سورية: هل هي مختلفة عن بقية الأقطار؟

بقلم: د. عبد الرحيم البكري  

حين هبّت رياح التغيير على المنطقة انبرى عدد من الحكام العرب إلى القول: (نحن غير) ظانّين أن هذا كافٍ لتحويل مجرى التيار، ثم تبيَّن لهم بعد فوات الأوان أنهم بشر ممّن خلق الله، وأن نظمهم يشبه بعضها بعضاً كشبه الماء بالماء: عزلة عن الواقع، واستخدام للقوة، وفقد للشرعية، وفساد عريض، وتخلّف عام، أو في معظم المجالات...
 
في سورية الأسد، تبدو المشكلة ذات رؤوس كثيرة، ولا بد للمتابع لما يقوله الرئيس بشار ويفعله من أن يُصاب بالحيرة: هل هو مغيَّب عمّا يجري حوله؟ أو أن العين بصيرة واليد القصيرة، أم أنه صار يؤمن بما يؤمن به الحرس القديم في نظامه من إمكانية استمرار خداع الشعب إلى ما لا نهاية؟
 
المشكلة في نظام الأسد أنه لا يعلم أن عقارب الساعة تدور، وأن تغير البيئة والمعطيات العالمية لا يمضي لصالحه، إذا لم يغيِّر نفسه.
 
لقد استطاع النظام خلال ولاية الأسد (الأب) أن يقتل من الشعب السوري عشرات الألوف في بداية الثمانينات من القرن المنصرم دون أن تهتز شعرة واحدة في الغرب أو الشرق، لكن هذا بات اليوم غير ممكن، قد يستطيع النظام أن يقتل العشرات يومياً ولكن إلى متى؟ وقتل المئات صعب للغاية، أما قتل الألوف فقد بات مستحيلاً.
 
الأسد وعد الناس بإصلاحات كثيرة، ومضى على بعضها (كمكافحة الفساد) أكثر من ثماني سنوات، لكن الفساد يزيد، والفوارق الطبقية تزداد عمقاً، وهو يقول دائماً: إن الإصلاح يحتاج إلى وقت، وهذا صحيح حين يتعلق بتغيير أخلاق الناس وسلوكياتهم وخلفياتهم الثقافية، لكن هناك من الإصلاح ما لا يحتاج إلى أي وقت، كما هو الشأن في ضرورة كفّ الإعلام الرسمي عن الكذب والافتراء!! ألا يستطيع النظام أن يتوقف ولو مرة واحدة ليقول: بما أن بثينة شعبان وغيرها قالت: إن مطالب المواطنين مشروعة، وإن التظاهر حق لكل مواطن، فإن علينا أن نكفَّ عن قتل المتظاهرين واعتقالهم وترويعهم؟
 
هل الكف عن القتل يحتاج إلى وقت وإلى لجان ودراسات أكاديمية؟ الجواب بالطبع لا.
 
إن أساس المشكلة في سورية أن الشعب لا يثق بأي شيء تقوله حكومته، وقناعاته العميقة وخبراته المتراكمة تجعله يقول دائماً: من جرَّب المجرَّب، فعقله مخرَّب!!
 
السؤال الجوهري الذي يطرحه كثير من المراقبين هو: هل يستطيع نظام أدمن الاستئساد على الشعب قرابة نصف قرن أن يتخلص من أنيابه وأظافره كي يوصل الحقوق إلى أصحابها، ويتعامل مع الناس كما تتعامل الحكومات المتحضرة مع شعوبها؟
 
الجواب في نظري هو: لا، إن القائمين على النظم الاستبدادية يشبهون الجراحين, فالجرّاح قد يجري الكثير من العمليات الجراحية الكبرى للآخرين، لكنه يجد نفسه دائماً عاجزاً عن إجراء أي عملية جراحية في جسمه.
 
ثم إن هدم جسور الثقة بين النظام والمواطنين يجعل أي إصلاحات يقوم بها موضع شك و يجعلها قابلة للتأويلات السيئة، ولهذا فإن إزالة الاحتقان والمضي إلى برّ الأمان في بلد كسورية، قد يكون بعيد المنال، إن لم نقل إنه مستحيل.
إذا كان النظام يخشى عواقب المماطلة في الإصلاح، فإن عليه أولاً أن يثبت حسن نيته، وحرصه على التغيير، وذلك من خلال دعوة رموز المعارضة والثورة إلى التفاوض على طاولة مستديرة حول كل ما هو موضع شكوى من الناس, بغية الوصول إلى صيغ عادلة ترضي الجميع، فهل يُقدم النظام على هذا؟
 
إيماناً مني بأن الذين يتعظون بأحداث التاريخ دائماً نادرون، فإني أقول: إن النظام لن يُقدم على هذا إلاّ حين يخسر كل أوراقه، ويجد نفسه محصوراً في زاوية ضيقة، وحينئذ فإن الثوار لن يقبلوا بالتفاوض معه.
 
الثورة السورية تحتاج حتى تنجح إلى ثلاثة أمور أساسية:
1- الحفاظ على المنهج السلمي وحمايتها من الانزلاق إلى العنف مهما كانت الحال.
 
2- أن تظل بمنأى عن الطائفية والمذهبية والمناطقية, فهي ثورة يقوم بها كل الناس لمصلحة جميع الناس.
 
3- الاستمرار والثبات مهما كانت التضحيات, فالزمن لا يعمل لصالح نظام دخل في نفق سداد فواتير ظلم عقود سوداء وقاسية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين