السخرية والاستهزاء

للشيخ ناجي الطنطاوي

 هناك مثل يقول: (من يضحك أخيراً يضحك كثيراً). يضرب هذا المثل لمن يسكت على استهزاء الناس به بسبب ضعفه فإذا صار قوياً قابل الاستهزاء بمثله، كالطالب النشيط المجد المجتهد ينكب على القراءة والمراجعة والدراسة آناء الليل وأطراف النهار بهمة قويةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ فيأتي رفيقه المهمل الكسول ويضحك منه ويهزأ به على هذه الهمة النادرة والعقل الكبير، ويحتمل الأول هذه السخرية صامتاً ساكتاً حتى إذا انتهى الامتحان وظهرت النتيجة بفوز هذا ورسوب هذا ، وجد الفائز المجال واسعاً للضحك على رفيقه ومقابلة السخرية بمثلها.
 
وقد ورد مثل هذا المعنى في القرآن الكريم في تصويرٍ جميلٍ وعرضٍ بديعٍ، فقد كان بعض رؤساء المشركين مثل الوليد بن المغيرة والعاص بن هشام يضحكون على بعض المستضعفين من المسلمين، مثل صهيبٍ وبلالٍ وخبابٍ، ويسخرون بهم ويتغامزون عليهم بأعينهم ويقولون، إن هؤلاء لضالون ، فذكر الله سبحانه أنه إذا جاء يوم القيامة جاء دور المؤمنين فيضحكون من الكفار كما سبق أن ضحك هؤلاء منهم في الدنيا. قال تعالى في سورة المطففين[إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ(29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ(31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ(32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ(33) فَاليَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(35) هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36) ]. {المطَّففين}.  أي: هل جوزي الكفار بعملهم في الدنيا من السخرية والاستهزاء.
 
قال المفسرون: توجد بين الجنة والنار كوىً ـ يعني فتحات وطاقات ـ فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو له كان في الدنيا اطلع من بعض هذه الكوى. وهذا معنى قوله تعالى : [فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ] {الصَّفات:55} قالوا: يفتح للكفار باب جهنم من الجنة ثم يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار ، ويكون المؤمنون جالسين على الأرائك ينظرون، فإذا وصل الكفار إلى باب الجنة سُدَّ في وجوههم فيضحك المؤمنون منهم.
 
وقد نهى الله سبحانه عباده المؤمنين عن الاستهزاء والسخرية في الدنيا فقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {الحجرات:11} والمقصود هو التحقير وذكر العيوب والنقائص أو التقليد باللفظ أو الإشارة، أي: لا تحتقر أيها المؤمن غيرك فلعله يكون خيراً منك عند الله ، وقبل أن تنظر إلى عيوب غيرك انظر إلى نفسك وأصلح عيوبها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين