مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر ـ11ـ

 

مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر
-11-
 
العـروبة والإسـلام
تاريخ وأفكار ومراجعات
 
 
 
بقلم:
د. موسى إبراهيم الإبراهيم


 
بين يدي الدراسة
المصطلحات
معادن العرب
العرب في القرآن الكريم
القومية العربية: النشأة والتطور
القومية العربية: الأفكار والمعتقدات
القومية العربية والمراجعات النقدية
العروبة والإسلام في فقه العلماء المسلمين المعاصرين
- أولاً: الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.
- ثانياً: الشيخ عبد الرحمن بن باديس رحمه الله.
- ثالثاً: الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله.
- رابعاً: الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
النتائج والتوصيات
 


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، أحمدك حمد الشاكرين لنعمائك، الراضين بقضائك، وأسألك من فضلك العظيم المغفرة والسداد والتوفيق.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل لنا أمورنا واشرح لنا صدورنا وارزقنا الإخلاص لك في سائر أقوالنا وأفعالنا ونياتنا وأحوالنا يا رب العالمين.
اللهم فقهنا في الدين ويسر لنا سبل العلم والتعليم وألهمنا الحكمة في القول والرشد في الرأي والاستقامة على الحق يا أرحم الراحمين.
 
بين يدي الدراسة
تأملات نقدية
إن الحديث عن العروبة والإسلام حديث ذو شجون، تتداخل فيه الرؤى وتتعدد فيه النظرات والاجتهادات، وتؤثر في توجيهه البواعث والخلفيات التي ينطلق منها المتحدث والكاتب والمنظّر للموضوع.
كما أن طبيعة المرحلة التي يُتحدث فيها عن هذا الشأن لها آثارها المقدرة على توصيفه وتحديد أبعاده ومراميه وآفاقه.
غير أن جميع ذلك يجب أن يكون وفق الضوابط والموازين الشرعية وأصول البحث العلمي، وفي إطار الثوابت التي تحكم المنظومة الفكرية والثقافية للأمة الإسلامية، والعرب جزء أصيل من هذه الأمة ديناً أو انتماءً حضارياً على أقل تقدير.
ومن هنا فقد مرت هذه القضية – العروبة والإسلام – بمراحل مختلفة ومناخات كانت غاية في الارتباك والارتياب، وخاصة في العصر الحديث الذي ارتفعت فيه رايات الوطنية والقومية العربية لاهثة وراء الفكر الوافد من هنا وهناك منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين.
إنها مرحلة الصراع بين التيارات الدينية والتيارات القومية التي تبنت العلمانية منهجاً وسبيلاً بعيداً عن الدين وفطريته وواقعيته ومنهجه الذي تربت عليه الأمة أربعة عشر قرناً، كان وحده الموجه والمربي والمعلم والقائد والراعي لمسيرتها الحضارية الراقية.
واليوم ومنذ نهايات العقدين الأخيرين من القرن العشرين يبدو للناظر في أحوال الأمة أن تغييراً ما قد حدث في الفكر القومي ورجالاته من حيث نظرتهم للإسلام وللتيارات الإسلامية التي أثبتت وجودها في الساحة بعد أن فشلت الشعارات المختلفة التي قادت الأمة قرناً من الزمن أو يزيد.
نعم، يظهر أن تغييراً قد حدث وأن انعطافاً نحو الرشد قد وجد عند الكثيرين من دعاة القومية العربية – وخاصة من هم في صف المعارضة السياسية – .
والأمر في اجتهادي لم يستقر بعد على حالة ثابتة، وإنما هي مرحلة مخاض تعيشها الأمة اليوم، فنرجو لها أن تتمخض عن وعي أصيل ورشد حقيقي يحمل الجميع على التفاهم على الثوابت من القيم والمبادئ التي أوجدت هذه الأمة – العربية والإسلامية – وجعلت لها شأناً في التاريخ القديم والحديث.
إنها أمنية نرقبها عن كثب وندعو الله أن يلهم قومنا السداد في الرأي والعزيمة في الرشد ليقف الجميع على جادة سواء فيعمقوا لهذه الأمة أصالتها ويرتقوا بها في معارج التجديد الواعي الذي يثمر أمجاداً وحضارة كانت ملكنا يوماً ما ثم نزعت منا يوم تقهقرنا وتفرقنا وفقدنا هويتنا وصرنا نلهث وراء السراب.
 
المبادئ أولاً:
والقضية تعتمد أساساً على تحرير المبادئ والمفاهيم لتنطلق الأمة وفق عقائد راسخة وقيم راقية ومبادئ سامية، تبعث فيها الأمل والحياة وتحملها على التضحية والفداء في سبيل التقدم والانتصار.
 
لا المصالح وحدها:
ولا يكفي بحال أن تجتمع الأمة على مصالح متوهمة ولا على خطط تكتيكية مؤقتة، فالمصالح سرعان ما تتبدد وتتلاشى، وعندما يحق الحق يعود الناس إلى قيمهم وأفكارهم ومبادئهم الثابتة، وهي التي تحملهم على الإقدام أو الإحجام.
إننا نسمع هذه الأيام مقولات كثيرة يروج لها أناس يخدمون أعداء هذه الأمة بقصد أو بغير قصد، مقولات تتحدث عن أن الزمن اليوم زمن المصالح لا زمن المبادئ، وأن الناس يلتقون على مصالح تجمعهم بغض النظر عن المبادئ والأفكار التي يحملونها، وأنه علينا أن لا نجمد عقولنا على القديم، ويجب أن نطور من مفاهيمنا لنعيش عصرنا، وإلا فسيتجاوزنا التاريخ... إلى غير ذلك من فلسفات صار يرددها حتى بعض المنتمين إلى التيارات الإسلامية!!!
وأقول تجاه ذلك: إن هذه المزاعم والمقولات يتداخل فيها الحق بالباطل، والخطأ بالصواب، وهي مقولات بحاجة إلى تحرير وتمحيص لئلا يتوهم فيها، ولئلا تضيع الأمة وراء ضبابية هذه الأوهام.
وتوضيح ذلك بإيجاز شديد أن نقول:
إننا نحن المسلمين نفقه جيداً لغة التعامل مع الآخرين حتى الأعداء منهم، وإنه لا مانع عندنا أن نتعامل مع عدونا وفق مقولة "مصالح بمصالح" لنحقق من وراء ذلك ما يخدم منهجنا وخياراتنا وأهدافنا الكبرى في الحياة.
أما أن نتعامل مع الآخرين وفق مقولة "مصالح بمبادئ" بمعنى أن نطلب تحقيق بعض المصالح مقابل التخلي عن المبادئ والقيم والثوابت فهذا مرفوض ولا كرامة لمن يساومنا عليه.
كل هذا مع أعدائنا الذين نعيش معهم ظروف الصراع والتدافع، أما في المناخ الداخلي – العربي والإسلامي – مناخ الأمة الواحدة والعقيدة الواحدة والقيم الواحدة، أما هنا فلا يجدي الاجتماع على المصالح وحدها أبداً أبداً.
 
إننا يجب أن تجمعنا المبادئ والعقائد والقيم والثوابت إذا أردنا أن نرقى بأمتنا ونخلصها من تمزقها وجهلها وتخلفها.
إن خيار مصالح بمصالح هو خيار الأعداء زمن الهدنة مهما طالت؛ أما أبناء الأمة الواحدة فخيارهم المجدي أن يكونوا على قلب واحد وفهم واحد وهدف واحد حتى يتم التغيير والإصلاح.
 
التقارب بين الإسلاميين والقوميين
وهنا يتساءل المتأمل في مسيرة الحياة اليوم: هل التقارب بين التيارات الإسلامية والقومية تقارب مصلحي ريثما يصل الجميع إلى الغنيمة فيتقاتلون عليها ويشهرون حرابهم لأجلها؟؟ وهنا تقع الكارثة، لاسيما وقد عرف بعضهم بعضاً عن قرب !!
أم أنه تقارب يقوم على الأسس والثوابت؟ وعندها ينتظر منه أن يعيد الأمة إلى رشدها ويعود بها إلى مكانتها الريادية بين الأمم (كنتم خير أمة أخرجت للناس).
إننا من جانبنا نحن – التيار الإسلامي في الأمة – ندعو قومنا وأبناء أمتنا العربية والإسلامية إلى لقاء الأفكار والمبادئ والقيم، ونؤكد لهم أن العروبة والإسلام لا يمكن أن ينفصما، وأن الإسلام يعرف للعرب فضلهم ومعدنهم وأصالتهم، ويكفي العرب فخراً أن الإسلام وجد في بيئتهم وانتشر في العالم على أيديهم وبلسانهم.
فلنكن صرحاء من أول الطريق ولننظر للمستقبل من خلال تراكمات الماضي وتعثرات الحاضر، ولنتحرر من الأسر الفكري، ومن الولاءات الخفية التي لا تريد لهذه الأمة خيراً، وعند ذلك نكون قد خطونا الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح.
إنني أتوجه بهذا الكلام إلينا جميعاً عرباً ومسلمين، ويوم تصدق النوايا يجمع الله الشمل ويوحد الكلمة والصف، وينزل نصره على عباده الصادقين.
وإلا فإن الوقت ثمين، ولا ينبغي إضاعته بالأحلام والأماني التي لا تقدم ولا تؤخر.
والآن إلى بداية دراستنا لقضية العروبة والإسلام مستعينين بالله وحده، فمنه العون والتسديد وعليه التوكل والاعتماد، والله أعلم.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين