العجلة ـ 1 ـ

الشيخ: مجد مكي

نهى الله تبارك وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم عن أن يعجل بالتلاوة قبل أن يقضى إليه وحيه، فقال تعالى [لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ(18) ]. {القيامة}..
وفي سورة طه:[ وَلَا تَعْجَلْ بِالقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا] {طه:114}.
وقال تعالى:[وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا] {الإسراء:11}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له.
وقال تعالى:[وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ] {يونس:11}. أي: لو عجَّل الله للناس العقوبة، كما يستعجلون الثواب لأهلكهم.
روى مسلم عن جابر بن عبد الله أنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة بطن بواط ـ وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني ـ وكان الناضح يعقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه، فتلدَّن عليه بعض التلدّن ـ أي: تلكأ وتوقف ـ فقال له: شأ لعنك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من هذا اللاعن بعيره ؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم )
1 ـ قال تعالى:[خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ] {الأنبياء:37}.
خلق من عجل أي: رُكِّب على العجلة، فخلق عجولاً، فطبعه العجلة.
مذمَّة العجلة:
والعجلة هي الباعث على تحصيل المرام بسرعة، وعلى الإقدام على الشيء بأول خاطر، دون تأمل و نظر، أو الباعث على الإتمام بدون توفيته كل جزء حقه.
من آفات العجلة:
ومن آفات العجلة: فوات المطلوب لخلل في مقدِّماته بسبب العجلة، وفي الحديث الشريف: (إنَّ المُنْبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) رواه البزار.
والمنبت: هو المنقطع في سفره بسبب العجلة، وتحميله فرسه من الإسراع ما لا يطيق.
ومن آفات العجلة:إيقاع العبادة المؤقتة قبل دخول وقتها:
كالأذان قبل تحقق دخول الوقت، وكالإحرام بالصلاة قبل انتهاء الآذان، ومن العجلة المذمومة: سعي المسبوق ليدرك الركوع مع الإمام، وربما ظن أنه أدركه، مع أنه لم يدركه، فلا تصح صلاته بسبب وقوع تكبيرة الإحرام في غير حالة القيام، أو عدم إدراك الركوع المفوِّت للركعة.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون،وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).
ومن العجلة المذمومة: مسابقة المقتدي لإمامه في أفعال الصلاة.
روى البخاري ومسلم: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار).
ومن العجلة المذمومة: ترك الطمأنينة والاعتدال:
روى الإمام أحمد مرفوعاً: (أسوأ الناس سرقة، الذي يسرق من صلاته قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق من صلاته؟! قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن رجلاً دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليكم السلام، ارجع فصلِّ، فإنَّك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلَّم، فقال: وعليك السلام: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلَّم، فقال: وعليك السلام: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل. فقال: علِّمني يا رسول الله. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ  الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم كبر حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ).
ومن العجلة المذمومة:
الإسراع في رد الجواب قبل فهم السؤال، والإسراع في المشي الناشئ من طيش وخفة، والإسراع في سَوْق دراجة أو سيارة، وكم أعقبت العجلة من حوادث مؤلمة وندامة!.
العجلة فضيلة في أمور:
1 ـ أداء العبادة في وقتها، كالصلوات الخمس، ورواتبها، وقضاء الفوائت منها، وإيتاء الزكاة وأداء فريضة الحج عند الاستطاعة.
2 ـ ومنها تعجيل زواج البنت إذا بلغت، وطلبها الكفء، بلا التفات إلى كثرة مهر، وفي الحديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد).
3 ـ ومنها تعجيل وفاء الدَّين المطلق، والمؤجَّل: إذا حلَّ أجله، فإن في تأخيره خطر هجوم الموت فتبقى ذمة المدين مشغولة، وروحه محبوسة في البرزخ بدَينه.
4 ـ ومنها تعجيل تجهيز الميت: ففي التعجيل إكرامه، وفي تأخيره ربما يقبح مظهره أو يظهر نتنه.
5 ـ ومنها تعجيل قرى الضيف، فإنه يكون جائعاً، وربما كان مضطراً إلى سرعة الذهاب.
6 ـ ومنها تعجيل التوبة خشية هجوم الموت، فيندم حيث لا ينفع الندم وكذلك يطلب الإسراع في عمل كل خير.[إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) ]. {النساء}.
والمطلوب من المسلم أن يتحقق بالأناة، وهي الوسطية المحمودة التي تتحلى بها الشخصية المسلمة، فما هي الأناة ، وما الفرق بينها وبين العجلة والتباطؤ؟؟
الأناة: هي التصرف الحكيم بين العجلة والتباطؤ، وهي من سمات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة فهي من سمات أصحاب الرعونة والطيش، وبخلاف التباطؤ والتواني فهما من صفات أصحاب الكسل والعجز.
والإسلام يذمُّ الاستعجال وينهى عنه، ويذمُّ التباطؤ ويحذِّر منه، ويمدح الأناة ويأمر بها.
روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس:( إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).
وروى الترمذي عن سهل بن سعد مرفوعاً:( الأناة من الله، والعجلة من الشيطان ). الأناة غير التسويف:
قال الله تعالى: [سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ] {الحديد:21}. وقال تعالى:[وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] {آل عمران:133}. وقال جل وعلا:[يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ] {آل عمران:114}. وقال جل وعز:[ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ] {الأنبياء:90}.
وروى أحمد والترمذي: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).
(بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشرُّ غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين