المرأة عند الرومان - المرأة في الماضي
المرأة عند الإغريق
بقلم: حاتم الطبشي
 
ولكن إذا أمعنا النظر في عصرهم الأول، وجدنا أن حالة المرأة فيه كانت غايةً في الانحطاط في جميع مجالات حياتها فلم يكن لها في ذلك المجتمع منزلة أو مقام كريم ، بل كان يعتقد أن المرأة هي سبب جميع آلام الإنسان ومصائبه ، وأنها مخلوق في الدرك الأسفل من المكانة ، لذلك فقد كانت في غاية المهانة والذل وإهدار الكرامة ، إلى حد أنهم كانوا لا يجالسونها على مائدة الطعام ، وبالأخص إذا كان عندهم ضيوف غرباء ، فشأنها شأن العبيد والخدم .
استمر الأمر هكذا ، ثم تبدلت الأحوال ، وارتفعت مكانة المرأة في المجتمع ، وأصبحت أحسن حالاً ، وأرفع منزلةً من ذي قبل ، حيث أصبحت ربة بيت ، لها فيه نفوذٌ تام ، وكان عفافها وشرفها من أغلى وأنفس ما يُملك ، ومما ينظر إليه بعين التقدير والتعظيم ، وكان يعد زواج المرأة وملازمتها لزوجها دون غيره من أمارات النجابة والشرف .
وكانوا ينظرون إلى حياة العهر والدعارة والفجور : نظرة كره وازدراء ، هذا في عصر كانت الأمة اليونانية في أوج مجدها وعنفوان قوتها وشبابها ، وكان ما عندهم من مفاسد خلقية منحصرة في نطاق محدود .
ثم جعلت الشهوات النفسيَّة تتغلَّب على أهل اليونان ، ويجرفهم تيار الغرائز البهيمية والأهواء الجامحة فتبوأت العاهرات والمومسات مكانةً عالية في المجتمع لا نظير لها في تاريخ البشرية كله ، وأصبحت بيوت العاهرات مركزاً يؤمه سائر طبقات المجتمع ، ومرجعاً يلجأ إليه الأدباء والشعراء والفلاسفة .
ثم زادهم حبهم للجمال والافتتان به تمادياً في الغي ، وارتطاماً في حمأة الرذيلة ، وأضرم في قلوبهم ناراً للشهوة لا تخمد .
فالتماثيل العارية - والتي تفننوا في إتقان صنعتها – كانت هي التي تحرك فيهم الشهوات دائماً ، وتمد في غرائزهم البهيمية ، ولم يخطر لهم ببال أن الاستسلام للشهوات شيء ذميم في قانون الأخلاق ، كما أن الاندفاع وراء تيار الأهواء عار وهجنة .
وتبدلت مقاييس الأخلاق عندهم إلى حدٍ جعل كبار فلاسفتهم وعلماء الأخلاق عندهم لا يرون في الزنى وارتكاب الفحشاء غضاضةً يُلام المرء عليها أو يُعاب .
وقد صاحب هذا التحول في الفكر صياغة الأساطير حول المرأة ، كما اتخذوا إلهاً للحب أسموه : الإله كيوبيد إله الحب ( KUPID ) ، وأصبح عامة أهل اليونان ينظرون إلى عقد الزواج نظرة لا مبالاة وعدم احترام ، لأن المرأة أصبحت عندهم في متناول كل يد ، وباستطاعة أي رجل أن يخادنها علناً دون خوف أو وجل ، ودون عقد ولا نكاح([2]).
استمر الأمر بهم على هذا المنوال ، وأحجم كثير من الناس عن الزواج هرباً من الارتباط العائلي وتحمل مسؤولياته وتبعاته .
 وكانت انعكاسات هذا الانحلال الخلقي ، والفساد الاجتماعي ، وتقطع الروابط الأسرية في غاية السوء ، وفي كل يوم يمر ينهدم جزء من هذه الحضارة العريقة ، حتى بادت بعد أن سادت ، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك :
" سنة الله في الذين خَلَوْا من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً " صدق الله العظيم


[1] - اليونان : هو الاسم الحديث المعرب للإغريق ، وما يزال اسمهم باللاتيني : GREEC ، والذي يشكل الاسم القديم .
 
 -[2] الحجاب للمودودي ص : 17 ، نساء حول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ص 16 ، تأليف : محمود مهدي استانبولي و مصطفى أبو النصر شلبي ، الطبعة السابعة 1419 - 1998 ، مكتبة السوادي ، جدة .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين