تربية الأبناء

تربية الأبناء(1)


سيد سابق


 
واجبات الآباء نحو الأبناء
الأبناء أمانة وضعها الله بين يدي الآباء، وهم مسؤولون عنها، فإن أحسنوا إليهم بحسن التربية كانت لهم المثوبة، وإن أساؤوا تربيتهم استوجبوا من الله أشدَّ العقوبة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته".
والأبناء يُخلقون مزودين بقوى فطرية تصلح أن تُوجَّه إلى الخير، كما تصلح أن تُوجَّه إلى الشر.
وعلى الآباء أن يَستغلوا هذه القوى ويوجهوها وجهة الخير، ويعودوهم العادات الحسنة حتى ينشأ الطفل خيِّراً لينفع نفسه وينفع أمته.


قال الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا] {التَّحريم:6}.
ووقاية النفس والأهل من النار تكون بالتعليم والتربية، وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة، وإرشادهم إلى ما فيه نفعهم وفلاحهم.


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم"([2])، وفي هذا الحديث إرشاد إلى ما ينبغي أن يكون عليه الآباء من ملازمة أولادهم، ليكون تصرف الأبناء تحت نظر الآباء وإشرافهم، فإذا تصرَّف أحدهم أي تصرف يحتاج إلى توجيه، كان ذلك التصرف موضع العناية والنظر.
والإسلام لا يُفرِّق بين الذكور والإناث في هذه الناحية، فلكل من الجنسين الحق في أن يتربى، وفي أن يتعلم العلم النافع، ويدرس المعارف الصحيحة، ويأخذ بأسباب التأديب ووسائل التهذيب، لتكمل إنسانيته، وليستطيع النهوض بالأعباء المُلقاة على عاتقه.


يقول صلى الله عليه وسلم: "من كانت له ابنة فأدَّبَها وأحسن تأديبها، وربّاها فأحسن تربيتها، وغذَّاها فأحسن غذاءها، كانت له وقاية من النار"([3]).
والمقصود بالتربية: إعدادُ الطفل بدنياً وعقلياً وروحياً، حتى يكون عضواً نافعاً لنفسه ولأمته.


والمقصود بالإعداد البدني: تهيئة الطفل ليكون سليمَ الجسم قوي البنية، قادراً على مُواجهة الصعاب التي تعترضه، بعيداً عن الأمراض والعِلَل التي تشلُّ حركته وتُعطِّل نشاطه.
هذا هو المقصود بالإعداد البدني.


ومعنى إعداده عقلياً: هو أن يُهيَّأ الطفل كي يكون سليمَ التفكير، قادراً على النظر والتأمُّل، يستطيع أن يَفهمَ البيئة التي تُحيط به، ويحسن الحكمَ على الأشياء، ويمكنه أن ينتفع بتجاربه وتجارب الآخرين.
ومعنى الإعداد الروحي للطفل: أن يكون جيَّاش العواطف، ينبسط للخير ويفرح له، ويحرص عليه، وينقبض عن الشر ويضيق به ويفر منه..


والوسيلة التي وضعها الإسلام لجعل الفرد صحيح البدن،  بعيداً عن الأسقام والعِلَل، ويجب على المربي أن يَأخذ بها في التربية، تتلخص فيما يلي:
1 ـ أن يحرص على النظافة في البدن والثوب والمكان، إذ أن النظافة ركن من أركان الصحَّة ودعامة من دعائمها.
2 ـ أن يُعَوَّد الطفل الأكل من الطيبات التي تُغذِّي البدن وتقويه، مع البعد عن الإسراف الذي يَضُرُّ الجسم، ويعرِّضه لكثير من الأمراض: [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ] {الأعراف:31}.


3 ـ أن يُحبَّب إليه مُمارسة الألعاب الرياضية مثل العدو، والسباحة والرماية، والمُصارعة وركوب الخيل، ولعب الكرة، ونحو ذلك من الألعاب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسابق ويُصارع، ويرشد أمته إلى الأخذ بأسباب القوة.
أما الوسيلة لإعداد الفرد عقلياً فهي: إنَّ الإنسان لا يحيا بجسده وحده، فإنَّ حياة الجسد هي حياة الحيوان، ولهذا وجب على المربي أن يعدَّ الطفل عقلياً. 
 
ويمكن تلخيصُ هذا الإعداد باتخاذ الوسائل التالية:
1 ـ القراءة والكتابة والتعلم.[اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ(4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) ]. {العلق}..
2 ـ التأمل والتفكير: وهما ضروريان لتنمية العقل واستقلاله بالفهم والإدراك.
3 ـ السياحة والرحلة والتنقل في الأرض، فإنَّ ذلك يُفيده عِلماً جديداً ومعرفة صحيحة.
 
وتتلخَّص وسائل الإعداد الروحي فيما يلي:
1 ـ إبراز قيمة الفضائل وآثارها الفردية والاجتماعيَّة، أو إظهار مساوئ الرذائل وآثارها أمام الطفل، بقدر ما يتسع له فهمه.
2 ـ أن يكون الآباء أنفُسُهم مُثلاً صالحة لأبنائهم؛ فإنَّ الأطفال من عاداتهم أن يتشبَّهوا بآبائهم، ويُحاكوهم في أقوالهم وأفعالهم.
والقدوة الصالحة ما هي إلا عرض مُجسَّم للفضائل، وإنَّ الطفل الذي يَرى والديه يهتمان بأداء الشعائر، والبعد عما يُخِلُّ بتعاليم الدين، مثل الكذب والغَدْر، والنميمة، والأَثَرة، والبُخْل، وغير ذلك من الصفات الذميمة، لابدَّ أن يَتَأثَّر أثراً بالغاً مما يَراه ويُشاهده من والديه.
3 ـ تلقين الطفل مبادئ الدين، وتمرينه على العبادات، وتَعويده مُمارسة فعل الخير، فإنَّ ذلك يجعل منه نَواة صالحة لمُجْتمع سليم راقٍ.
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"([4]).
4 ـ على الآباء أن تكون مُعاملتهم لأولادهم قائمة على أساس المُلاطفة، وخَفْض الجناح.
 
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه أن يُعاملوا أولادهم بالرفق واللين، ويضرب لهم المَثَل بما يُمَارسه هو بنفسه، فقد كان يُصلي يوماً إماماً، فارتحله الحسن بن بنته السيدة فاطمة رضي الله عنها، فأطال السجود... فلما فرغ قالت الصحابة: يا رسول الله أطلت السجود؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله([5]).
 
"وقَبَّل صلى الله عليه وسلم طفلاً من أبناء بناته، فقال رجل من الأعراب أتُقبِّلون أبناءكم؟ إنَّ لي عشرةً من الولدِ ما قبلتُ واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قبلك!" ([6]). أي: ما أستطيع أن أفعله معك وقد غاض نبع الرحمة من قلبك.
5 ـ ومما هو ضروري أن يُحبِّبَ الآباءُ أبناءَهم في اختيار الأصدقاء الأخيار، ومُزاملة أصحاب الخُلُق الفَاضل؛ فإنَّ الأطفال تُحامي بعضهم بعضاً، ويتشبَّه كلٌّ بالآخر.
والله ولي التوفيق.


________________________________________
([1]) مجلة لواء الإسلام العددان الثاني والثالث من السنة الثلاثون شوال1395هـ=اكتوبر1975م.
([2]) لم أجده في المراجع الحديثية . والله أعلم .
([3]) رواه الطبراني في "الكبير" (10447)، من حديث وائل عن عبد الله، وضعَّفه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء. وقال الهيثمي في المجمع 8 / 158: فيه طلحة بن يزيد وهو وضاع.
([4]) رواه أبو داود (495)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير".
([5]) أخرجه أحمد (27647)، والنسائي (1141)، والحاكم ، وصحَّحه من حديث شداد بن الهاد. 3 / 181: وقال الذهبي: على شرط الشيخين. قال الهيثمي في المجمع 9/181: فيه محمد بن ذكوان وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([6]) أخرجه البخاري (5998)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين