بيان من اللقاء العلمائي في طرابلس لبنان بشأن الوضع في سورية

سم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: }وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء:93]. وفي الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) رواه مسلم. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فقد شهد العالم العربي في الآونة الأخيرة أحداثاً جساماً ومتلاحقة، تجري على أرضه من اشتعال للثورات وقيام للانتفاضات من قبل الشعوب المقهورة في ليبيا واليمن وسوريا التي رزحت تحت ظلم الأنظمة الحاكمة عقوداً من الزمن، وقد قوبلت هذه المطالبات الشعبية السلمية بشتى أنواع القتل الوحشي والقمع الهمجي، وهال علماء طرابلس والشمال خطورة الوضع في سورية التي تربطنا بشعبها روابط متينة في الإخوة والجوار، حيث بلغ عنف النظام مع شعبه مرحلة وصلت إلى حد جرائم الحرب، خاصة ما حصل ويحصل في منطقة درعا المحاصرة وبانياس وحمص ودوما وسائر المناطق السورية والتي تشهد هجوماً بالدبابات والمدرعات وانتشاراً لقوات الأمن والحرس الجمهوري والجيش والشبيحة وإطلاقاً عشوائياً للرصاص والقذائف على الشعب الأعزل براً وبحراً، وانتهاك حرمات المساجد واعتقال العلماء وقطعاً للماء والكهرباء وسائر مقومات الحياة من خبز وحليب أطفال وأدوية وغيرها.
كما وهال العلماء ما يجري على أرض سورية الحبيبة من تعذيب وإهانة لكرامات الناس والاعتقالات للأطفال والنساء والعجائز فضلاً عن الشباب والرجال ومنع الجرحى من الوصول إلى المستشفيات والإجهاز عليهم إذا وصلوا أو اعتقالهم وغير ذلك من التصرفات المسعورة المشينة من نظام ظالم لشعبه لا يقبلها دين ولا خلق ولا عرف ولا قانون حتى وصل بهم الأمر إلى قتل النساء.
وأمام هول ما جرى وما يجري في سوريا فإن اللقاء العلمائي يعلن ما يلي:
أولاً:   هنيئاً لأهل الشام دعوة النبي e لهم بالبركة في قوله: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا) رواه الترمذي، ونذكر بما ورد عنه e في فضل الشام ومنه ما ورد في الصحيحين عن معاوية عن النبي e أنه قال: (لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ معاذ: (وَهُمْ بِالشَّأمِ)، وفي الترمذي عن زيد بن ثابت t عن النبي e أنه قال: (طُوبَى لِلشَّامِ فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَاِ) فالشام حاضرة الإسلام كانت وستبقى بإذن الله تعالى.
ثانياً:   إن اللقاء العلمائي في طرابلس والشمال يقف قلباً وقالباً مع الشعب السوري المظلوم ويؤيد تحركه المبارك ومطالبه المحقة ويستنكر أشد الاستنكار ما يمارسه النظام في سوريا من جرائم ضد أبناء شعبه الأعزل.
ثالثاً:   لقد أصبح من المستهجن محاولة زج النظام عبر إعلامه الموجه لأسماء بعض الحركات والجماعات والتيارات الإسلامية اللبنانية وغيرها في ما يجري من أحداث في الداخل السوري وذلك لكسب التعاطف الدولي وتوطئة لارتكاب مجازر أوسع من التي شهدناها ونشهدها.
رابعاً: إن اتهام المظاهرات وتحركات الشعبية السلمية التي تجري في سوريا بالعمالة والارتباط بالخارج لم يعد ينطلي على أحد، فمسألة دولة الممانعة والصمود والتصدي لا تصلح لتبرير الاستبداد والقهر، والتي لم نر لها أثراً في الجولان ولا في غيره.
خامساً: إن ادعاء النظام السوري أنه مستهدف من قبل عصابات مسلحة متمردة هو من باب ذر الرماد في العيون، ولكن هذه الأساليب لم يعد يصدقها حتى الصبيان وخاصة بعد رؤية العالم بأسره لمشاهد القتل والتعذيب وصور القمع والترويع للأهالي في معظم المدن السورية.
سادساً: يدعو اللقاء رجال الأمن وأفراد الجيش في سوريا إلى الوقوف مع أبناء شعبهم المنتفض وحمايتهم من بطش عصابات النظام إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
سابعاً: يبارك اللقاء جهود العلماء الأحرار الذين يقفون إلى جانب الحق ويدعو بقية العلماء إلى نصرة المظلوم وعدم مؤازرة النظام الذي فعل ويفعل من الإجرام ما هم بالغنى عن تذكيرهم به، كما يدعو حكام العرب والمسلمين والشعوب الإسلامية وأحرار العالم لمزيد من التحرك الفاعل لوقف مسلسل الإجرام ضد الشعب السوري الأعزل، كما يدعو اللقاء العلمائي المسلمين جميعاً إلى مؤازرة إخوانهم في سوريا فيما يمرون به من فتنة عظيمة ومحنة عصيبة وتقديم يد العون إليهم والوقوف إلى جانبهم لمساعدتهم ودعمهم بشتى السبل المشروعة كل بحسبه والدعاء لهم.
ثامناً: يدعو اللقاء جميع الحقوقيين وناشطي حقوق الإنسان وجميع العاملين في هذا الحقل لإعداد ملف جنائي لجرائم النظام في سوريا.
تاسعاً: يدعو اللقاء جميع العاملين في الحقل الإعلامي إلى كشف وتوثيق جرائم النظام وعرضها أمام الرأي العام العالمي والإسلامي وفضح التركيبات المفبركة والتلفيقات الإعلامية الساقطة لهذا النظام وحلفائه.
عاشراً: قرر العلماء المجتمعون إبقاء جلساتهم مفتوحة لمتابعة الأحداث الجارية ومراقبة التطورات لاتخاذ المواقف المناسبة، وتبنوا بالإجماع البيان الصادر عن رابطة العلماء السوريين والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وبيان علماء المملكة العربية السعودية وعلماء حمص.
وأخيراً نسأل الله تعالى أن يعجل لشعب سوريا الفرج وبأن يولي عليهم خيارهم ويكف عنهم بأس شرارهم إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللقاء العلمائي في طرابلس والشمال
الأحد في 5/6/1432هـ 8/5/2011م

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين