كيف تجعل من رمضان نقطة إنطلاق للتغيير وإلى الأبد

 

كيف تجعل من رمضان نقطة إنطلاق للتغيير وإلى الأبد

شهر رمضان شهر كريم ...

شهر رمضان شهر عظيم ...

شهر تفتح فيه أبواب الجنان و تغلق فيه أبواب النيران ...

شهر الخيرات و البركات ...

شهر الأجر و الثواب و العباد ...

شهر نزل فيه القرآن بينات من الهدى و الفرقان ...

شهد تُصفّد فيه الشياطين و يعز الله فيه الصالحين ...

شهر يتخير الله فيه عبادًا له فيعتقهم من النار إلى الأبد ...

شهر أوله رحمة و أوسطه مغفرة و آخره عتق من النار ...

شهر محفوف بالرحمة موصوم بالمغفرة معروف بالنصرة مبروك بالنعمة ...

) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان ([1]

في هذه المادة سوف نعرض بإذن الله برنامجًا عمليًا لجعل رمضان فرصة للانطلاق و التغيير إلى الأبد , سوف استعرض أولا ميزات وصفات تؤهِّل شهر رمضان لأن يكون بداية في تغيير حقيقي في حياتك , ثم أتحدث عن التغيير و أهم العوامل فيه , ثم أذكر طرقـًا عملية في بلوغ التغيير إن شاء الله .

دعنا أولاً نتعرف على ميزات و صفات في هذا الشهر تؤهله لأن يكون شهر تغيي:-

1)الميزة الأولى لشهر رمضان في التغيير هي البرمجة النفسية :

يرى علماء النفس المحدثون , أنَّ أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة , يعني حتى تحدث تغييراً حقيقيًا في حياتك فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة .

لنقل أن شخصًا يعاني من الخجل ويود هذا الشخص أن يتغلب على الخجل و يتجرأ في المقابلة و المواجهة مع الآخرين , حتى يسير هذا الشخص على بينة فعليه أولاً أن يتعلم الاسترخاء ثم يتخيل نفسه مرات و مرات و هو يتصرف بجراءة و طلاقة ثم يطبق هذا الخيال عمليًا مرارًا , و عندما يتعلم الاسترخاء فلابد أن يسترخي مرارًا حتى يتقن الاسترخاء , ثم إذا هو أتقن الاسترخاء فيمكنه أن يتخيل نفسه يقتحم المواجهة و المقابلة مع الآخرين ويعبر عن نفسه ويطلب حقوقه , يتخيل ذلك من 6 إلى 21 مرة و ينبغي أن يرى النجاح في كل مرة فإذا لم ينجح في المواجهة و المقابلة في خياله فعليه أن يكرر الاسترخاء مع التخيل إلى أن ينجح في خياله أولاً , إلى أن يصبح عنده النجاح في الخيال أمر عادي , هنا وفقط هنا يكون عقله تبرمج على رؤية نفسه جريئًا ومقدامًا .

الآن يمكنه أن يبدأ في مواقف صغيرة يتجرأ فيها ثم يكرر نجاحه هذا  وفي محاولات أكبر إلى أن يتكرر عنده النجاح تبعًا سيكون تبرمج على النجاح . في مثالنا هذا النجاح في التغلب على الخجل لو لم ينجح مرة في محاولاته و أصابه الخجل ما في مشكلة (لا يوجد مشكلة ) يبدأ من جديد ويتبرمج على النجاح . إذا حقق النجاح باستمرار 6 إلى 21 مرة يكون فعلاً قد قضى على المشكلة .

شهر رمضان 29 إلى 30 يومًا , هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا .. 30 مرة .. تمسك من الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق هذه برمجة أكيدة , ولهذا فإنك لا تجد مسلمًا صام رمضان وبعد شهر واحد فقط من حياته إلا وقد تأثر في العبادة إلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان , صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم , هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع , فصيام أي يوم له فوائد كثيرة , لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية , الاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة و لهذا السبب تجد إن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله .

2)الميزة الثانية في شهر رمضان اتخاذ القرار:

من ميزات هذا الشهر الفضيل: تعليمه للمسلم اتخاذ القرار , مشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات , مشكلة المشكلات عدم اتخاذ القرارات . الإنسان القوي إنسان صاحب قرار , الإنسان الضعيف متردد , التردد لا ينشأ نفوسًا ضعيفة فحسب بل يأتي بأمراض سيكلوجية و سيكسوماتية أي أمراض نفسية وجسمانية . التردد يبدأ بسيطاً في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر مع البرمجة والعادة وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و صغيرة , فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات , حركات يدك ورجلك ودقات قلبك وهضم معدتك ودوران دورتك الدموية ودفاع خلاياك الجسمانية وغير ذلك , كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة بل وجزء من الثانية , تصور تردد في مثل هذه القرارات , إن ذلك يعني مشاكل كثيرة صحية ونفسية .

فمن المشكلات الصحية: عدم انتظام دقات القلب وبالتالي أمراض قلبية وهضمية ودموية , ذلك أن القلب يعيد ضخ الدم إلى الجسم كله وقد يتسبب التردد في تردد الخلايا الدفاعية عن القيام بمهمتها على وجهًا الصحيح فتتردد في مواجهة الالتهابات والسرطانات وفيروسات وفي ذلك خطر عظيم .على أية حال أنا أريد أن أقتصر في هذه العجالة على الأثر النفسي فقط للحصول على دقة في التغيير وإلا فيمكنكم القرءة في فضائل رمضان الصحية .

إذن رمضان بسبب أنه يعوّد الإنسان المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعوّد اتخاذا القرار , و اتخاذ القرار قوة وإرادة , فالإنسان كلما جدد نيته بالصيام وأسرع في اتخاذ القرار بذلك , ثم بالإمساك وقت الإمساك , وبالفطور وقت الفطور كلما عوّد نفسه اتخاذ القرار بسرعة و باستمرارية حتى يتبرمج على اتخاذ القرار .

3)الميزة الثالثة هي الإنجاز :

هذا الشهر الكريم يعوّد الإنسان الإنجاز , رأيت في مركز الراشد للاستشارات الاجتماعية والنفسية مئات الناس في مختلف المعاناة الأسرية والاجتماعية والنفسية والعقلية , وعادة ما يأتيني قد أيس من العلاج التقليدي ولفَّ على مجموعة من الأطباء وجملة من المشايخ وربما بعض المشعوذين والدجالين . وفي كل مرة يأتيني شخص من هؤلاء تتأكد عندي المعلومة أكثر وهي بحث الناس عن عصا موسى أو عن خاتم سليمان . أغلب الناس يريد أن يفتح عين ويغمض عين فإذا هو في النعيم , لذا فهو يذهب إلى شيخ يقرأ عليه لعله يزيل منه الحسد أو العين أو السحر أو الجان إلى آخره , أو يذهب إلى طبيب يوصف له روشته سحرية لدواء خارق يحل مشكلته في ساعات أو أيام , أو يذهب إلى الحوّاج أو مختص في الأعشاب ليوصف له العشب السحري الذي يخرجه من الجحيم ويدخله في النعيم أو يذهب إلى مشعوذ أو ساحر أو كاهن أو عرّاف ليفتح عليه ويفك عنه الأذى .. هيهات .. هيهات ...

ما هكذا تُحَل الأمور !! ...

ما هكذا يحصل التغيير أو تأتي الحلول أو يحل التغيير أو يتغير الحال !!

قد تحصل على حلول سريعة لكنها أكيد ركيكة ولن تدوم .

التغيير يبدأ من الداخل ليس عند مشعوذ ولا عند الكاهن ولا عند المعالج ولا عند الطبيب ولا عند الشيخ ولا عند الحوّاج .. التغيير أولاً وقبل كل  شيء من عند الله والله وضعه في داخل الإنسان قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[2] .

الإنجاز تكون بدايته الصحيحة في النفس , هناك أناس حققوا الملايين وبنوا القصور وأثاروا الأرض لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء , ماتوا فماتت دعواهم . رمضان يعلم الإنسان الإنجاز في فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهارك وتقوم ليلك فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كبيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا , والناس طبيعتها تبدأ متحمسة فتخف الحماسة مع الأيام , أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز إذ هي بداية قوية وبإرادة فتصبح أقوى بعد أيام , فإذا طالت المدة تقوت أكثر على غير عادة الكسالى والخائبين فدخل في العشر الأواخر فزادت العبادات وتنشط الكسالى وأطال المسلم ليله في التعبد ونهاره في التلاوة والذكر خاصة إذا كان معتكفًا , فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة , فإذا قربت النهاية زيد من عمله فدخل في الليالي الأكثر بركة , وحتى آخر يوم من الشهر لا عجلة ولا ندم حتى تتم الأعمال كاملة ، وفي الحديث كما عند البخاري ومسلم     " ويغفر الله لهم في آخر ليلة ، قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر ، قال : لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله " . وهكذا يكون الإنجاز الصحيح ، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام .

4) ميزة رابعة أخرى في شهر رمضان وهي الخروج عن المألوف :

الإنسان معتاد أن يقوم في وقت وينام في وقت ويذهب إلى العمل أو الدراسة ويعود ويأكل ويشرب ويتسوَّق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت معين ومحدَّد , في الغالب , عندما يأتي عليه شهر رمضان المبارك تتغير عليه الأمور ويخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد عليه الحياة , ويكاد يجمع العارفون و الباحثون في موضوع الإبداع على أن الإبداع خروج عن المألوف , وما أحوج الإنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد , كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة . التجديد والتغيير لابد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي . أذكر مرة في حياتي مررت بقلق وضغوط شديدة جدًا وأصابني هم لم أعهده من قبل ولا من بعد , فرأيت في المنام الشيخ الفاضل محمد الغزالي رحمه الله - وكان ذلك قبل وفاته – فقال لي : ] جدد حياتك[ فعلمت أن له كتابًا بهذا العنوان فقرأته فكان له بالغ الأثر على نفسي . وأخذت بنصيحته فغيرت دون مبالغة أكثر من 80% من حياتي الاعتيادية إن لم يكن أكثر , وألفت بعدها مجموعة من المؤلفات التي أعتبر أنها تغيِّر جيل بأكمله عن التغيير النفسي والسعادة والطمأنينة والشجاعة والتفاؤل وغير ذلك أنصحك بالحصول عليها ... التغيير و التجديد سمة من سمات هذا الشهر بل ومن سمات هذا الدين العظيم , رمضان فما أن ينتهي حتى يأتي العيد فما يلبث يمضي حتى يأتي الحج بشهوره الحُرم فبعده العيد وهكذا كل عام , حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد .

5)ميزة أخيرة هي خامسة أود أن أذكرها من ضمن موضوعنا وهي تنظيم الوقت:

من ميزات هذا الشهر الفضيل تنظيمه للأوقات , في ساعة معينة ومحددة الإمساك وفي ساعة معينة ومحددة الإفطار دقة التزام تنظيم . أغلب الناس لا يولي أهمية للوقت والتنظيم هو بالتالي لا يولي أهمية لحياته لأن الوقت هو الحياة , فالحياة عبارة عن وقت يمضي فتمضي , وقد يحاول أناس - لأن ذلك من عادة التكاسل وقلة الدقة و الإنجاز – أن يُخِلّوا في الوقت فيمسكوا قبل ساعة الإمساك كما تراها في التلفاز والجرائد حيث يضعون 10 دقائق قبل وقت الإمساك , وهذا خلل في هذه الميزة الدقيقة، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ومسند أحمد والسنن الثلاثة نبه فقال : " لا يغرنكم في سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطير "[3] . وكان بلال يؤذن قبل ابن مكتوم رضي الله عنهما . والإفطار ساعة الإفطار لا تأخير ولا دقيقة واحدة , وقد نبه على ذلك أيضًا فقال – صلى الله عليه وسلم – كما في مسند أحمد : " لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الإفطار "[4] , وفي رواية أيضا: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى استباق النجوم "[5] .

ففي شهر رمضان دقة والتزام و تنظيم للأوقات، وترى الأمة بكاملها تجلس على مائدة الإفطار تنتظر الإعلان بالفطور , والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك , وترى الأمة صافّة في الصلاة والقيام والتراويح وشيء عجيب لو كان لك أن تنظر إليه من أعلى أو تشاهده من بعيد , أمة في غاية النظام و الدقة و الترتيب.

نحن نريد أن نكتفي بهذا القدر من ذكر ميزات شهر رمضان في التغيير لندخل في التغيير ومن ثم طرق عملية للتغيير . هناك من قد يخل في هذه الميزات فيكون هو السبب لا الشهر نفسه , فقد يفطر شخص في رمضان فيقطع ميزة البرمجة ولا يحصل له المطلوب , وقد يستمر الشخص في نفس نظامه اليومي فينام في نفس الساعة ويقوم في نفس الساعة فلا يتسحّر ولا يتغير عليه شيء سوى أنه لا يأكل ولا يشرب ولا يجامع ولا تحصل الفائدة الكبيرة من ميزة التجديد والخروج عن المألوف , قد لا يلتزم الإنسان بالتنظيم الوقتي فيمسك مبكرًا ويفطر متأخرًا ويدرك التراويح في منتصفها , ومثل ذلك فيخل في ميزة تنظيم الوقت وهكذا . ومن هنا نقول إن العمل بالسنة كما جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم صافية نقية هو فقط الذي تجني من خلاله ثمرات العمل المطلوب .

التغيير أخي الكريم / أختي الكريمة موضوع حيوي من منا لا يريد أن يغير وضعه النفسي أو المادي أو الاجتماعي أو العملي أو العلمي أو السياسي أو الأسري أو غير ذلك , كلنا يريد تغيير مجال حياته إلى الأفضل طبعًا . قد تكون راضى عن وضعك المادي ولكن غير راضي عن وضعك الأسري أو العكس قد تكون راضى عن وضعك العلمي ولكن غير راضى عن وضعك العملي وهكذا ....

كثيرون يسألون : هل أستطيع أن أتغير بنفسي ؟

والجواب يعتمد ما الذي تقصده بنفسك ؟ هل تقصد دون التعلم بتاتًا من الآخرين وتجاربهم ؟؟

إذا كان هذا المقصود فالجواب: لا , لا يمكن , لا بد من التلقي من الآخرين , أما إذا كان المقصود التغيير من تلقاء نفسي دون اللجوء إلى مختصين في النفس البشرية , فالجواب : نعم إذا عرفت الطريق , الشرط الأخير (إذا عرفت الطريق) فالجواب مهم جدًا لأن هناك أناسًا يحاولون ويجتهدون لكن اجتهادهم خطأ فلا يصلون لما يريدون , كمثل الشخص الذي يريد أن يسافر من الكويت إلى الدمّام , وقد قرر أن يفعل ذلك بنفسه ثم هو لا يسأل ولا يتبع خارطة , فإذا به يصل إلى حفر الباطن فيجتهد أكثر فيضيع أكثر وتصبح المسافة أبعد وهكذا .

الذي يريد أن يتغير ويعرف كيف يتغير ويجتهد في الحصول على التغيير هو فقط الذي يصل لما يريد , ها هنا إذن ثلاثة شروط :

·       الرغبة .

·       المعرفة .

·       التطبيق .

·       الشرط الأول: الرغبة الحقيقية في التغيير :

   هناك كثيرون يقولون: أنهم  يريدون أن يتغيروا، ولكن في قرارة أو أعماق أنفسهم هم لا يريدون ذلك.

·       والشرط الثاني معرفة كيفية التغيير :

    شخص يعاني من وساوس في الوضوء أو الذكر أو الصلاة مثلاً , يذهب إلى إمام المسجد فينصحه بالتكثيف من الذكر أو التعوذ من الشيطان باستمرار لأن ذلك من عمل الشيطان فتزيد الوساوس ولا تنقص . شخص يعاني من نوبات ذ ُعر نسميها في علم النفس (أنك أتاك) وهي شعور بهجمة من المخاوف، وكأنه يوشك أن يموت أو يغمى عليه أو يجن , وتتكرر عليه , يذهب إلى شيخ يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم قد لا يتحسن، بل قد تزيد حالته بعد شهور وسنوات، ثم تكون عليه ردة فعل عكسية وسلبية تجاه القرآن بأكمله لما يرى من مناظر المرضى والناس عند القارئ، ثم يخاف أو قد يكره القرآن الكريم جملة وتفصيلا . ثم هو ينتقل من شيخ إلى آخر وشيخ يقول له: مَس، وآخر حسد ورابع مارد وخامس نفس قديمة، وسادس جني أطرب ومآسي , وهذا أمر رأيت منه العشرات بل وربما المئات . هذا الشخص طبق ولكن طبق خطأ , وبدل من أن يصل إلى الدمام في أربع ساعات من مدينة الكويت وصل حفر الباطن في ست ساعات , ثم اجتهد أكثر وسأل شخصًا أسيويًا لا يتكلم اللغة جيدًا ولا يعرف الطرق بدقة فدله فوصل المجمعة في ست ساعات أخرى , فاجتهد أكثر فوصل الرياض في عشر ساعات أخرى , ثم هو الآن يريد أن يسأل شخصًا عارفًا بالطريق وعزم على ترك الاجتهادات الخاطئة , فإذا هو في مسافة أبعد له مما كان عليه من مدينة الكويت إلى الدمام , إن التطبيق ينبغي أن يكون مبنيًا على معلومة صحيحة .          ·       الشرط الثالث: التطبيق :

    هناك أناس يريدون أن يتغيروا وهم يعرفون كيف يتغيرون، ولكنهم لا يطبقون فهم لا يتغيرون , التطبيق فقط هو الذي يأتي بالنتائج . هناك أناس يحسنون الكلام لكنهم لا يحسنون التطبيق , والتطبيق والتطبيق بإصرار وعزيمة بعد معرفة الطريق الصحيح هو الذي يأتي بالنتائج المرجوة .

أود أن أضيف شرطين ضرورين :

·       الشرط الرابع: أن التغيير لا يأتي من الخارج :

    التغيير يأتي من الداخل , من يرجو التغيير من فرد أو شخص قد تعلق في الهواء ... الله عز وجل يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[6] هذه قاعدتنا الرئيسية إن تغيير أي أمر لابد أن يكون من داخل نفسك , أولاً غيره في داخلك . إنَّ الذين يترددون على الأطباء والمشايخ والنفسانيين وربما المشعوذين والدجالين دونما أي تغيير في حياتهم يعني أنهم بحاجة إلى التغيير من الداخل أولاً . قد يطلب الإنسان استشارة لكي يحدد طريقه في التغيير ويعرف , ولكن لو استمر يطلب الاستشارة أو المساعدة ولا يطبق أو يطبق فلا نتائج فإنه قد يكون يطلب التغيير في الخارج دون أن يحدث تغييراً في داخل نفسه.

·       الشرط الخامس: العزيمة :

     أغلب الناس ـ كما قلنا ـ يريد عصا موسى أو خاتم سليمان , أود أن أخبر هؤلاء أن العصا والخاتم مفقودان منذ زمن وليس عندنا طريق إليهما , المقصود أن أغلب الناس يريد أن يتغير في لحظة . أتعرف السبب الحقيقي في عدم طلب الاستشارة والمساعدة النفسية والأسرية عند أكثر الناس؟ السبب أنهم لا يريدون كل هذه المشقة في التغيير جلسات أو استشارات متكررة وحضور وتطبيقات مشقة , هم يريدون شيخًا يقرأ مرة واحدة أو مرتين وينتهي الأمر أو عملاً باطلاً من ساحر أو دجال تنتهي معه المشكلة , وقد يحصل لهم ذلك ولكن سوف ترجع الأمور على الوضع المؤسف بعد فترة وربما ليست بالطويلة , السبب أن الوضع البيئي في نفسه وما حوله هو نفسه لم يتغير لذا فسوف يحصل على نفس النتائج . إذا أردت أن تتغير فعليًا فغير بالطريقة الصحيحة , إن كل ما تحتاجه العزيمة .

     أنا أردت أن أغير الغضب عندي فداومت سنة كاملة أو أكثر على التطبيقات , كل غضبة أكتبها في دفتر معي , كلما غضبت أخذت نفسًا عميقًا وأمهلت نفسي قبل الرد , سنة كاملة تصور , الذين يعرفونني اليوم لا يتخيلون أني كنت إنسانًا غضوبًا , هم لا يتخيلون أني أغضب بتاتًا تصور هالة الغضب . ثم اشتغلت على القلق قرابة ثلاث سنوات – تصور ثلاث سنوات – لكنها كانت الطريقة الصحيحة . أعرف صديقًا لي وقع في نفس المشكلات التي وقعت فيها و أصابه قلق في الوقت الذي أصابني , هو اليوم يطلب مني الاستشارة بعد ست سنوات وأنا والحمد لله لا أعاني من أي أمراض أو أعراض قلقية , استطعت بعون الله أن أزيلها تمامًا بعد أن كنت قد فقدت أسرتي وصحتي وعلاقاتي , السبب أني سلكت طريق العزيمة و التغيير البطيء لكن الأكيد , بينما صاحبي العزيز أراد التغيير السريع بالدواء تارة و بغيره تارة .

إذن للتلخيص هناك خمس شروط مسبقه للتغيير الحقيقي :

·       الرغبة الأكيدة في التغيير .

·       المعرفة بالطرق الصحيحة للتغيير المطلوب .

·       التطبيق الصحيح .

·       البدء من الداخل .

·       الاستمرار و العزيمة حتى تحقق ما تريد .

دعنا الآن ندخل في الحديث عن كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاق ؟

تحدثنا عن ميزات شهر رمضان كشهر معين جدًا لبدء التغيير وتحدثنا عن التغيير وشروطه . دعنا هنا نضع طرقاً عملية في جعل رمضان شهرًا عمليًا للتغيير . سوف أستعرض ها هنا الطرق العملية , لذا فيستحسن منك أن تمسك قلمًا وورقة وتدون الطرق العملية ثم تبدأ فعليًا بالتطبيق وفورا :

1. خطط لما تريد : الأمر الأول هو أن تخطط حدد ما الذي تريد أن تحققه من خلال هذا الشهر الفضيل , ضع أهدافاً واضحة , حدد بالضبط الذي تريده , هذه المسألة ضرورية جدًا , أغلب الناس في مجتمعاتنا العربية وفي العالم الثالث لا يتعلمون التخطيط , الطفل لا يخطط , المدرسة لا تخطط , الإدارة في العمل لا تخطط , لا تعجب إذا قلت لك أن أغلب المحلات التجارية لا تخطط وهذا من العجب في التجارة. 

أسمع القاعدة تقول : إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل .

ما في خطة مكتوبة ... ما في نتائج ...

هناك أناس عندما تسألهم : هل تعرف ما تريد ؟

يقول : نعم .

تسأله : هل هذا الكلام مكتوب ؟

إذا قال لك: لا ...

أنا أعتقد خذها مني قاعدة هو لا يعرف ما يريد , دوّن ما تريد . أصدق مع نفسك , أخبر نفسك من خلال الكتابة بما تريد , ثم ذكر نفسك بقراءة ذلك دوريًا .

إذن أول أمر تفعله هو أن تجلس مع نفسك جلسة تبدأها في الاسترخاء ومعيناته، مثل الوضوء والصلاة ركعتين والمكان الهادئ وورقة وقلم , ثم أكتب الذي تود تحقيقه خلال هذا الشهر الفضيل . انتبه من كتابة ما تريد لا ما لا تريد , لا تكتب لا أريد أن تفوتني صلاة الفجر في الجماعة أو لا أريد أن أقلق أو التخلص من المشكلات الأسرية . بل قل أريد المحافظة على صلاة الفجر في جماعة , أريد الطمأنينة , أريد تحقيق حياة أسرية مستقرة نسبيًا وهكذا .

انتبه أيضا من إزحام نفسك , لا تزاحم نفسك بأهداف كثيرة , اجتهد في التركيز على أهداف معينة , إذن أبدأ أولاً بكتابة ما تريد تحقيقه .

2. أكد على رغبتك في التغيير : تذكر إن الرغبة هي أول شرط من شروط التغيير بعد أن تنتهي من جلسة التخطيط , قم بجلسة أخرى أو حدد وقت آخر وذلك لجلسة التأكيد فيها على الرغبة حتى تؤكد على الرغبة أجب على سؤال: لماذا :

لماذا تريد أن تحقق هذا الهدف ؟

أكتب لكل هدف من أهدافك سببًا أو أكثر . فلهدف صلاة الفجر في جماعة مثلاً , تكتب دوافع له : حتى أنال الأجر العظيم , حتى أقدم التضحية لله فيعينني ويبارك لي ويحببني , حتى أحصل على بركة توزيع الأرزاق في البكور وهكذا ...

في مثال أريد أن أكون مطمئنًا حتى أنجز أمورًا أكثر , حتى أسعد الآخرين لأن فاقد الشيء لا يعطيه , حتى أعيش يومي بسعادة , حتى أحقق نجاحات أكثر و هكذا .

قد يبدو لك أن بعض الأهداف ليست ذات أهمية بعد أن تحققت من دوافعها وأنك تريد أن تستغني عنها أو أن تعدلها أو أن تؤجلها , جيد أفعل ذلك المهم أن تستمر على ما أنت متأكد من رغبتك تجاهه .

3.ضع مقاييس لخطتك : بعد أن تؤكد على رغبتك وتذكر دوافعها , تأكد من وضع مقاييس لكل هدف , أجب على سؤال :

متى أعرف أنني حققت الهدف ؟

كل هدف من أهدافك أجب له على هذا السؤال متى أعرف أني حققت الهدف ؟, في مثال صلاة الفجر في جماعة سيكون القياس سهلاً لأنك تعرف ذلك , عندما تحضر صلاة الجماعة في المسجد نصف أو ثلثين الشهر مثلاً , طبعًا هذا يعتمد على وضعك الحالي , إذا كنت فعلاً ملتزمًا بصلاة الجماعة فلا داعي لوضع هذا الهدف أصلا , إذا كنت لا تصلي بتاتًا فتدرج , إذا كنت منتصف الطريق فكثف وهكذا .

متى تعرف أنك حققت الطمأنينة ؟ .. متى تناولت الأمور ببساطة , عندما أكون هادئًا في بيتي مع أولادي و أهلي

, عندما آخذ جلسة استرخاء كل يومين أو كل أسبوع مرتين مثلاً وهكذا .

4.حفـّظ عقلك الباطن ما تريد :العقل الباطن هو العقل المحرك لمعظم أمورك وتفكيرك بالتالي هو الذي يصيغ شخصيتك , العقل الباطن يعمل وفق أمرين :

- الأمور الجلية الواضحة .

- الروتين المتكرر .

يعني ذلك أن الشخص الذي يدرك الذي يريده و بوضوح , عقله يسيره تجاه هدفه ويسهل له الأمور , لذلك قل تبدأ في وضع خطة لما تريد وأجعلها إيجابية أي ما تريد , لأن الشخص الذي يحقق هدفه: "لا أريد أن أقلق" فهدفه غير واضح , ولذا فعقله الباطن تلقائيًا يقوده إلى القلق لأنه دائمًا يفكر فيه . الهدف الواضح مرة أخرى: "أريد أن أكون مطمئنًا" فعقله يعرف ما يريده الآن . الشخص الذي ليس لديه أهداف واضحة ومحددة فإن عقله الباطن يعمل وفق قاعدة الروتين , يعني استمرار الوضع على ما هو عليه حتى يستجد جديد

لتقود عقلك الباطن لما تريد حتى يحقق لك ما تريد قم بقراءة خطتك المكتوبة كل يوم ويحبذ أن تكون في بداية يومك أو قبل نومك.

العمل المطلوب إذن قراءة الخطة يوميًا خلال شهر رمضان , واقترح كذلك لبرمجة عقلك الباطن أن تجلس جلسة برمجة تتخيل فيها أنك حققت أهدافك هدفًا هدفًا , شاهد نفسك في عقلك كأنك تنظر إلى شاشة تلفاز أفعل ذلك كل يوم خلال فترة الشهر .

5. طبْق كل يوم : علماء الإدارة و الاقتصاد يذكرون أن الناجحين بعد أن يرسموا أهدافهم واضحة يبدءون بتطبيق شيء يوميًا , كل يوم طبق ولو مسألة واحدة فقط تعينك للوصول إلى أهدافك , كل يوم أفعل شيء لليوم للوصول إلى هدفك حتى ولو كان بسيطًا .

أنصحك بكتابة ما تود تحقيقه للغد ليلاً قبل أن تخلد للنوم أو كتابة ما تود تحقيقه اليوم في بداية اليوم . أ َضع بعض الوقت القليل لتوفير الوقت الكثير , الشخص المرتب والمخطط يوفر وقتًا كثيرًا أفعل أنت ذلك . مما أنصحك به أن تعمل جدولاً يذكر عدد المرات التي تود أن تطبق فيها حتى تحقق هدفك أو تكون وصلت إلى برمجة مرضية فيما تريد .

في مثال صلاة الفجر في جماعة يمكنك أن تكتب قبل أن تنام :

الاستيقاظ الساعة الرابعة مثلاً , النوم الساعة العاشرة , قراءة حديث عن فضل صلاة الفجر أو صلاة الجماعة , أخذ قيلولة في النهار بين الظهر و العصر .

في مثال الطمأنينة تكتب مثلاً :

جلسة استرخاء بعد صلاة العصر , عمل تمرين قانون الجذب، أو عمل تمرين غيره , قراءة عشرين صفحة من كتاب: كن مطمئنًا أو غيره إن شئت , أخذ نفس عميق في كل خبر سلبي تسمعه اليوم مع التفكير بطريقة إيجابية تفاؤلية وهكذا.

هذا كله مرة لليوم أو للغد , أختصر وزد وفقاً لإمكاناتك وما يسمح بهِ وقتك المهم أن تلتزم بتطبيق ولو شيء واحد نحو الهدف هذا فقط , حتى يتبرمج عقلك الباطن على الهدف أو الأهداف المرصودة .

6. استعن بالدعاء : من فضائل شهر رمضان كما أسلفنا أنه شهر رحمة مغفرة وفيه تكثر ساعات الاستجابة , كما أن الصائم له ميزة رائعة هو أنه يكون مجاب الدعوة , ففي الحديث الصحيح كما في صحيح الجامع الصغير قوله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده , ودعوة الصائم , ودعوة المسافر" , ورغم أن كل دعاء مستجاب كما في الحديث إلا إن دعوة الصائم لها الخاصية والأولوية , فاستعن بالدعاء خاصة في أوقات الدعاء وأنت صائم أو أوقات الليل وأنت قائم .

وأهدي لك طريقة إبداعية في الدعاء : ضع كل أهدافك التي تود تحقيقها في ورقة , ثم قل :" اللهم حقق لي أهدافي التي كتبتها " , و ألح في الدعاء , يا سلام , ولا تبخل من إشراك الأمة الإسلامية في دعائك . لو كلنا دعونا " اللهم لا يأتينا العام المقبل إلا وقد  بشرتنا بالعزة والنصر " , قل الآن " اللهم اجعل عامنا المقبل عام بشرى بالعزة والنصر لنا ومتعنا بأعمالنا حتى نرى نصر ورفعة أمتنا " آمين ... اللهم آمين ...          

7. قوِّم ثم انصب وإلى ربك فأرغب : بعد أن تنتهي من الشهر الفضيل وتطبيق ما رسمته في الخطة , أجلس مع نفسك جلسة تقويم , أحسب الذي حققته في خلال هذه الفترة , إذا حققت 50% أو أقل فارسم خطة أقل ثم أبدأ من جديد . لا يأس مع الحياة أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في القاعدة النفسية الجليلة :     " استعن بالله ولا تعجز " . قم فأبدأ من جديد , الذي يخطط ولا يحقق كل ما خطط له خير من الذي لا يخطط بتاتًا , إن الذي لا يخطط لا يصل أصلاً . إذا حققت 51% إلى 70% فهذا جيد وأنت من المنجزين والمحققين لأهدافهم وسوف تحقق في سنوات بسيطة ما لم تكن تحلم به , إذا حققت أكثر من 70% فأنت من المتميزين والمنجزين بكثرة .

في مثال صلاة الفجر في جماعة لو أنك صليت الفجر في جماعة 15 مرة في شهر رمضان وأنت غير معتاد على صلاتها في جماعة فهذا جيد وأنت مُنْجز , إذا صليت أكثر من 21 مرة فأنت متميز وقوي الإنجاز .

في مثال الطمأنينة فلو أنك جلست 7 جلسات استرخاء من 12 جلسة أي 3 أسبوعيًا خلال شهر رمضان المبارك فقد أنجزت جيدًا , ولو أنك أنجزت أكثر من 9 جلسات فأنت متميز وهكذا .

قيم إنجازاتك إذا حققت أقل من 50% فحمس نفسك من جديد وأبدأ مرة أخرى , إذا حققت أكثر من 50% فكافئ نفسك دائماً كافئ نفسك في الإنجاز ...

... ولا تنسى أن تسجد لله شكرًا ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين