليه حتى يكون على علم بكل كبيرة وصغيرة ويوجه التوجيه الصائب حتى لا يقعن في حبائل الشيطان ويرتكبن أخطاء تغيّر مجرى حياة أسرة بأكملها كالتي نسمع عنها أنها تزوجت زواجاً عرفياً من أحد زملائها ودون علم أهلها وتكون الطامة عندما يتهرب من ارتبط بها من مسؤوليات الزواج وتكثر المشاكل، وإذا توفر الحنان والحب بين الأب وأولاده وبناته وزوجته وتوفرت مساحة كبيرة من الحوار بينهم انحلت جميع المشاكل دون منغصات تؤثر على سير الحياة الأسرية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين