حدث في التاسع عشر من رمضان

الأستاذ محمد زاهد أبو غدة

في التاسع عشر من رمضان من سنة 665 توفي في دمشق، عن 66 عاماً، شهاب الدين المقدسي، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، الملقب بأبي شامة، الإمام القارئ المحدث المؤرخ، وأحد أبرز علماء دمشق في القرن السابع الهجري. ولُقِبَ أبا شامة، لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر.
ولد شهاب الدين أبو شامة في دمشق سنة 599 لأسرة أصلها من القدس، ونشأ ودرس في دمشق، وحفظ القرآن وهو دون العشر سنوات، وأكمل دراسة القراءات في سنة 616 على الإمام علم الدين السخاوي، علي بن محمد السخاوي المولود بسخا في مصر سنة 558 والمتوفى بدمشق سنة 643، والسخاوي أول من شرح قصيدة الشاطبية في قراءات القرآن الكريم، وذكره أبو شامة في كتابه ذيل الروضتين فقال: شيخنا علم الدين علاّمة زمانه وشيخ أوانه، ومنه استفدت علوما جمة كالقراءات والتفسير وفنون العربية، وصحبته من شعبان سنة 614 وهو عني راض.
واتجه أبو شامة لرواية الحديث في سن متأخرة نسبياً، وحصل له في سنة بضع وثلاثين عناية بالحديث، وقد شجعه على ذلك أستاذه العلامة تقي الدين خزعل بن عسكر بن خليل، المصريّ، المقرئ، النّحويّ، اللّغويّ، المتوفى بدمشق سنة 623 عن 76 عاماً، قال أبو شامة: قرأت عليه عروض النّاصح ابن الدّهّان، وأخبرني به عن مصنِّفه، وكان يحثّني على حفظ الحديث، والتّفقّه فيه خصوصاً صحيح مسلم. ويقول: إنّه أسهل من حفظ كتب الفقه وأنفع - وصدق -، ويحثّ على مسح جميع الرأس احتياطاً؛ وقد بحث فيه، فأعجبني، واستقرّ في نفسي، فما أعلم أنّي تركته بعد. فأقبل أبو شامة بعد ذلك بفترة على رواية الحديث وقرأ بنفسه، وسمع أولاده.
وتفقه أبو شامة على الإمام عز الدين بن عبد السلام، ولازمه، وأحبه، وحفظ كثيراً من أخباره، وأخذ عن الإمام المحدث تقي الدين ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن المتوفى سنة 635 عن 58 عاماً، وعن عبد الرحمن بن عساكر المتوفى سنة 620.
ولي أبو شامة مشيخة دار الحديث الكبرى بالمدرسة الأشرفية في دمشق بعد وفاة القاضي عماد الدين عبد الكريم ابن الحرستاني سنة 662، وحضر أول درس له قاضي القضاة ابن خلكان، أحمد بن محمد المتوفى سنة 681 عن 73 عاماً، وجماعة من القضاة والأعيان، وكان موضوع الدرس كتابه شرح الحديث المقتفى في مبعث المصطفى، فأورد خطبة الكتاب، وهي ما نسميه اليوم بالمقدمة، وأورد الحديث بسنده ومتنه وذكر فوائد كثيرة مستحسنة، ويقال إنه لم يراجع شيئا حتى ولا درسه، ومثله لا يستكثر ذلك عليه، فقال بعض الشعراء في ذلك:
 
العلم والمعلوم قد أدركته ... وسماعك البحر المحيط بمحدث
وبُعِثتَ في دار الحديث بمُعجِزٍ ... وأبان عنه لك افتتاح المبعث
مكثت له الألباب طائعة الندى ... والحسن من طرب به لم يمكث
وكانت في دمشق مدرسة هي مقر مشيخة القراء الكبرى أوقفتها ام الملك الصالح، وكان شرط الوقف أن يتولى المدرسة أعلم أهل البلد بالقراءات، وكان الإمام السخاوي شيخها بلا نزاع، فلما توفي رحمه الله سنة 643 وليها فخر الدين ابن المالكي ولم تطل مدته، ولما توفي وليها شمس الدين أبو الفتح الأنصاري الدمشقي، محمد بن علي بن موسى، وكان أجلَّ أصحاب السخاوي، قرأ عليه القراءات السبع إفراداً وجمعاً، وقد نافسه في مشيختها الإمام أبو شامة، قال الراوي: لما خلت التربة وقع النزاع بين العلامة أبي شامة وبين الشيخ أبي الفتح، إذ من شروطها أن يكون أعلم أهل البلد بالقراءات، وحضرا عند ولي الأمر فقيل: من ينصف بينهما؟ فوقع التعيين على شيخنا الإمام علم الدين القاسم اللورقي فحضر وقال أنا أسألكما شيئاً فليكتب كل منكما عليه، فسألهما عن قول الشاطبي رحمه الله في باب وقف حمزة وهشام
 
وفي غير هذا بين بين ومثله ... يقول هشام ما تطرف مسهلا
قال فكتب عليه الشيخ أبو شامة ما يتعلق بالهمز في أصله وتقسيمه ومذاهب النحاة فيه وتعليل ذلك ثم ما يتعلق بالبيت المذكور من اللغة والإعراب والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي وغير ذلك، قال وكتب عليه أبو الفتح ما يتعلق بالوقف على الهمز فقط، فلما وقف الشيخ علم الدين القاسم اللورقي على كلاميهما قال عن أبي شامة: هذا إمام من أئمة المسلمين، وقال عن أبي الفتح: هذا مقرئ. وكان لولي الأمر ميل إلى أبي الفتح فقال: ما المقصود إلا المقرئ، ثم رسم بها لأبي الفتح.
قال: فلما خرجوا خرج أبو شامة وهو ينفخ وقال للشيخ علم الدين: يا شيخ ذبحتني! فقال: والله ما قصدت لك إلا خيراً، وما علمت أنهم إلى هذا الحد من الجهل في فهم كلامي!
والسبب في أن العلماء لم تسلِّم لأبي شامة بأستاذيتهم مع أنه كان عالماً فاضلاً متقناً متفنناً عنده مشاركة في كثير من العلوم واستقلال ببعضها، السبب هو أنه كان كثير الغض من العلماء والأكابر والصلحاء وذكر مساوئ الناس، فقدح الناس فيه وتكلموا في حقه، فسقط بذلك من أعين الناس.
وصنف أبو شامة كتباً كثيرة، من ذلك شرحاً نفيساً للشاطبية سماه إبراز المعاني في حِرز الأماني، واختصر تاريخ دمشق لابن عساكر مرتين الأولى في خمسة عشر مجلداً والثانية في خمسة، وشرح القصائد النبوية للسخاوي في مجلد، وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية: دولتي نور الدين زنكي والسلطان صلاح الدين الأيوبي، وكتاب الذيل عليهما، وفي الكتابين تفاصيل كثرة عن الحياة العلمية والاجتماعية والعمرانية في دمشق في تلك الفترة، وتعليقاته على التراجم تَنُمُّ عن قربه من علماء عصره وإدراكه للأمور، وله صراحة لاذعة في بعض الأحيان، ونقل عنه المؤرخون كثيراً مثل الذهبي في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام، وابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة، وبدر الدين العيني في عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان.
وأورد فيما يلي بعضاً مما كتبه رحمه الله في مقدمة الروضتين بتصرف:
فإنه بعد أن صرفت جُلَّ عمري ومعظم فكري في اقتباس الفوائد الشرعية، واقتناص الفرائد الأدبية، عنَّ لي أن أصرف إلى علم التاريخ بعضه، فأحوز بذلك سُنَّة العلم وفرضه؛ اقتداء بسيرة من مضى، من كل عالم مرتضى، فقَلَّ إمام من الأئمة إلا ويُحكى عنه من أخبار من سلف فوائد جمة، منهم إمامنا أبو عبد الله الشافعي رضى الله عنه، قال مصعب الزبيري: ما رأيت أحدا أعلم بأيام الناس من الشافعي، ويروى عنه أنه أقام على تعلُّم أيام الناس والأدب عشرين سنة، وقال: ما أردت بذلك إلا الاستعانة على الفقه. قلت: وذلك عظيم الفائدة، جليل العائدة، وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخبار الأمم السالفة، وأنباء القرون الخالفة ما فيه عبر لذوى البصائر، واستعداد ليوم تبلى السرائر. قال الله عز وجل في سورة هود وهو أصدق القائلين: { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، وقال سبحانه في سورة القمر: { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}.
فاعتنيت بذلك وتصفحته، وبحثت عنه مدة وتطلبته؛ فوقفت والحمد لله على جملة كبيرة من أحوال المتقدمين والمتأخرين، من الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، والخلفاء والسلاطين، والفقهاء والمحدثين، والأولياء والصالحين، والشعراء والنحويين، وأصناف الخلق الباقين؛ ورأيت أن المطَّلِعَ على أخبار المتقدمين، كأنه قد عاصرهم أجمعين، وأنه عند ما تفكر في أحوالهم أو تذكرهم كأنه مشاهدهم ومحاضرهم؛ فهو قائم له مقام طول الحياة، وإن كان متعجل الوفاة.
وقد أنشدت لبعض الفضلاء:
كتابٌ أطالعه مؤنِسٌ ... أحبُّ إليَّ من الآنسه
وأدرسه فيريني القرون ... حضورا وأعظُمُهم دارِسه
 فابتغيت إلى الله تعالى الوسيله، وأنفت لنفسي من ذلك المقام، فاخذنها بعلم أخبار الأنام، وتصحيح نسبتها، و إيضاح محجتها؛ فإن كثيرا ممن يحفظ شيئا من الوقائع يفوته معرفة نسبتها إلى أربابها، وإن نسبها خلط فيها وصرفها عن أصحابها. وهو باب واسع غزير الفوائد، صعب المصادر والموارد؛ زلت فيه قدم كثير من نقلة الأخبار ورواة الآثار.
ثم أردت أن أجمع من هذا العلم كتابا يكون حاويا لما حصلته، وأتقن فيه ما خبرته، فعمدت إلى أكبر كتاب وضع في هذا الفن على طريقة المحدثين، وهو تاريخ مدينة دمشق حماها الله عز وجل الذي صنفه الحافظ الثقة أبو القاسم على بن الحسن العساكرى رحمه الله، وهو ثمانمئة جزء في ثمانين مجلدا، فاختصرته، وهذبته، وزدته فوائد من كتب أخرى جليله وأتقنته، ووقف عليه العلماء، وسمعه الشيوخ والفضلاء ومر بي فيه من الملوك المتاخرين، ترجمة الملك العادل نور الدين؛ فأطربني ما رأيت من آثاره، وسمعت من أخباره، مع تأخر زمانه، وتغير خلانه. ثم وقفت بعد ذلك في غير هذا الكتاب على سيرة سيد الملوك بعده، الملك الناصر صلاح الدين. فوجدتهما في المتاخرين، كالعمرين رضي الله عنهما في المتقدمين؛ فإن كل ثان من الفريقين حذا حذو من تقدمه في العدل والجهاد، واجتهد في إعزاز دين الله أي الجهاد، وهما ملكا بلدتنا، وسلطانا خطتنا، خصنا الله تعالى بهما فوجب علينا القيام بذكر فضلهما.
فعزمت على إفراد ذكر دولتيهما بتصنيف، يتضمن التقريظ لهما والتعريف، فلعله يقف عليه من الملوك، من يسلك في ولايته ذلك السلوك، فلا أبعد أنهما حجة من الله على الملوك المتأخرين، وذكرى منه سبحانه، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. فإنهم قد يستبعدون من أنفسهم طريقة الخلفاء الراشدين، ومن حذا حذوهم من الأئمة السابقين؛ و يقولون: نحن في الزمن الأخير، وما لأولئك من نظير. فكان فيما قدر الله سبحانه من سيرة هذين الملكين إلزام الحجة عليهم، بمن هو في عصرهم، من بعض ملوك دهرهم، فلن يعجز عن التشبه بهما أحد، إن وفق الله تعالى الكريم وسدد. وأخذت ذلك من قول أبي صالح شعيب بن حرب المدائني رحمه الله وكان أحد السادة الأكابر في الحفظ والدين قال: إني لأحسب يجاء بسفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله تعالى على هذا الخلق، يقال لهم إن لم تدركوا نبيكم فقد أدركتم سفيان؛ ألا اقتديتم به؟!
وهكذا أقول: هذان الملكان حجة على المتأخرين من الملوك والسلاطين، فلله درهما من ملكين تعاقبا على حسن السيرة، وجميل السريرة، وهما حنفي وشافعي، شفى الله بهما كل غى، وظهرت بهما من خالقهما العناية، فتقاربا حتى في العمر ومدة الولاية. وهذه نكتة قل من فطن لها ونبه عليها، ولطيفة هداني الله بتوفيقه إليها.
بقيت دمشق في الملكة النورية عشرين سنة، وفي المملكة الصلاحية تسع عشرة سنة، تمحى فيه السيئة وتكتب الحسنة؛ وهذا من عجيب ما اتفق في العمر ومدة الولاية ببلدة معينة لملكين متعاقبين؛ مع قرب الشبه بينهما في سيرتهما، والفضل للمتقدم؛ فكأن زيادة مدة نور الدين كالتنبيه على زيادة فضله، والإرشاد إلى عظم محله، فإنه أصل ذلك الخير كله، مهد الأمور بعدله وجهاده وهيبته في جميع بلاده، مع شدة الفتق، واتساع الخرق وفَتَحَ من البلاد ما استعين به على مداومة الجهاد فهان على من بعده على الحقيقة، سلوك تلك الطريقة، لكن صلاح الدين أكثر جهادا، وأهم بلادا، صبر وصابر، ورابط وثابر، وذخر له من الفتوح أنفسه، وهو فتح الأرض المقدسة فرضيَّ الله عنهما فما أحقهما بقول الشاعر: كم ترك الأول للآخر
وألبس الله هاتيك العظام، وإن ... بَلِينَ تحت الثرى، عفوا وغفرانا
سقى ثُرى أُودِعوه رحمةً ملأت ... مثوى قبورهم روحا وريحانا
وقد سبقني إلى تدوين مآثرهما جماعة من العلماء، والأكابر الفضلاء، ووفقت على مجلدات من الرسائل الفاضلية، وعلى جملة من من الأشعار العمادية، وعلى كتب أخر من دواوين وغيرها، فالتقطت منها أشياء مما يتعلق بالدولتين أو بإحداهما؛ و بعضه سمعته من أفواه الرجال الثقات، من المدكرين لتلك الأوقات. فاختصرت جميع ما في ذلك من أخبار الدولتين، وما حدث في مدتهما من وفاة خليفة أو وزير، أو أمير كبير، أو ذى قدر خطير، وغيرذلك. فجاء مجموعا لطيفا، كتابا طريفا، يصلح لمطالعة الملوك والأكابر، من ذوي المآثر والمفاخر، وسميته كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، ولله در حبيب بن أوس حيت يقول:
ثم انقضت تلك السنون ... وأهلُها، فكأنها وكأنهم أحلام
ولأبي شامة كذلك كتاب شرح الحديث المقتفى في مبعث المصطفى، وكتاب البسملة الأصغر، وكتاب البسملة الأكبر، وكتاب ضوء الساري في معرفة الباري، والمحقق في علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول، والباعث على إنكار البدع والحوادث، وكتاب السواك، وكشف حال بني عبيد يعني حكام مصر من الفاطميين، والوصول في الأصول، ومفردات القراء، ومقدمة في النحو، ونظم مفصل الزمخشري في النحو، وكتاب المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز، ويتناول تفسير حديث نزول القرآن على أحرف سبعة وبيان صلته بالقراءات السبع، وكتاب مفردات القراء، ونزهة المقلتين في أخبار الدولتين: دولة علاء الدين السلجوقي، ودولة ابنه جلال الدين خوارزمشاه.
وأخذ عن شهاب الدين أبي شامة القراءات عدد كبير من القراء وطلبة العلم، وعدَّه فقهاءُ عصره ممن بلغوا مرتبة الاجتهاد، ومن إخلاصه للعلم ورغبته في نشره، وقف رحمه الله كتبه ومصنفاته جميعها في الخزانة العادلية بدمشق، وأصاب الخزانة حريق فالتهم أكثرها.
ومن طرائف ما ذكره في تاريخه: ومن العجيب اجتماع ثلاث من قضاة القضاة لقب كل واحد منهم شمس الدين في زمن واحد، فقال بعض الأدباء شعراً:
بدمشقٍ آيةٌ قد ... ظهرت للناس عاما
كلما ازدادوا شموساً ... زادت الدنيا ظلاما
وقال غيره:
أهل دمشق استرابوا ... من كثرة الحكام
إذ هم جميعاً شموس ... وحالهم في ظلام
وكان شهاب الدين المقدسي ينظم الشعر على طريقة الفقهاء، ومن شعره في السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله:
إمامٌ محبٌ ناشئٌ متصدقٌ ... وباكٍ مصلٌ خائفٌ سطوة الباسِ
يُظِلُّهم الله الجليل بظله ... إذا كان يوم العرض لا ظل للناس
أشرتُ بألفاظ تدل عليهم ... فيذكرهم بالنظم مَنْ بعضُهم ناسِ
وله أيضاً في المعنى:
وقال النبي المصطفى إن سبعةً ... يُظِلُّهم الله العظيم بظله
محبٌ عفيف، ناشئٌ، متصدقٌ ... وباكٍ مصلٌ والإمام بعدله
قال صلاح الدين الصفدي في ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات: وقد نظم الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله تعالى قصيدة تناهز الأربعين بيتاً في زوجته، فسَمَجَ عفا الله عنه فيها ما شاء، وبَرَدَ رحمه الله ما أراد، أولها:
تزوجت من أولاد دنو عقيلة ... بها من خصال الخير ما حير العقلا
مكملة الأوصاف خلقاً وخلقة ... فأهلاً بها أهلاً وسهلاً بها سهلا
ولود ودود حرة قرشية ... مخدرة من حسنها تكرم البعلا
منها:
مطرزة خطالة ذهبية ... مفصلة خياطة تحكم الغزلا
تنقل في الأشغال من ذا وذا وذا ... وتفعل حتى الكنس والطبخ والغسلا
وكان شهاب الدين أبو شامة مع كثرة فضائله وعلو مكانته، متواضعاً مطرحاً للتكلف، ربما ركب الحمار بين المداوير، ويكتب الخط المليح المتقن، ويسكن في دار بسيطة ظاهر دمشق، وفي سنة 565 أصابته محنة كاد يموت على إثرها، فقد كان الشيخ ساكناً بطواحين الأشنان في ظاهر دمشق، فحضر إليه ببيته اثنان جبليان في صورة مستفتيين، فضرباه ضرباً عظيماً كاد أن يموت منه، ولم يدر به أحد ولا أغاثه، ثم ذهبا، ولم يُعرَف من سلطهما
قال رحمه الله: جرت لي محنة بداري بطواحين الأشنان فألهم الله الصبر ولطف، وقيل لي: اجتمع بولاة الأمر فقلت: أنا قد فوضت أمري إلى الله وهو يكفينا. وقلت في ذلك:
قلتُ لمن قال أما تشتكي ... ما قد جرى، فهو عظيمٌ جليلْ
يُقيِّضُ الله تعالى لنا ... من يأخذ الحق ويشفي الغليل
إذا توكلنا عليه كفى ... وحسبنا الله ونعم الوكيل
ويبدو أن القتلة عادوا إليه مرة ثانية وهو في منزله، فقتلوه في التاسع عشر من شهر رمضان، ودفن من يومه بمقابر باب الفراديس قرب مرجة الدحداح، رحمه الله تعالى

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين