إعلان قتل ابن لادن زمن الثورات العربية

كثيراً ما ألحَّ علينا إعلاميونا أو بعضهم أن ننبذ أن في الدنيا مؤامرة ، وإيغالاً في التنفير من هذا الاعتقاد الفاسد – في نظرهم - أوجدوا مصطلحاً منفرا روَّجوا له سموه "نظرية المؤامرة" ينعتون به مخالفهم بأنه ساذج سخيف يرمي كل حدث على المؤامرة وتدبير الأعداء ، فأضحى متطفلو الثقافة خجلين من سيف هذه التهمة مضطرين لمجاراتهم فيها ، حتى أصبح نفي المؤامرة بالكلية مؤامرة رائجة يتستر وراءها صناع المؤامرة دون رقيب من فهم أو تحليل ، أو كشف لمخطط أو تضليل ، ولا ينكر عاقل أن الوسيلة الإعلامية المتخذة في ترويج هذه المؤامرة كلمة حق وإن أريد بها باطل !


وبغض النظر عن آراء الناس وتناقضها حول فلان من الناس ودوره في نفع الأمة أو ضرها فإن مما لا ينبغي جهله أن عدونا متفرغ منذ فترة طويلة لإلحاق الضرر بنا مستخدماً لذلك كل الوسائل بأيديه وأيدي المؤمنين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .


وسواء مِلنا إلى القول بأن ما ظل يتناوله الإعلام خلال سنوات منسوباً لما يسميه بالقاعدة هي فيه فاعلة أو مفعول بها فإن العدو قد استغله طويلاً للإضرار بنا وتسويغ كثير من جرائمه تجاهنا .


وكان التعاطي الإعلامي غير البريء لتلك الأحداث قد أوجد قناعة لدى بعض الجهات في العالم بأن الإسلام هو الإرهاب والتفجير والقتل والتدمير ، وفي أحسن الأحوال أن هذا هو ما يعرفه المسلمون وهو وسيلتهم للتعبير عن مطالبهم أو المطالبة بحقوقهم .


وظل الكثيرون يتساءلون عن مدى صدق ادعاء أن أمريكا تريد قتل ابن لادن أو إن كان بالفعل لما يمت أو يقتل في ظل حرب مدمرة دامت اثني عشر عاما في رقعة ترابية محدودة وبأسلحة طالما بالغ الإعلام في دقتها وذكائها ، وكان ذلك التساؤل دائماً يصطدم بصخرة التجاهل والصمت الإعلامي المريب !


وبعد أن أحكم العدو السيطرة وصاغ "الأنباء" والمفاهيم التي يريد سيادتها وسيطرتها جاءت الثورات العربية فقلبت الموازين وزعزعت الثوابت وشككت في المسلمات ، وأضحت حديث القاصي والداني ، وملهم المستضعفين في أنحاء المعمورة ، وأوشكت أن تهدم التصور الذي بناه إعلام العدو عن الإسلام والمسلمين ، وقد فاجأ هذا الأسلوب العدو قبل قرار التصدي له ، حتى انفلتت الثورتان التونسية والمصرية من يده ، فعض أصابع الندم ، وفكر وقدر فقتل كيف قدر ، وقرر إفشال أسلوب الثورة العربية مهما كلف الثمن ، حتى ولو كانت ضد أنظمة طالما ضغط عليها وخاصمها واتهمها برعاية الإرهاب الذي يدّعي العداء له ، كالنظامين الليبي والسوري ، واستخدم لإفشال الثورة أساليب متعددة ليس من أقلها خبثاً ومكراً التظاهرُ بدعمها في شكل ضربات تمثيلية لا تنفع ثائراً ولا تردع طاغياً ، مع التصريح بتطويل الأزمة ، وأن ليس من هدفها إزاحة الطغيان .


وصاحب ذلك ضخُّ مزيدٍ من العقاقير في أوردة الأنظمة المُثار عليها حتى لا تنجح الثورة ضدها ، فجاء إعلان مقتل ابن لادن في هذا الوقت – والله أعلم بحقيقة الحال – ليوجد للإعلام مادة للتناول وليذكر الرأي العام بذلك النهج الذي رُوِّج له باعتباره أسلوب العرب والمسلمين الأوحدَ في التغيير بعد أن كادت الثورات العربية تنسي الرأي العام لهبه وقتره ، ولا يستبعدُ أن توقَع في قابل الأيام عمليةٌ أو عمليات ذات حجم ما تصلح لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المهم ، والله محيط بالكافرين .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين