الله. سورية. بشار وبس!

عصام العطار

كُتِبَ هذا المقال في أوائل أيام الانتفاضة السورية
 
عَلِمَ اللهُ أنّني لا أريدُ بهذه السطور التي أكتبُها الإساءةَ إلى أحد، أو إيلامَ أحد ؛ إنّما أريد بها أن أُسهم في توضيح الأزمة القديمة الجديدة التي تشتعلُ نارُها في سورية الآن، وتهدّد الوطن والمواطنين بشرٍّ مستطير، فالرؤيةُ الواقعية الأمينةُ الواضحةُ ضرورةٌ من ضرورات الفهمِ الموضوعيّ السليم، واكتشافِ الحلول الموضوعية المناسبة، والتوافق مِنْ ثمَّ على هذه الحلول إذا خلصت النوايا والمقاصد، ولم تتحكّم في النفوس والتصرّفات الأجنداتُ الخفية، والمنافع الفردية والعائليةُ والطائفية، والأهواءُ الْمُضِلَّةُ الْمُرْدِيةُ من وراءِ شعاراتِ الوطن ومصلحة الوطن وخدمة الوطن.
 
ولا أريدُ أن أَغرَقَ وأُغرِقَ القراءَ في تفاصيل الشكاوى والمطالب، على أهمية هذه الشكاوى والمطالب، ولا أن أَقِفَ وأسْتَوْقِفَ القراءَ على الهوامشِ وهوامشِ الهوامش ؛ وإنما أريدُ أن أمسَّ جوهرَ المشكلةِ الذي يتفرّعُ عنه ويرجعُ إليه جُلُّ الخلافات والمشكلات: (الله. سورية. بشار وبس) فهذا الشعارُ يضعُ أيدينا بكلّ وضوح على جوهر المشكلة التي تعاني بلادُنا من تداعياتها وآثارها ما تعانيه من القهر والاستبداد والفساد والاستئثار والاستعباد والتوَجُّس على كلّ صعيد
 
هذا الشعار: (بشار وبس) هو الآن شعارُ الدولة وحاكِمُهَا الواقعيّ من أقصاها إلى أقصاها، في مختلف المناطق والمدن والقرى والمناسبات، على أدنى المستويات وأعلى المستويات، وليس مجرّدَ هتاف لبعض الناس في بعض الأوقات هنا أو هناك
 
تأليهُ الفرد، عبادةُ الفرد، دكتاتوريةُ الفرد هي فلسفةُ وركيزةُ النظام القائم، وأصحابِ النظام القائم، والمنتفعين بالنظام القائم، والمرائين أيضاً والمنافقين والإمَّعَاتِ الذين يهتفون لكلِّ نظام وزعيم.. مع أن الفرد وعبادتَه -مهما كان- شيءٌ عَفَّى عليه الزمان، ولم يعد يُذْكَرُ إلاّ للإنكار والسخرية والإضحاك
 
(بشار وبس) التي يُرَسِّخُها و(يُطَوِّبُها) النظامُ الآن، والتي أصبحت فلسفتَه وشعارَه وهتافَه على جميع المستويات.. بشار وبس هذه لا تُلْغي حرياتِ الشعب وحقوقَه فقط ؛ ولكنّها تُلغي الشعبَ كلَّه، فليس هناك إلاّ بشار، لا أَحَدَ معه، ولا أحدَ غيره، ولا لُزوم لأحدٍ سواه!!..
 
هل هذا جهلٌ وغباء أو تخلّف وسخف من أصحاب السلطة والنظام، والكامنين أو البارزين المعروفين أو المجهولين وراء أصحاب السلطة والنظام؟ كلاّ؛ ولكنهم يعلمون حَقَّ العلم أنهم لا يستطيعون أن يحتفظوا بأجَنْداتهم، وسلطتهم وسلطانهم، ومنافعهم ومكاسبهم.. إلاّ بالاستناد إلى حكم دكتاتوريّ راسخ مهيمن مستمرّ، يُمَكِّنون له بمختلف الوسائل، ويحيطونه بهالات مصطنعة من التعظيم والإعجاب، ويتفنّنون في اختراع دواعي تحميده وتمجيده واستمراره في الحكم. ونحن نعلم من قراءة التاريخ أن كهنةً ومستغلّينَ كثيرين كانوا وراءَ معابد ومَزَارات، وأنّ حركات سرية خفيّة حقّقت أهدافها وأغراضها من وراء واجهات وواجهات تُخفي هذه الحركات
 
لم يولد شعار أو هتاف: (الله. سورية. بشار وبس) بعد أن تولّى بشار الحكم، أو اكتسب شيئاً من ثقة الناس وتقديرِ الناس؛ ولكنه -أي هذا الشعار والهتاف- بدأ قبل أن يدخل بشار عالم السياسة والحكم أصلاً، قبلَ أن يعرفَ الناسُ خيرَه من شرّهِ، وقدرتَه من عجزِه، واستقامتَه من عِوَجِه.. كان لا بدَّ أن يقام دكتاتور تستمرُّ به سلطةُ كهنةِ المعبد، ومصالحُ أرباب النظام وأتباعه وأتباع الأتباع!
 
نحن ببساطة نرفض إلغاءَ الشعبِ وحريةِ الشعبِ وحقوقِ الشعب، ونريدُ أن تُرَدَّ إلى الشعبِ سيادتُه وحقُّه الأصيل المشروع في اختيار ممثليه وحاكميه عن طريق انتخاب حرّ نزيه بإشراف حياديّ نزيه، لا يتحكّم أربابُ السلطةِ والسلطان الآن بإجراءاته وعملياته ونتائجه، ولا يحتكرون فيه لأنفسهم وحلفائهم وأتباعهم ظلماً وعدواناً بقوة الدستور والقانون الفاسدِ وسلطانِ السلطةِ والحكم أكثرَ مقاعدِ مجلس الشعب فلا يكون هنالك تغيير، ولا إمكانٌ لتغيير
 
هذا هو في تقديري جوهرُ الأزمة والمشكلة، وما سواه فأكثره من النتائج والآثار
لا أعرفُ بشار الأسد معرفة شخصية، ولكن هناك من يعرفه ويحسن به الظنّ ؛ فهل يكون بشار الأسد هو أنسب وأرجى مَنْ يغيّرُ هذا الواقع، ويَخْرُجُ بالبلاد من هذا الوضع الغريب العجيب، ويفتحُ لها أبوابَ الحريةِ والديمقراطيةِ والوحدةِ، والتقدّمِ الحقيقيّ في مختلف المجالات؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين