إلا أنْ تتقوا منهم تقاة

 

الدكتور عثمان قدري مكانسي
أقرأ الآية الكريمة   لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) وأحاول أن أرى ظلالها في واقع المسلمين اليوم ، فأرى الناس ينقسمون فسطاطين في فهمها والعمل بها . فالمخاطب المؤمنون والمحذر منه الكافرون والمحَدّث عنه – الموضوع المطروح – موالاة الكافرين ، إن الموالاة حب وإعجاب ومتابعة . فهل يُتَصوّر من مسلم أنْ يحمل لمن كفر بمعتقده وحاربه فيه وضيّق عليه بسببه الحبَّ والاتّباع ؟! . ويفضّله على المؤمن مثله أو يكون له عوناً على أخيه المؤمن؟ كما نرى – عياناً – في هذا الزمن الذي انقلبت فيه الموازين وغُمّ على الكثير منهم حقيقة الإيمان والتصرف المناسب لمن يحمل أعظم دين وأصحّ معتقد؟!
ولنقرأْ الكلمة الأولى في هذه الآية المباركة لا يتـّخذِ ، إنه فعل مضارع مسبوق بـ لا الناهية ، فجعلته نهياً يدل على الاستمرار إلى نهاية المطاف ، هذا النهي من الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، فالموالاة كما ذكرت آنفاً حبّ يمتزج بالقلوب ، وإعجاب يخالط النفوس ، واتّباع حذو القُذّة بالقُذّة فإذا انقلب الكافر المخالف لك ديناً وحياة وسلوكاً حبيباً وصديقاً وأسوة فقد تغيرت المفاهيم ، واختلط الحابل بالنابل فصار المؤمن عدواً والمنافق صديقاً والكافر حبيباً ...
ثمّ يأتي الوعيد من الله تعالى إذ يقول :   ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء فمن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله ، ألمْ يوضح الله تعالى الأمر حين ذكر أنّ هؤلاء أعداءُ لله ؟ ومن كان لله عدواً لله فهو عدو للمؤمنين ، هكذاً ينبغي أن يكون المؤمنون ، دائماً في صف الله ومع الله ، فهم أولياؤه سبحانه ، ومن كان ولياً لله تعالى لم يُوالِ غيرَه وغيرَ أوليائه ، وإلا تاه عن الطريق وسقط في الفتن يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة - إلى أن قال - ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل 
بل إننا نجد المولى سبحانه وتعالى حين يحذر المؤمنين من موالاة الكافرين يهدد المخالفين منهم ، ويخوّفهم من غضبه . ومتى يغضبُ الله تعالى ؟ إنه يغضب حين تُنتَهَكُ محارمه ، فينتقل الموالون إلى صف الأعداء درَوْا أم لم يدروا . يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا فماذا يبقى للمؤمنين من خير إذا وضعوا أنفسهم تحت سوط التهديد الإلهي ووعيده سبحانه ؟! .
بل إن المسلم حين يوالي غير المسلم ويتخلى عن موالاة إخوانه المؤمنين ويضع نفسه تحت تصرف اليهود والنصارى الذي يحاربون الإسلام والمسلمين فقد انتقل إلى الصف المغاير وصار جزءاً منهم معادياً لمن كان معهم من المؤمنين ، وتمعّن أخي المسلم بهذه الآية الفاصلة المقررة لذلك يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم . نعم فإنه منهم ، وبهذا خرج من بوتقة المسلمين ، فهل يرضى المسلم ذو العقيدة الناصعة أن يترك الماء الزلال إلى غيره من الشوائب والفساد ؟!
فمن خاف في بعض البلدان والأوقات من شر أعداء الله ، ولم يستطع مجاهرتهم والوقوف أمامهم فله أن يتقيهم بظاهره دون باطنه ونيته ، دليلـُه ما روى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال : إنا لنكشر ( نضحك ) في وجوه أقوام ، وقلوبنا تلعنهم . وهذا تنبيه إلى أن التقية واضحة المعالم ، فهي في اللسان لا في القلب والعمل ، قال ابن عباس : ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان ، ويؤيد هذا المعنى قولُ الله تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان هذه الآية التي نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه حين عذبه المشركون إلى أن عرضوا عليه صرصاراً وقالوا هذا ربك ، فقال نعم ، فتركوه ، فانطلق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي ويشكو مستغفراً . فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : أقالها معتقداً أم تقية ؟ فأجاب : بل لم تتعدّ اللسان يا رسول الله ، فيطمئنه النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً فإن عادوا فعُد .
ونسأل أنفسنا سؤال الخائف الحذر من تحذير الله تعالى حين يقول ويحذركم الله نفسه مِمّ يحذرنا الله تعالى إن جانبنا الصواب ، فانتقل البعض إلى موالاة الكافرين ؟ إن سبحانه يحذرنا نقمته في مخالفته ، وسطوتـَه وعذابَه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه. .. ومن يقدر على غضب الله تعالى ... نعوذ بالله من غضبه ونقمته ، ونسأله العفو والرضا .
والعاقل من يتعظ بمن سلفه فماتوا ، أو بمن صبّ الله عليهم نقمته فشقـُوا ، وليسألِ المرءُ نفسه : إلامَ النجاة في الدنيا ، وليست الدنيا دار نجاة .. وإلى من نعود بعد هذه المسيرة القصيرة في هذه الحياة الفانية ؟ فيأتيه الجواب سريعاً قولاً من العاقلين ، وحالاً مما تراه ونسمعه ونلمسه وإلى الله المصير فإليه – سبحانه- المرجع والمنقلب ليجازي كل عامل بعمله، فمن نجا فقد سعد ، ومن هوى فقد تعس ....
فعلام يضيّع الجهلة من الخونة والعملاء أنفسهم في خدمة العدو وإرضائه ، وهم في ذلهم يتمرّغون فلا يربحون الدارين ، إنهم في الدنيا أذلاء وفي الآخرة أشقياء

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين