يا علماء سورية الأبرار تولَّوا قيادة الشباب في ثورتهم من أجل الإصلاح

الحمد لله والصلاة والسلام على إمامنا وقائدنا المبعوث رحمة للعالمين رسول العدل والحرية والكرامة، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وبعد:
لقد جعل الله العلماء صمَّام أمان الأمة، وألقى على كاهلهم المسؤولية حين جعلهم من ولاة الأمر، ثم شرَّفهم فجعلهم ورثة الأنبياء، ليبلِّغوا عن الله، ويقيموا الحجة على الناس حكاماً ومحكومين:[الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا] {الأحزاب:39}.
[وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ] {السجدة:24} 
وشباب الأمة اليوم بدمائهم الثائرة، وعواطفهم المتدفقة، واندفاعتهم الحماسية، وغضبتهم الصادقة أحوج ما يكونون إلى قيادتكم الراشدة: ـ أيها السادة العلماء المخلصون ـ يحتاجون إلى حكمتكم، وبُعْد نظركم، فلا تَدَعوهم وحدهم ولا تتخلَّوا عنهم...بهذا أمر الله رسوله الكريم حين حاول طغاة قريش الظالمون الباغون إبعاد الشباب المؤمن المظلوم المستضعَف المسحوق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المنقِذ المحرِر فقال له سبحانه: [وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا] {الكهف:28}. لابدَّ أن يكون هذا الشباب الثائر المخلص في عيونكُم  ـ أيها الأحباب ـ  ومحل اهتمامكم  ورعايتكم فلا تفتنوهم في دينهم. نعم... إنكم حين تتخلَّون عنهم  في محنتهم وثورتهم، وتتنكرون لمطالبهم العادلة، أو تسكتون في صراع الحق مع الباطل، ثم يقف بعضكم مع الحكام الظالمين، ليعطوهم الفتاوى، ويثنوا عليهم، ويطوِّعوا النصوص في خدمة أهوائهم، إنهم بذلك يفتنون الشباب عن دينهم، ويجعلونهم يديرون ظهورهم لشريعة الله، وقيم الإسلام ومبادئه.

وبالتأكيد فإن السادة العلماء خير من يقدر أن مطالب شعبنا وشبابنا عادلة كل العدل، وضرورية... إذ بعد أربعين سنة من القهر والظلم... آن لشعبنا السوري أن يعيش ـ ككل الشعوب ـ كريماً عزيزاً حراً، لا يتهدَّده الخوف والرعب، ولا يستبد بأمره طغاة، ولا ينهب ماله لصوص تسلَّحوا بالسلطة والقوة.
الشباب ـ والشعب من ورائهم ـ يطالبون بالحرية والكرامة، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وإلغاء قوانين الظلم والجور، ويطالبون بتعديل الدستور وإلغاء المادة /8/ منه والتي تجعل من الحزب وصياً عليه يقوده ويتحكَّم في أمره، ويطالبون بإجراء انتخابات حرة ونزيهة... وكلها مطالب عادلة لا تُمثل إلا الحد الأدنى من المطالب التي تحرص عليها الشعوب الحرة في عالم اليوم.
قيادتكم الراشدة هي الضمان لحماية البلد والشباب من الآثار المدمرة للفتنة والفوضى، خذوا زمام المبادرة كما فعل إخوانكم في مصر، فقد رأيتم العلماء الصادقين والدعاة الواعين وأهل الخبرة كيف وقفوا إلى جانب الشباب في ثورتهم، فتحققت الأهداف، وتحرَّر الشعب من الطاغوت، وفرَّ الديكتاتور، وقُمِع الظالمون، وكانت ثورة بيضاء ناصعة، أخلاقية حضارية سلمية.
يا علماء الأرض الطيبة المباركة في بلاد الشام لا تتخلفوا عن ثورة الإصلاح، ولا تحرموها قيادتكم وريادتكم وتوجيهكم، أعيدوا سيرة العلماء الذين قادوا ثورة الاستقلال والحرية في سورية الحبيبة وفي أرض العرب، التاريخ الحديث لأمتنا يشهد أن علماءنا ـ بيَّض الله وجوههم ـ هم الذين قادوا شعوبهم في مواجهة الاستعمار فكرياً وسياسياً وعسكرياً واجتماعياً، اذكروا ، سعيدا الحلبي ،و بدر الدين الحسني ، وعليا الدقر، وعز الدين القسام ،ومصطفى السباعي، وحسن حبنكة الميداني ، وعبد الكريم الرفاعي، ومحمدا الحامد ،وأحمد ياسين، وغيرهم من العلماء المجاهدين الذين كانوا في ميادين البذل والعطاء وحفظ المجتمع والذود عن الأمة ومطالبها العادلة  رحمهم الله تعالى، وأجزل ثوابهم، وأعلى مقامهم.
وختاماً فقد حفظنا وحفظتم قوله صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ فيها للضعيف بحق » والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ                                                                      الأمين العام لرابطة العلماء السوريين
18/4/2011 الموافق 14/5/1432                                 محمد فاروق البطل

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين